الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحفاد جاليليو والبابا بنيدكت

عصام عبدالله

2008 / 1 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أعلنت مجموعات من طلاب كلية العلوم بجامعة " لاسبينا " الإيطالية رفضها زيارة بابا الفاتيكان "بنيدكت السادس عشر" يوم الخميس المقبل للجامعة ، إحتجاجا على إعلان رفضه لاعتراف الكنيسة بخطأ إعتقال وتعذيب العالم الايطالى "جاليليو" ، عام 1990 .. حيث أكد البابا وقتها أن الكنيسة كانت على حق .
بعد أن أيد نظرية دوران الأرض حول الشمس لكوبرنيقوس ، بينما كانت الكنيسة تؤكد العكس.
وتخشى إدارة الجامعة والمنظمون من دولة الفاتيكان أن يتسع نطاق الاحتجاج لطلاب آخرين خلال إلقاء البابا كلمته فى إحتفالية إفتتاح العام الاكاديمى الجديد.وقد أكد المحتجون أنهم سينظمون مظاهرات ويرفعون اللافتات الرافضة لفكر البابا ضد العلم داخل أسوار الحرم الجامعى.
فما هي حقيقة الخلاف بين أحفاد جاليليو وبابا الفاتيكان ؟
تاريخيا ، تأخر تطوير علم الطب حتى القرن الرابع عشر بسبب تحريم الكنيسة الكاثوليكية القيام بشريح جثة الميت، وأول من تجرأ على تشريح جثة ميت هو طبيب إيطالي في "بادوا" بإيطاليا، وذلك عام (1315)، ولكنه لم يجرؤ على فتح رأسه وتشريح دماغه خوفًا من ارتكاب الخطيئة القاتلة والخروج على تعاليم الدين المسيحي أو "المقدسات"، لذا كان يضع فوق طاولة التشريح كرسيًا لراهب يتلو صلوات من أجل راحة نفس الشخص الذي كان يشرحه، واستمر هذا الوضع حتى عام 1405، حين ألغى مجلس شيوخ البندقية سلطة محاكم التفتيش".
ومما يذكر عن محاكم التفتيش في هذا الصدد أنها انتقمت من "بطرس الآبانوي" - أبرز المؤسسين للرشدية اللاتينية في جامعة "بادوا" بايطاليا عصر النهضة - حتى بعد وفاته، إذ مات بطرس ومجلس التفتيش يبحث قضيته، وكان عقابه حرق عظامه عقابًا له! لذا ظل اسمه في ذاكرة العوام مثقلاً بالمـكايد الجهنـمية.
ومن المفارقات أيضًا أن "توركويمادا" (1420 - 1498) - أشهر رئيس لمحاكم التفتيش في أسبانيا، كان يبرر إحراق مئات "الزنادقة" و "السحرة" على الخازوق (وتعريف الزنادقة والسحرة كان: كل منشق على الكنيسة الكاثوليكية أو رافض لها في العقيدة أو السلوك أو المصالح) بقوله: "نحن نحرقك في الدنيا رحمة بك، حتى ننقذك من النار الأبدية في الآخرة"•
وقد امتدت تهمة الزندقة إلى"الإبداع" العلمي وقتئذ، ذلك أنه كان ثورة على الموجود والقائم والمستقر، وإحلال الجديد محله، وأبرز نموذج في التاريخ الحديث هو "جاليليو" الذي أيد نظرية "كوبر نيكوس" القائلة بدوران الأرض حول الشمس، وهو ما يتعارض وتعاليم الكنيسة الكاثوليكية التي أكدت ثبات الأرض باعتبارها مركز الكون، واعتبرت القول بعكس ذلك "بدعة" و"ضلالة" فقد أصدر جاليليو كتابه المعنون بـ حوار حول النظامين الرئيسيين للكون: النظام البطليموسي والنظام الكوبرنيكي عام 1632، وأعلن في شجاعة: "أن نظرية مركزية الأرض ليست سوى خيالات ملفقة"•
وفي العام 1632 منع كتابه وحظر نشره، وأدين جاليليو بالفعل من قبل محاكم التفتيش، واستمر هذا المنع حتى عام 1822، حيث أعيد نشره على نطاق واسع.
وتكشف مأساة جاليليو عن أمرين غاية في الأهمية، الأمر الأول هو أن جاليليو لم يتعرض للمساءلة والمحاكمة لمجرد قوله بدوران الأرض حول الشمس، أو لخروجه على نسق فكري لعلاقات بنية فلكية مستقرة تتبناها الكنيسة الكاثوليكية وهي "مركزية الأرض"، وإنما لأنه أبدع نسقًا فلكيًا جديدًا خلخل البنية الاجتماعية الطبقية السائدة والمستقرة آنذاك.
وقد عبر "برتولد بريشت" تعبيرًا رائعًا عن هذه الحقيقة في المشهد العاشر من مسرحيته (حياة جاليليو) إذ يقول منشد الجوقة في بعض المقاطع:
لما انتهى الرب القدير من خلق الدنيا
على الشمس نادى وإليها أصدر أمرًا
أن ترسل ضوءها حولنا وهي تدور
وهكذا بدأت تدور الكائنات الصغيرة حول الكبيرة
في السماء كما في الأرض
فحول الباب يدور الكرادلة
وحول الكرادلة يدور الأساقفة
وحول الأساقفة يدور الأمناء
وحول الأمناء يدور الآباء
وحول الآباء يدور الصناع
وحول الصناع يدور الخدم
وحول الخدم يدور الكلاب والدواجن والشحاذون
هذا أيها السادة الطيبون هو النظام
ولكن ماذا حدث بعد ذلك أيها الناس الطيبون
...جاء الدكتور جاليليو
فألقى بعيدًا بالكتاب المقدس ثم صوب منظاره
وألقى على الكون العظيم في نظرة
وللشمس قال: ابقي في مكانك
سيدير الإله الخالق كل شيء على خلاف ما فعل
آه.. آيتها السيدة: حول خادمتك
ستدورين منذ الآن"•
الأمر الثاني هو أن جاليليو "كان أول من استخدم اللغة العامية الإيطالية في الكتابة "العلمية" ومعروف أنه يتميز بروعة أسلوبه، فقد صدر أكثر من كتاب في الغرب يشيد ببلاغة جاليليو، وأن اختياره للعامية وتحديه للغة اللاتينية كان سببًا من الأسباب الرئيسية في عدم الرجوع عن إدانته. صدرت إدانة جاليليو عام 1633، حين أعلنت محكمة الكرسي المقدس، بعد محاكمة استمرت ستة شهور أنه: "يشتبه لآخر درجة في خروجه عن الدين القويم (الهرطقة) لأنه نادى وآمن بعقيدة كاذبة مخالفة للكتاب المقدس عقيدة مؤداها أن الشمس هي مركز العالم، وأنها تتحرك من الشرق للغرب، وأن الأرض تتحرك وليست مركز العالم".
أضف إلى ذلك أن التحقيقات أثبتت أنه بدلاً من أن يكتفي بالدفاع عن مذاهب منحرفة إلى هذه الدرجة، فقد أراد نشرها على أوسع نطاق ممكن، واتبع حيلة تلخصت في اختياره الكتابة باللغة العامية.
فقد كانت الكنيسة الكاثوليكية تقدس اللغة اللاتينية لغة الدين والعلم في العصور الوسطى، وكانت تعتبر اللغات العامية أو الشعبية "لهجات منحطة"، وكان أول ما فعله "لوثر" في عصر النهضة هو ترجمته للكتاب المقدس من اللغة اللاتينية إلى اللغة الألمانية الدارجة وذلك في عام (1522 - 1530)، وكان يعتبر أفضل قاموس في العالم هو قاموس الأمهات في البيوت والأطفال في الشوارع والرجل العادي في السوق، وهو القاموس الذي استفاد منه في الترجمة، والذي أبدع من خلاله "جوته" و"شيللر" و"هلدرلين"، من بعده، روائع الأدب الألماني العالمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah