الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملحمة الطف قراءة من وجهة نظر أخرى

عبدالحسين الساعدي

2008 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما شرع النبي محمد في بناء الدولة الإسلامية الجديدة وبناء المجتمع الجديد القائم على أسس مستندة الى روح القرآن ومنهجه في بناء حياة إنسانية لائقة تحقق العدالة الأجتماعية للكل دون تمييز في اللون أو العرق أو الجنس ، وعندما رحل النبي محمد ترك وراءه نظاماً سياسياً وآجتماعياً وأخلاقياً متيناً ، بيد إنه في هذا البناء كانت تختفي عناصر الثورة المضادة التي كانت تتحين الفرص للأنقضاض على الدولة الإسلامية ووأد هذا النموذج الذي أقضَّ مضاجعهم وضرب مصالحهم ونسف معتقداتهم وحدَّ من آستهتارهم في التلاعب بمصائر الرعية .
أخذت قوى الردة تسفر عن وجهها وهويتها ، وأبتدأت بمسلسل الردّة ، حيث كان هناك تيار أنتهازي خفي يلعب بشكل غير منظور ، وكان هذا التيار محسوباً من حيث الظاهر على الإسلام والدولة الإسلامية ، ولكنه كان بحق يمثل قوى الردّةِ الحقيقية ، فبدأ يتبلور ويأخذ شكله النهائي والمكشوف بعد وصوله الى كرسي الحكم ، وما بروز يزيد بن معاوية الى واجهة الحكم إلا تجسيداً حقيقياً لهذا التيار ، فأتّجهَ أتجاهاً خطيراً مستهدفاً نسف البناء من الأساس ، حتى عانى نتيجة ذلك المجتمع برمّتِه من جور النظام وأستهتاره وتلاعبه بمصير الأمة ومقدساتها ، وتجاوزه لمنظومة القِيمَ الأخلاقية السائدة ، ومن ثم العودة بالمجتمع الى الوراء حيث الفجور والعصبية القبلية والقتل والتصفيات للخصوم الرافضين لهذا المنهج المنحرف ، وتبديدهم الثروات والخيرات وصرفها على ملذاتهم وشهواتهم ومجونهم .
ونتيجة لهذا كان لابد من أنتفاضة حقيقية تقوم بالتصحيح ، وتنسف النموذج المسخ المشوَّه ، وتدك معاقله ، وتعيد للإسلام والرسالة صفاءَهما وبريقَهما وتُعيد للدولة الإسلامية هويتها وهيبتها ودورها الريادي في قيادة المجتمع نحو الصلاح والفلاح ، وقد آنبرى لهذا الدور التاريخي والبطولي الذي أتسم بروح المسؤولية والإرادة والتصميم على التغيير الإمام الحسين بن علي بالرغم من جميع الظروف التي تحيط به ، والتي لم تكن تتناسب والتغيير المنشود ، وكان من أبرزها عدم تكافوء قوى المعسكرين من ناحية العُدّة والعدد ، الى جانب أن النظام المنحرف كان يمتلك قاعدة جماهيرية مؤيدة له بقوة ( السيف والمال ) ، فضلاً عما كان يمتلكه من أمكانات الدعاية والتعبئة والأسناد ، وفي كلا مركزي الحكم الشام والكوفة .
يبقى السؤال الكبير والمحير الذي يرد على ألسنة الكثير من المهتمين بهذه الأنتفاضة ، ومفاده ما الحكمة والجدوى من هذه الأنتفاضة طالما كانت موازين القوى غير متكافئةٍ ، ولماذا أقدم الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب على مثل هذه المجازفة الخطرة والمعروفة نتائجها سلفاً ، ولماذا تضامن معه أهل بيته وصحبه ، ولا سيما أخته الرمز للمرأة الثائرة ( زينب بطلة كربلاء ) ، وأخيه العباس الذي ضرب مثلاً في الإيثار والتضحية والفداء من أجل المباديء والقيم السامية ، وأستشهد دون أخيه ، وهو يحمل الماء الى المعسكر القيم والنبل والصمود والشهادة ، فكُرِّم بالمجد الباذخ
في وطن الماء
طلبت الماء
ولم ترشف قطرة من هذا المد
عراقيون
وكنت تؤمِّلُ أن يعطوك الماء
فأعطوك المجد
لتقرَّ العين
فقد أوصيت .........وبابك لن يوصد
إن قيام الإمام الحسين بالأنتفاضة على الطاغوت والفساد لم يكن لمصلحة شخصية آنيةٍ أو مغامرة ، بل جاءت آستجابة لحكم شرعي ، ومن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالقاعدة الفقهية تقول (الأشتغال اليقيني يستوجب الفراغ اليقيني ) ، وما قول الحسين ( أني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وأنما خرجت لطلب الأصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمُرَ بالمعروف وآنهى عن المنكر , وأسير فيهم بسيرة أبي ) إلا تجسيداً لذلك .
الكل يرى إن الحسين بن علي كان يعرف أن الأنتفاضة ناجحة منذ البداية ، ومحسوبة النتائج سلفاً ، فهو أراد أن يوصِل نداءه الى كل الأحرار في العالم ، وحثهم بعدم الرضوخ والخنوع والذل ، ودعوتهم لرفض الأستسلام للطاغوت والفساد ، ومصداق ذلك قوله ( لا والله لا أُ عطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد ) ، كما أن رفض الثائر الأبي للسلطة والمال والأغراء بالجاه وحياة الترف التي وُعِدَ بها فلم تثن من عزمه في قول الحق أو التراجع عن الواجب الملقى على عاتقه .
إن أنتفاضة الطف لم تكن نتيجة صراع قومي أوطبقي ولا جاءت نتيجة تناقض وسائل الأنتاج وعلاقات الأنتاج وتوزيع الثروات ، بل جاءت نتيجة أنحراف السلطة وآرتدادها عن منظومة القيم والمباديء الأخلاقية التي جاهد من أجلها الرسول الكريم وصحبه المنتجبون ، وهذا بحد ذاته قانون ومسبب للثورة يضاف الى جملة قوانين الثورة التي قد يكون بعض المنظرين غفل عنها .
كما إن أنتفاضة الطف لم يكن هدفها النصر أو الكسب العسكري الآني والذي سرعان ما يذهب ويزول أو قد ينسى على مر الأيام ، بل العبرة والمراد الحقيقي منها أن تكون نبراساً يقتدى به على مدى الزمان ، وهاهي كذلك فقد أصبحت مثالاً يقتدى به من قبل الرموز والثوار وقادة الشعوب الرافضين الظلم والحيف والساعين لتحقيق العدالة الأجتماعية ، وهاهو غاندي يقول ( تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً لأنتصر ) .

وما أروع ما قاله الشريف الرضي في أنتفاضة هذا الإمام الشهيد الثائر حيث قال :

راحلٌ أنتَ والليالي تزولُ
ومُضِرٌ بكَ البقاءُ الطويلُ
لا شُجاعٌ يبقى فيعتنقُ البيضَ
ولا آمُلٌ ولا مــأمــولُ
غايةُ الناس في الزمان فَناءُ
وكذا غايةُ الغُصونِ الذُبولُ
إنمّا المرءُ للمَنيّةِ مَخبُوءٌ
وللطعنِ تستجُم الخُيولُ
من مقيلٍ بين الضلوع إلى طولِ عَناءٍ
وفي الترابِ مُقيلُ
فهو كالغَيم ألفته جُنوب
يومٌ دُجنَ ومزقته قَبولُ
عادةٌ للزمانِ في كل يومٍ
يتفانى خلٌ وتبكي طُلولُ
فالليالي عونٌ عليك مع البين
كما ساعدَ الذَوابلَ طولُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي


.. الموت.. ما الذي نفكر فيه في الأيام التي تسبق خروج الروح؟




.. تعمير -القس تادرس رياض يوضح تفاصيل كاتدرائية ميلاد المسيح من


.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح مرسومة




.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصم