الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة أغتيال عدي صدام حسين ... وأسطورة الجدار الأمني الموهوم

عبدالحسين الساعدي

2008 / 1 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لم يشهد التاريخ مثيلاً من قبل نظاماً كنظام صدام حسين الشمولي ، فمنذ مجيئه الى دست الحكم ، وهو لم يبرح يقيم عرسه الدموي بحق أبناء العراق البررة من الذين وقفوا في وجه الظلم والقتل والأستهتار الذي وسم هذا النظام وتميز به .
فقد بدأ مسلسل القتل والتصفية بحق الوطنيين والسياسيين المعارضين له من رجال الفكر والسياسة والدين والوجوه الآجتماعية ، ومن جميع أطياف المجتمع العراقي دون آستثناء أو تمييز ، وشملت العرب والكورد والتركمان وغيرهم ، وملئت السجون بالقسم الكبير منهم وأجبر بعضهم على مغادرة البلاد طلباً للأمان ، وهذا ما جعل البلاد تمور بغضب شعبي عارم ضد سياسة الجور والحرمان والسجون السرية وأحواض الإِذابة بالأسيد .
لقد كان لسياسة الطاغية أثرها بإنزال الضيم والحيف في الكثير من مناطق العراق ، والتي كانت لا توالي هذا النظام نتيجة سياسته الرعناء والدموية ، وكانت المحافظات الجنوبية مثالاً لذلك ، فقد دفعت هذه المدن ثمناً غالياً لوقفتها في وجه الطاغية ، فدفعوا دماء أبنائهم وأرواحهم على طريق المقاومة والتحدي لهذا النظام الطاغوتي ، وتحولت الأهوار في الجنوب الى ملاذٍ للثوار والمعارضين ، ومنطلقٍ لعملياتهم الجهادية ضد النظام ورموزه وأذنابه لا سيما بعد الأنتفاضة الشعبية في أذار ـ شعبان من عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين ، ونظراً لطبيعتها الوعرة والقاسية ، وتعذر وصول الحكومة بسهولة إليها ، فضلاً عن آستعداد سكانها للتعاطف والمؤازرة مع المجاهدين والثوار ، كما كان الوضع في كوردستان عاملاً مشجعاً لهم ، حيث سبقهم الثوار والمعارضون من آتخاذ جبال كوردستان ساحة لعملياتهم الجهادية البطولية .
شكلت في أهوار العراق ولا سيما أهوار ميسان وذي قار قواعد للثوار والمجاهدين بعد الآنتفاضة الشعبية عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين ،وقامت بتنفيذ جملة من العمليات النوعية داخل المدن القريبة وعلى أطرافها ، وباتت تشكل تهديداً وخطراً وإزعاجاً لرموز السلطة ، إلا أن الثوار والمجاهدين لم يقفوا عند هذا الحد بل أخذوا يفكرون بشكل جدي لتطوير عملهم نوعياً ، والآنتقال به الى العاصمة بغداد ، والقيام بعمليات تستهدف الخط الأول من عناصر النظام ورموزه ، وذلك لسببين أولهما هو كسر حاجز الخوف والتردد عند المعارضين لهذا النظام ، والثاني محاولة حقيقية لتفنيد نظرية الطوق والحاجز الأمني الحديدي الذي كان النظام يحتمي ويتباهى به ، فآنتقلوا نتيجة ذلك الى واقع التخطيط والتنفيذ ، متجاوزين مرحلة التنظير والأحلام والرغبات .
قامت حركة الخامس عشر من شعبان برئاسة ( رزاق ياسر مطهر ، الملقب سيد حمزة ) ، وهي أحدى المجاميع الجهادية التي تتخذ من أهوار ذي قار ، وبالذات في مناطق عشائر آل جويبر مقراً لها بعد أنتفاضة أذار ـ شعبان من عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين بدراسة أمكانية نقل العمل العسكري الى بغداد ، وجرى آختيار العناصر الكفوءة والمؤهلة ، وأرسالها الى بغداد لتأسيس قيادة ميدانية تعمل على أنضاج العمل العسكري ضد النظام ، وكان على رأس هذه المجموعة ( سلمان شريف دفار ، الملقب أبو أحمد البزاز ) ، وبعد مرور مدة على العمل الآستطلاعي الميداني توافرت معلومات تفيد بالوجود شبه المنتظم في منطقة المنصور لــ ( عدي صدام حسين ) النجل الأكبر لطاغية العراق ، والذي أخذ يعدة ويدربه على تسلم السلطة من بعده ، وكان عدي هذا نزقاً ومستهتراً وصاحب شهوات ونزوات غريبة ، مع ميله الى العنف والسادية التي كانت تكم تصرفاته ، فضلاً عما أشتهر به من كثرة علاقاته بالنساء والأغتصاب ، وولعه بالمجون والليالي الحمراء ، حتى عد رمزاً بغيضاً لهذا النظام .
قامت قيادة الحركة بدراسة المعلومات الأستخبارية وتحليلها التي تم أرسالها من قبل القيادة الميدانية ، بعدها تم التوصل الى قرار البدء بالتخطيط ومن ثم الأنتقال لتنفيذ عملية الآغتيال الجريئة والبطولية .
بعد جهد جهيد تم جمع المعلومات الآستخبارية الدقيقة عن تحرك ( عدي ) في منطقة المنصور وجرى تحليل المعلومات ودراستها مع قيادة الحركة في أهوار ذي قار وخصوصاً عند عشائر آل جويبر في منطقة ( الزورة ) ، وبعد توافر القناعة ، والآطمئنان الى صحة المعلومات ، ومع وجود أدوات التنفيذ ، وبإمكانيات بسيطة وتمويل ذاتي من الحركة دون دعم خارجي تم أتخاذ قرار العملية ، وآختيرت المجموعة التي ستقوم بتنفيذ العملية .
أنتقلت المجموعة المكلفة بالتنفيذ الى بغداد ، لتستقر في دار مؤجرة في منطقة ( الزعفرانية ) ، وأخذت بالتجهيز وشراء سيارة خاصة تستخدم في العملية المرتقبة ، بعدها جرى نقل السلاح وعلى شكل مراحل من ذي قار الى بغداد من قبل ( حيدر رشيد الخالدي ، الملقب أبو زهراء ) و ( تحسين مجيد عليوي ) ، بعد معاناة طويلة وقاسية .
آستطلعت المجموعة بالكامل منطقة التنفيذ ودرست مداخل المنطقة ومخارجها ، ومنطقة القتل المثلى ، ومن ثم شرعوا بمرحلة التنفيذ الحقيقي لآصطياد الهدف ، إلا أن طارئاً قد حدث وهو إن الهدف لم يتردد على المنطقة في الأسابيع الثلاثة الأولى ، وعرف فيما بعد أن السبب وراء هذا الآنقطاع هو آشتغال ( عدي ) بمتابعة المسابقات الدولية بكرة القدم .
تأخر تنفيذ العملية أكثر من المدة المقررة المتفق عليها ، ما دعا قيادة الحركة أن تقلق وتتخوف على عناصرها من الكشف والوقوع بأيدي السلطة ، فآوفدت ( حير رشيد الخالدي ) الى بغداد ليبلغ المجموعة المنفذة بضرورة الآنسحاب والعودة للأهوار ، إلا أن قائد المجموعة ( سلمان شريف دفار ) طلب من الموفد عن القيادة أن يمهلوهم أسبوعاً أخر ، وكفرصة أخيرة ، فتمت الموافقة على ذلك .
في مساء يوم الخميس 12/ 12/ 1996 ، وتحديداً في الأسبوع الرابع من عملية الرصد والآنتظار لآصطياد الفريسة ، جرى توزيع المجموعة في منطقة المنصور وتحديداً بالقرب من محلات الرواد ، وكانت على الشكل التالي ، ( مؤيد راضي وتحسين عبد مكتوب ) يقومان بالرمي على الهدف عند وصوله بعد تسلم الأشارة من ( سلمان شريف دفار ) حين مشاهدته لوصول الهدف كما سيقوم إضافة الى ذلك بعملية الأسناد والتغطية ، أما الرابع ( عبدالحسين جليد عاشور ) فسيمكث في السيارة آستعداداً لنقل المجموعة بعد التنفيذ ، وفي تمام الساعة السابعة ظهرت سيارة ( عدي ) البورش ، وعلى بعد خمسة عشر متراً من المجموعة المنفذة كان ( سلمان شريف دفار ) يقف ليعطي الأشارة ، وبمجرد تلقي الأمر وثب المكلفان بالرمي وبصولة صاعقة وسريعة وشجاعة تشبه صولة القسور على فريسته ثأراً للعذارى والمفجوعين بأحبتهم ، فأمطروا الهدف بوابل من رصاصات رشاش كلا شنكوف روسي الصنع ، وبعد إن تأكدوا من أصابتهم الهدف ، أنسحبوا على أثرها بسرعة فائقة لم ينتبه لهم أحد من المارة أو الموجودين في المنطقة ، وأختفت المجموعة من ساحة الرواد ، بعد أن جعلت الشارع والأجهزة الأمنية المنتشرة في المنطقة بحالة من الصدمة والذهول ، وهي ترى ( عدي ) مضرجاً بدمائه .
أنسحبت المجموعة بعد العملية مباشرة الى القواعد في الأهوار ، ما خلا ( سلمان شريف ) الذي آلتحق بهم بعد أيام من تنفيذ العملية ، وبعد إن آستطاع أن يموه على الأجهزة الأمنية التي آنطلقت بتنفيذ عمليات مسعورة من الآعتقالات العشوائية في العاصمة بغداد وخاصة في المدن التي لا توالي النظام .
ذعرت الأجهزة الأمنية وصدمت ، ومن قبلهم ( صدام حسين ) وحاشيته ، الذين كانوا يعتقدون أنهم في منأى عن بطشة الشعب المظلوم ، وأن أجهزتهم الأمنية والجدار الحديدي الذي يضرب حولهم ، والتي كانوا يتباهون بها لن تخترق ، فتبادر الى ذهنهم العاجز والمهوس إن خيانة حدثت من داخل صفوفهم ، فجرت حملة آعتقالات عشوائية طالت الكثير من ضباط الجيش وعناصر الأجهزة الحزبية والأمنية المشكوك بولائها للنظام ، ولكن دون جدوى .
أعلنت ( حركة الخامس عشر من شعبان ) مسؤليتها عن تنفيذ العملية البطولية ، وتناقلت وسائل الإعلام ذلك ، فجن جنون النظام ، فقام بتجهيز حملة عسكرية ضخمة بقوة فرقة ، وبإسناد الأجهزة الأمنية ، وما يسمى بالجيش الشعبي ، وكان على رأس هذه القوة ( قصي صدام حسين ) و( عزة الدوري ) و ( علي حسن المجيد ) وغيرهم من القيادات الحزبية والعسكرية ، وتم تطويق الهور ومنطقة آل جويبر حيث قواعد المجاهدين ، وكانت تحد المنطقة سداد ترابية أقامها النظام فيما سبق لأغراض أمنية ، وأدعى في حينها إنه يقوم بمشاريع تطويرية وآستصلاح للأراضي ، في حين كانت في الواقع تشكل جزءاً من حملة لتجفيف الأهوار لغرض السيطرة عليها .
قصفت منطقة ( الزورة ) ، حيث القواعد الرئيسية للمجاهدين بالطائرات والمدفعية ، وجرت معركة غير متكافئة بين القوات الحكومية وبين المجاهدين والأهالي ، وبعد سبعة أيام من القتال البطولي أدرك فيها المجاهدون بخطر الآستمرار في القتال المباشر مع العسكر ، فتم وضع خطة سريعة ، تتلخص بفتح ثغرة في الجدار الذي ضرب حولهم والآنتقال الى الجانب الآخر للتخلص من هذا الطوق ، وبعملية شبه خيالية ( سنكتب لاحقاً تفاصيلها الدقيقة ) أستطاع المجاهدون الأنتقال الى الجانب الآخر ، بعدها قام الجيش بإقتحام المكان دون أن يقتل أو يجرح أي شخص ، فضلاً عن عدم حصولهم على أي شيء يذكر من وثائق أو معدات وموجودات المجاهدين ، صعق القائمون على العملية العسكرية من هذا الموقف وكأنهم كانوا يقاتلون أشباحاً ، فقاموا وكردة فعل بإعدام مجموعة من الضباط في المكان نفسه ، وفوق السداد الترابية بتهمة التعاون مع المجاهدين ، وتسهيل مهمة هروبهم ، وجرى بعد ذلك هدم الدور والقناطر الصغيرة وتجريف المباني البسيطة في المنطقة ، وتمت عمليات آعتقال طالت النساء والأطفال والشيوخ ، وجرى إبعاد الكثير من العوائل الى محافظة السماوة ، وبذلك رجع النظام مصاباً بخيبة الأمل .
قررت قيادة الحركة إلزام المجموعة المنفذة بالسفر الى خارج العراق حفظاً على سلا متهم ، عقب ذلك قام النظام بإعتقال جميع عوائل المجموعة المنفذة للعملية ، ومن ثم أعدامهم ، وهدم دورهم وتجريفها ، وبعد مدة أستطاع النظام وعن طريق الصدفة من أعتقال أحد المشاركين في عملية الاغتيال في بغداد وهو ( عبدالحسين جليد عاشور ) ، ليكشف عن تفاصيل العملية والجهة المنفذة ومن هم الأشخاص الذين نفذوا الضربة .
لقد كانت هذه العملية بالرغم من التضحيات التي قدمت ، ضربة للنظام الشمولي الذي كان يتبجح بقوة مؤسساته الأمنية وحطمت أسطورة السياج الأمني الموهوم .
وما أروع ماقاله الجواهري الكبير حينما علم بهذه الصولة الجريئة التي صفعت النظام أيما صفعة
شكا النتانةََََ حتى عافـك الأجـــلِِِِِِِِ
حين أستضافك في تابوته الشلل
وغلقـت مــدن الموتــى نوافـذها
كي لا تـراك الضحـايا حين تنتقل
ثأر العذارى بسعف النخل يشتعل
ودم اليتـامـى سحـابـات ستنـهـطل
علــى أبيــك بـــراكيــنا مـدمـدمـة
قد زادك الحق جرحـاً ليس يندمـل
ستضحـك الشمـس للأطفـال باكية
ليـلا تكـاثـر فيـه الـرعـب والمــلل
فبوركـت كـف من سـواك مهزلـة
كـف ستعجـز عـن عرفانـها القـبل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في


.. مشاهد للتجنيد القسري في أوكرانيا تثير الجدل | #منصات




.. نتنياهو: الإسرائيليون سيقاتلون لوحدهم وبأظافرهم إذا اضطروا ل


.. موسكو تلوّح مجددا بالسلاح النووي وتحذر الغرب من -صراع عالمي-




.. تهديدات إسرائيلية وتحذيرات أميركية.. إلى أين تتجه الأمور في