الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدوي اول الفلاسفة المعاصرين

مهدي النجار

2008 / 1 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اتصل الطبيب الفرنسي النحيف بالقنصلية المصرية، وقال بعد ان رمق الجسد المسجى امامه: " ان لدينا شخصاً يقول انه فيلسوف مصري... ما رايكم؟! "... كان هذا الجسد لعبد الرحمن بدوي ( 1917 – 2002 ) اثر سقوطه مغشياً عليه في احد شوارع باريس. لم يحصل احد من المفكرين والكتاب العرب المعاصرين على لقب فيلسوف مثلما حصل عليه المفكر الموسوعي عبد الرحمن بدوي، وذلك اثناء مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة به في 29 مايو(ايار) 1944 ، وكان عنوانها: " الزمن الوجودي" من جامعة القاهرة ( كانت تسمى جامعة الملك فؤاد) حيث علق عليها طه حسين في مجلة الكاتب المصرية قبل اكثر من نصف قرن ما نصه : " يوجد في مصر شاب اشعر بضآلتي اذا ما قورن اسمي باسمه، ذلكم هو عبد الرحمن بدوي" مشيراً اليه بانه: اول فيلسوف مصري. وكان طه حسين آنذاك عضواً بلجنة المناقشة التي منحت بدوي - وهو في سن الثامنة والعشرين- درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولى، وقد صاغ في رسالته مذهباً فلسفياً لم يسبقه اليه احد؛ حيث فسر الوجود على اساس الزمان في نسق منطقي اشبه بالنسق الرياضي. ومن هنا بدأت رحلة بدوي المضنية الطويلة في عالم الابداع والترجمات والموسوعات والتحقيقات والتنقيبات.... وكان على حق الكتور يوسف زيدان حين وصفه بانه " كبحر لا ساحلَ له " ولا نظن ان هناك مثقفاً معاصراً لم يقرأ له، فهو في نهاية الامر اوسع باحث في الفلسفة ومن اقدر الاساتذة لها في العالم العربي في القرن العشرين. ومن الناحية الاكاديمية فقد شغل بدوي منصب استاذ الفلسفة بالجامعة التي نال منها الدكتوراه وهو في سن الخامسة والثلاثين، ثم اسس قسم الفلسفة بآداب جامعة عين شمس وتولى رئاسته، ثم سافر الى الكويت رئيساً لقسم الفلسفة بجامعتها، ومن الكويت الى باريس حيث شغل منصب استاذ كرسي الفلسفة الحديثة بجامعة السوربون كبرى جامعات اوربا.
ظل بدوي وفياً لمنظومة من القيم والافكار ورثها عن حركة النهضة المصرية خاصة تلك التي نادى بها آباء الجامعة المصرية في بداية القرن العشرين، القيم الانسانية التي ناصرها احمد لطفي السيد وطه حسين على وجه التحديد. وكأنما كان بدوي – كما يقول الدكتور عبد الرشيد الصادق محمودي – بان المهمة او المهام التي خلفها جيل الآباء قد وقعت على عاتقه دون غيره، واراد ان يختزل في جيل واحد وحياة واحدة - حياته هو – مالا يتحقق الا في بضعة اجيال، فقد كان رائداً سباقاً لا نظير له في فتح مجالات في الدراسة جديدة على الفكر العربي المعاصر. كان على سبيل المثال يعني – كما لايعني احد في العالم العربي – بالفلسفة اليونانية وانتقالها الى الثقافة الاسلامية وتاثيرها/ ومن ذلك ايضاً اقتحامه لميادين في دراسة الفلسفة الاسلامية كانت وقفاً على المستشرقين انفسهم / كما التفت – كما لم يلتفت احد من قبله ولا من معاصريه – لاهمية الفلسفة الالمانية بعد ان كان التركيز منصباً على الفلسفتين الفرنسية والانكليزية. اما اعمال الدكتور عبد الرحمن بدوي الفلسفية فقد تجاوز عددها 140 مؤلفاً باللغات العربية والفرنسية والالمانية من عمد المراجع في الفلسفة – حسبما يشير استاذ الفلسفة حليم تادرس – ما بين يونانية واسلامية ومسيحية وحديثة، وانفرد بتاليف الموسوعة الفلسفية في مجلدين كبيرين، والمعجم الفلسفي العربي الذي يتوارى الى جانبه خجلاً اي معجم فلسفي صدر في اللغة العربية، ولأنه يجيد احدى عشرة لغة فقهاً وادبا، منها الفرنسية والانجليزية واللاتينية واليونانية، فقد نقل الى العربية روائع الفكر والادب الانساني، نقل الى العربية " الوجود والعدم " اشهر واعقد مؤلفات الفيلسوف جان بول سارتر. اثرى المكتبة العربية باربعة مؤلفات غير مسبوقة هي: افلاطون، وارسطو، وربيع الفكر اليوناني، وخريف الفكر اليوناني، ولا تزال الى يومنا هذا من اهم المراجع في الفلسفة اليونانية، وفي مجال الثقافة الاسلامية اقتحم بدوي الاماكن الممنوع التكلم بها فحقق والف فيها اضافة الى اضاءته لتراث وحياة وافكار كبار الفلاسفة الاسلاميين واليونانيين. نذكر من اهم الكتب التي تركها لنا هذا المفكر الموسوعي : ( التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية / تاريخ الالحاد في الاسلام / شخصيات قلقة في الاسلام / ارسطو عند العرب / المثل العقلية الافلاطونية / شطحات الصوفية – ابويزيد البسطامي - / الانسان الكامل في الاسلام / التوحيدي: الاشارات الالهية / مسكويه: الحكمة الخالدة /فن الشعر لارسطو /ابن سينا: عيون الحكمة / افلوطين عتد العرب / فلهوزن: الخوارج والشيعة / مؤلفات الغزالي / ارسطوطاليس: الطبيعة /دور العرب في تكوين الفكر الاوربي /مؤلفات ابن خلدون / ابو سليمان المنطقي: صوان الحكمة / حنين بن اسحاق: آداب الفلاسفة / مذاهب الاسلاميين ...... ).
وصف فلاسفة الغرب بدوي ب" الفيلسوف الصعب" ويؤكد احد هؤلاء الفلاسفة قائلاً: نحن نتخيل هذا الرجل يسال نفسه كل صباح: ما هو السهل وما هو الصعب، ثم يختار الصعب على الفور ودون تردد؟ ويستطرد هذا الفيلسوف قائلاً: نحن نشعر بالاحترام الكبير للدكتور بدوي... فعندما نقرأ كتبه بلغات كثيرة... ونعرف قدر الجهد الذي يبذله نرفع القبة تقديراً واحتراماً، وعلى اساس انتاجه الفكري الضخم جعله محمود امين العالم اشبه ب " المؤسسة الفلسفية " وكما تشير د. هالة فؤاد فان بدوي استطاع ان يقدم ويطرح ويثير الاسئلة اكثر مما قدم من اجابات، انه يحتاج لقارئ شديد الخصوصية لانه يلعب مع القارئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا