الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أنتفاضة أذار شعبان 1991
عبدالحسين الساعدي
2008 / 1 / 21دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد خروج نظام صدام حسين من حربه المجنونة والعبثية مع إيران ، والتي راح ضحيتها من الطرفين مئات الآلاف من القتلى وأضعاف هذا العدد من الجرحى والمعوقين ، حاول هذا النظام ونتيجة سياسته الديماغوجية أن يصور خروجه من هذه الحرب على أنه إنتصار في الجبهة العسكرية وقوة لماكنته الحربية ، وكانت لخشيته من توسع هذه الماكنة ، وأحلام بعض الضباط في التسلق الى السلطة عن طريق الأنقلابات العسكرية ، أو التمرد عليه ، بادر الى عمل مجنون آخر تمثل في دخوله بحرب ظالمة ضد الشقيقة دولة الكويت ليشبع نزواته وغروره في التوسع ، وفرض هيمنته على المنطقة ، وليبعد عنه شبح الأنقلابات العسكرية المتوقعة وخطرها .
إلا إن الإرادة الدولية والعربية وقفت الى جانب دولة الكويت وشعبها المظلوم ، فضلاً عن موقف شعوب البلدان العربية والقوى الوطنية والقومية التقدمية التي كان لوقفتها الأثر الكبير بإرغام صدام على الأنسحاب من الكويت مدحوراً وهو يجر وراءه أذيال الهزيمة النكراء والأنكسار المخزي .
لقد عانى الشعب العراقي الويلات من جراء السياسة الحمقاء لنظام البعث ، بدءً من دخوله في حربين عبثيتين مع إيران والكويت ناهيك عن سياسة القمع والبطش والترهيب التي كان يمارسها ضد أبناء الشعب ، وخاصة المناضلين من القوى والأحزاب الوطنية والقومية التقدمية والحركات الأسلامية ، وزج بالكثير منهم في غياهب السجون السرية التي لا يعرف طريق لها فضلاً عن تصفيته الكثير من الشخصيات السياسية والفكرية والدينية والأجتماعية والناشطة في حقوق الأنسان والمجتمع المدني .
لقد كانت لمعاناة الشباب من سياسة التجنيد الإجباري وسوقهم بالأكراه الى جبهات القتال والزج بهم في أتون حرب لا طائل من ورائها سبب آخر يضاف الى جملة الأسباب ، الى جانب الآستهتار بالقيم الأجتماعية وأستغلال السلطة والمال العام بشكلٍ سيء من قبل العائلة المتسلطة ، والبعض من المرتزقة والمتزلفين والمبوقين ، وهو ما جعل هذا النظام يقف على شفا حفرة من السقوط الى الهاوية .
كان وضع الشعب العراقي أشبه ما يكون ببرميل بارود قابل للأنفجار بمجرد أن تقترب إليه الشرارة ، وما إن أعلن عن أنسحاب الجيش العراقي من الكويت وهو منكسر حتى بادر الجنود للهرب من جبهات القتال والقائهم السلاح ، ومن ثم ألتحاقهم بمحافظاتهم في الجنوب والوسط بعد إن علموا إن جماهير هذه المدن قد أعلنوا في أذار ــ شعبان من عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين الأنتفاضة الشعبية ، وأعلان التمرد المسلح وبداية الهجوم على المقرات الحكومية والحزبية التابعة لحزب السلطة في مدينة البصرة ، ومن ثم أمتدادها الى مدن العراق الأخرى ، وجرت السيطرة على المدن بشكل كامل ، وما كانت تتسم به هذه الأنتفاضة هو أنطلاقها بشكل أشبه ما يكون بالعفوي ودون توجيه مسبق من قيادة أي أحد ، إلا بعد حين حيث أشترك الوطنيون والشيوعيون والأسلامويون والمستقلون والجماهير الغاضبة والمتضررة من النظام الشمولي ، ومن جميع الطيف العراقي المختلف التنوع ، من الكورد والعرب والتركمان ، وغيرهم ، ذلك لأن قيادات الحركات الوطنية والقومية والأسلامية إما كانت خارج البلاد في بلدان الجوار والعالم أو في جبال كوردستان .
لقد كان الظلم والأضطهاد والأستهتار من قبل النظام الصدامي قاسماً مشتركاً للمنتفظين ، وعاملاً محركاً لهذه الجماهير المسحوقة والمظلومة ، ولم يكن لها أي هدف سوى أسقاط النظام الدكتاتوري البغيض ، وبأي شكل كان دون أن تحدد البديل في حينها ، لا كما كانت تخطط له القيادات السياسية المعارضة المجتمعة في بيروت .
بالرغم من نجاح الجبهة الكوردستانية بفصائلها كافة من السيطرة التامة على الأقليم في هذه الأنتفاضة ، وتوجه بعض كوادر الأحزاب السياسية الوطنية والقومية والأسلامية لقيادة الجماهير التي سبقتهم في الأنتفاضة ، إلا أن تغييراً في موقف قوات التحالف الغربي ، ونتيجة مواقف أقليمية ولحسابات ومصالح خاصة أُوقف الدعم المعنوي للجماهير المندفعة ، وبالتالي أطلاق العنان لصدام وأجهزته العسكرية والأمنية باستعادة المبادرة والسيطرة على الأوضاع داخل المدن العراقية التي سقطت بيد الجماهير ، فحدث ما حدث ، حيث هاج الثور المجروح فأخذ ينتقم من المدن المنتفضة من خلال دكها بالمدفعية الثقيلة والدبابات وحتى الطائرات السمتية ، ثم قام بعد دخوله المدن بأعتقال كل من يشك بمشاركته في الأنتفاضة ، وأُ عدم الكثيرون في الشوارع ثم سيق الآخرون الى سجون الرضوانية والأمن العامة والمخابرات ، فتمت تصفيتهم ودفنهم أحياء في مقابر جماعية ، وقد أضطر البعض من المنتفضين للهرب من بطش النظام الى خارج العراق أو اللجوء الى الأهوار أو الصعود للجبل في كوردستان العراق ، لكي يواصلوا النضال من أجل أسقاط نظام صدام البغيض .
لقد كانت الأنتفاضة الشعبية عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين أحدى الصفحات المشرقة في تاريخ هذا الشعب الأبي ، وكانت فيما بعد المقدمة الحقيقية للتغيير الحاصل في نيسان من عام ألفين وثلاثة
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اقتلعها من جذورها.. لحظة تساقط شجرة تلو الأخرى بفناء منزل في
.. مشاهد للتجنيد القسري في أوكرانيا تثير الجدل | #منصات
.. نتنياهو: الإسرائيليون سيقاتلون لوحدهم وبأظافرهم إذا اضطروا ل
.. موسكو تلوّح مجددا بالسلاح النووي وتحذر الغرب من -صراع عالمي-
.. تهديدات إسرائيلية وتحذيرات أميركية.. إلى أين تتجه الأمور في