الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة بعربة السيدات

باسنت موسى

2008 / 1 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بالأمس كنت عائدة من يوم عمل حقيقي مرهق، وإن كان العمل الصحفي لا يتطلب مجهود بدني إلا أن مقدار المجهود الذهني الذي يبذل من خلاله كافي بأن يجعل الفرد بعد يوم عمل كامل منهك الذهن تماماً بما يدفع للشعور بالتوتر وفقدان الأعصاب لأبسط الأسباب، وقد كنت بالأمس أعاني من تلك الحالة وأحاول التغلب عليها بأن أذكر ذاتي بأنني اقتربت من الوصول للمنزل وحتماً سأنعم هناك ببعض الراحة التي ستساعدني على الشعور بالصفاء الذهني، وبالفعل بدأت أشعر ببعض الهدوء واتجهت للإلحاق بمترو الأنفاق وبالطبع عربة السيدات هي مقصدي حتى لا أتعرض لبذاءات شاب أو رجل يراني فرصة لتفريع مركبات الكبت لديه، لكنني فؤجئت أن عربة السيدات مزدحمة بالرجال من كافة الأعمار وأقول مزدحمة لأنها بالفعل كانت كذلك، فلم يكن الأمر مجرد رجل أو إثنين بل مجموعة كبيرة، وهنا لم أتمالك حقيقة أعصابي ووجدتها تنفجر بلا أي رابط مني، حيث بدأ صوتي في الارتفاع في وجه هؤلاء الرجال بطريقة تشبه الصراخ متسائلة لماذا ترتادون عربة مكتوب على بابها وبالخط الأحمر الكبير مخصصة للسيدات؟ فإذا بي أجد سخيف القول من كل ذكر منهم حيث أوضح لي أحدهم أن هيئة المترو عندما قامت بنقل عربة السيدات من كونها أول عربة بالمترو إلى المنتصف لم تستأذنهم كرجال لذلك ولكون الهيئة كما يقول لم تستأذنهم فهو غير مجبر على التخلي عن عربات منتصف القطار التي يفضلها والتي أصبحت مخصصة للسيدات مع ذلك التعديل البغيض برأيه، وآخر شاب في منتصف العشرينات أخذ يتهكم لفظياً وجسدياً على مطالبتي له مع الرجال الآخرين بالعربة بمغادرتها لكونها مخصصة للسيدات موضحاً أننا كنساء أصبح عددنا أكبر من الرجال، وتلك برأيه ظاهرة كافية لأن تجعلنا نشعر بالفخر لوجود رجال معنا. كل ردود الأفعال تلك جعلت الغضب يتملكني بصورة أوسع وأكبر خاصة وأن النساء ذاتهم بالعربة لم يتعاونوا معي لجعل هؤلاء الرجال يغادرون، بل أن كثير من السيدات المحجبات والمنتقبات بدأن هجوم كبير ضدي موضحين لي أن الرجل ليس كالجرثومة المعدية التي ستنقل لي مرض خطير وأنه من المهم لي كفتاة أن أتحجب وأكون أكثر احتشاماً في ملابسي من أن أصرخ في وجه رجل وأدعوه للذهاب لعربة أخرى غير تلك التي خصصت للسيدات، ورغم وقاحة وتدني هؤلاء النساء إلا أنني لم أجيب عليهن بشكل مفصل ليس لأنني لا أمتلك رد بل لأنني أدرك جيداً ماذا يمكن أن يحدث لي من قبلهم لو قمت بالرد الحقيقي الذي سيجعل كل واحدة منهن تشعر بأنها تقف عارية وحقيقة أمام نفسها، لذلك اكتفيت برد صغير عليهن وأظنه يحمل المغزى حيث قلت: أنا لا أشعر أن الرجل جرثومة والدليل أنني لا أتلفح بأثواب قماش لأتخفى وأسير كمن تمشي وهي في تابوت موتها، أمثالكم من جعلوا الرجال يتحرشوا بمن تسموهم متفرنجات مثلي.
ظننت خاطئة أن الشرطي الموجود بمحطات مترو الأنفاق المختلفة من الممكن أن يحمي الأمن وينفذ القواعد الخاصة بركوب المترو لذلك عند أول محطة ناديته، وبالفعل جاء وطلبت منه تنفيذ قواعد المترو بحيث يجبر الرجال الوقحين بعربة السيدات أن يغادروها، وبالفعل حاول هو لكنه فشل لأن الرجال داخل العربة بدأت حمية الذكور الجوفاء تتملكهم وبدأ كل واحد منهم يشعر بأن مغادرته للعربة يعني الانصياع لطلبي بما قد يقلل من رجولته أمام ذاته، كررت ذلك النداء لأكثر من شرطي وفي كل مرة يخسر ويقول لي "معلش متزعليش" والحقيقة الموضوع أكبر من الزعل أو الغضب، فعربة السيدات هي حماية لي ولكثيرات شبيهاتي من المتفرنجات من قسوة الزحام في العربات المشتركة خاصة وأننا لو تعرضنا لأقسى ما يمكن لن نجد من يدافع عنا، أليس هذا وضع يدعو للشعور بالأسف على المصريين؟!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟