الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدائل الخرافة.. علاجات اضحت مأزقا

عمار السواد

2008 / 1 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الحلقة الاولى: الحلقة الاولى: علاجات اضحت مأزقا
عندما قام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب برفض ما اعتبراه خرافات فانهما اختصرا البديل بالعودة للسلف.. ويعود ذلك الى رؤيتهما بان كل الخرافات ضلال وان الإضافات وتأويلات النص ومحاولات الاجتهاد فيه بدع، وان العمل او الايمان بالخرافات و"البدع" حرام وفسق وفي احيان كثيرة شرك بالله. عندها اصبح مصير الكثير من المسلمين، فضلا عن سواهم، الفسق او الضلال او الشرك. وبدلا من ان نجد في نبذ الخرافات ومناهضة التخلف حلولا صرنا نواجه مشاكل اكبر، وما اريد له ان يكون علاجا ادى الى ظهور مرض اجتماعي وثقافي شديد الخطورة، هو صناعة عقلية موغلة بالماضوية واشد تضييقا على العقل ورفضا للحرية. والسبب هو ان الحلول لم توضع لعلاج مشكلة الانسان، بل كان الهدف الاول والاخير منها هو الدفاع عن العقيدة. والاسوأ في هذه العودة انها رجوع لعقلية المحارب، كون السلف من المسلمين عاشوا في سنواتهم المدنية العشر مرحلة حرب شُرعن لها اسلاميا بالجهاد لمواجهة عنفوان القبائل وقساوتها. لذلك ان العودة اليه هي عودة لروح الجهاد. وعلى العكس من ذلك كانت دعوة مارتن لوثر تهدف الى تجاوز خرافات الكنيسة السائدة ليس لانها لا اصل لها في الدين بل لانها اضحت عبئا على الناس ووسيلة اتخذت لابتزازهم. واستخدم لوثر مرحلة ما قبل الكنيسة او بعضا من النص للقيام بذلك، باعتبار ان تلك المرحلة لا تضفي الشرعية اللازمة على السلطة الكهنوتية وتعاليمها. فاهمية النص السابق على الكهنة من وجهة نظر لوثر هي انه ينهي سلطة الانسان المستترة بغطاء ديني.. وهي دعوة تحوي على رؤية عقلانية رافضة لسلطة الكنيسة، وهدفها مكافحة الظلم المتلبس بالدين. فدوافع لوثر لم تكن الخوف على الانسان من الله الرحمن بل الخوف عليه من ظلم الانسان باسم الله. هذا الهدف يمثل معيارا مهما وضروريا في تقييم سلفية لوثر، لانها ليست سلفية دينية مجردة بل هي عودة لنفس الماضي الذي تنتهل منه الشرور الحاضرة في سبيل استخدامه للتصدي للشر. خصوصا وان مساحة كبيرة من النص الذي يطالب لوثر بالعودة اليه تدعو لايجاد بديل متسامح مكان التطرف في ثقافة القصاص والانتقام التي لم تكن تفارق العقل اليهودي في الشرق الادنى القديم.. لذلك كانت العودة الى تلك المساحة من النص تعني عودة للتسامح.وايضا ان النهضة الفكرية في اوربا ما بعد القرون الوسطى كانت نهضة بمقولات ذات عمق فلسفي وعلمي متين، ومشت اولى خطواتها وفق رؤية منظمة ومشاريع متكاملة تحوي من التصورات الفلسفية والعلمية ما يكفي لتكون متماسكة وشديدة الاقناع.. فهي لم تتمكن من كسب قيمة معرفية واجتماعية وحضارية كبيرة لولا الاكتشاف العملي الكبير الذي اثبت بان ارضنا ليست مركزا للكون وانها تدور في فلك سواها، وايضا لولا الانقلاب الذي احدثه ديكارت في مناهج الادراك والوعي عندما اثبت بان طريق اليقين يمر بشك عام لا يستثني شيئا. أي ان الطريق يمر من خلال النقد وليس من حيث التحريم. في حين ان ما عرف بالنهضة العربية اكتفت بمجموعة اعمال تأثيراتها في الغالب محدودة، وعجزت عن القضاء على المشكلات الكبيرة، كالجهل والخرافة وتخلف الوعي والماضوية واخضاع الانسان لمعتقدات غير ايجابية. كونها تعاملت مع المشكلات القائمة بتجزيئية غير مجدية.. لذلك فان المتابع لما قامت به النهضة يجد انها اكتفت باعادة صياغة المقولات والتصورات السائدة باعطائها نكهة عصرية. وكمثال على المستوى الضعيف الذي كانت عليه النهضة نجد ان اهم رمز لنهضة القرن التاسع يقرر ان يفسر الشياطين الوارد ذكرها في القرآن الكريم بالجراثيم. الا تعبر هذه المحاولة البائسة من الشيخ محمد عبده عن طريقة تفكير ساذجة وفشل في ادراك الطريق المناسب للتغيير؟.. فهل ان العقبة امام التطور هي الاقرار بوجود الشيطان او بان الشيطان كائن يضل الانسان، ام العقبة اعم من هذه التفصيلة؟ فباستثناء بعض الرؤى السياسية التي قدمها الكواكبي في "طبائع الاستبداد" كانت "نهضة" القرن التاسع عشر تصر على تحاشي المناطق المحرمة واكتفت بنقد العادات والتقاليد التي لا تتمتع بمرجعية دينية. ولم تكن البدائل القيمية والفكرية والمنهجية والسلوكية المطروحة احسن حالا من السائد. في حين ان الوضع كان بحاجة الى تحول وتغيير يمس جذورا كثيرة، بل ويمس النظام الثقافي الصانع لتفكير ووعي العقل الجماعي. لذلك هناك فرق بين النهضتين، بل ان من الظلم لمصطلح كبير كـ"النهضة" ان يطلق على ما حصل لدى العرب في ذلك القرن. هاتان المقارنتان تكشفان عن طبيعة المأزق الذي يعاني منه التغيير والاصلاح والتنوير في العالم الاسلامي.. فالمشكلة هي ان الآليات المستخدمة والبدائل المطروحة هي آليات وبدائل فاشلة. فبدلا من الخرافة يطرح مصلحوا القرن التساع عشر قضايا تعيد نفس الاسباب المنتجة للخرافات وهيمنة الانسان على الانسان باسم الله. وتحرر المصلحين النسبي من الاعتقاد المفرط للغيب والدعوة لنبذ هذا الاعتقاد وتأثيراته على مسارات المجتمع وسلوك الفرد لم يكن تحولا جوهريا.. فكانت البدائل مجموعة مقولات ضغيفة التأثير، بعض منها استنسخ بشكل مشوه من الغرب والبعض الاخر افتقر الى الجدوى في الطرح والمضمون والبعض الثالث كان اشد طوباوية مما هو سائد. ان المشكلة الاساسية التي عانت منها منظومة الاصلاح وما عرف بالنهضة العربية "الاسلامية" هي ان النخبة التنويرية اكتفت بمقولات ثانوية ولم تكن منظومة نهضة حقيقية تستهدف احداث تغيير في اسس صناعة الفعل والعادات والتقاليد والافكار المجتمعية. حيث "الرؤية الاصلاحية" للوهابية والنهضة الثقافية العربية كانتا تكريسا للمشكلة. الرؤية الوهابية كافحت "البدع" لاهداف عقائدية مجردة من أي شعور بالمسؤولية تجاه الانسان، على اعتبار ان الدين من وجهة نظرهم هو الذي ينقذ الانسان. ورموز نهضة القرن التاسع عشر لم يكن لديهم مشروع متكامل يعيد تشكيل البنية الثقافية والفكرية للمجتمع، بل كانت مجرد اصلاحات شكلية، وهذه الاصلاحات ساهمت فيما بعد باطالة عمر جذور المشكلة، بل واشتركت بولادة جيل من المتطرفين رفضوا الدولة الحديثة بمستوى رفضهم لما اعتبروه خرافات. لهذا لم تتمكن النهضة العربية من صناعة شخصيات كبيكون وديكارت وسبينوزا وكاليله وكوبرنيكوس، وايضا لم يكن محمد بن عبد الوهاب حريصا على حق الانسان العربي بعشر ما كان مارتن لوثر حريصا على الانسان الالماني. اصلاحنا هو تكريس لماضوية متطرفة بمبرر رفض الخرافات، في حين ان النهضة والاصلاح ومن ثم التنوير في اوربا كانت اعادة تشكيل للمجتمع وفق اسس حديثة. ورغم ان قساوة كنيسة القرون الوسطى وحقبة الصراع بينها وبين العقل وقوانينها الجائرة واساليبها الوحشية ومحاكم التفتيش لا يوجد لها شبيه في حالة المسلمين خصوصا قبل احداث سبتمر 2001، الا ان هناك في الحالتين تخلفا كبيرا وانهيارا في قوة المجتمع وفاعليته. وبعبارة اكثر وضوحا ان الحالتين احتاجتا الى نهضة تمس الجذور وتتعاطى بجرأة مع الواقع وتبحث عن البدائل وفق تصور متكامل وليس مجزء، وهو ما حصل في اوربا وما افتقرت اليه نهضة المسلمين والعرب.وكي يتم التعامل مع هذا السياق يفترض بنا البحث عن اجابات للتساؤلات الاتية: هل نحن بحاجة الى بديل عن الخرافة، ام الى بدائل تساعد المجتمع على ترتيب اولوياته؟ واساسا هل ان الخرافة هي كل ما له علاقة بالغيب ام ان الغيب في بعض جوانبه قادر على التواصل مع العقل وقادر على التعايش مع حرية الانسان؟ وهل لدينا القدرة على تجاوز الخرافة بالمطلق، ام ان حدود قدرة الانسان لا تقاوم سحر الخرافات؟ وهل ان المشكلة، في مجتمعنا وتلك المجتمعات المشابهة له، تكمن في الخرافات ام في الوعي المستمر بانتاج الغيب بمعزل عن انتاج لثقافة العقل؟
عمار السواد (الكعبي)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج