الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب حياتنا بعد الخمسين للراحل سلامة موسى

باسنت موسى

2008 / 1 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يمر الإنسان بمراحل عمرية متعددة، ولكل مرحلة خصوصيتها ومشكلاتها التي قد تصل في بعض الأحيان لتحديات حقيقية تحتاج أن يعد الفرد ذاته ومن حوله لتخطي تلك المرحلة بشكل نافع ومفيد، ومرحلة ما بعد الخمسين من العمر دوماً ما ترتبط في أذهاننا بالكثير من المعاني الخاطئة، وهذا يؤثر سلبياً علينا عندما نصل لتلك المرحلة العمرية. واليوم نقدم عرض لكتاب متميز للراحل سلامة موسى تناول ما نسميه نحن أزمة ما بعد الخمسين وكشف لنا أن سنوات ما بعد الخمسين ليست بالضرورة سيئة، بل قد تكون من أمتع سنوات العمر لو فهمنا جيداً خصائصها وكيف لنا أن نعد أنفسنا لها منذ مرحلة الشباب، فإلى المزيد...
يتسم الشباب بنشاط سريع قد يبدو انفجارياً في بعض الحالات، وذلك لأن نبض الحياة في تلك المرحلة يكون قوي، كما أن مرحلة الشباب تتسم بالاستطلاع الذهني والعاطفي وذلك لأن الشباب يشعر أن الحياة لغز كبير بالنسبة له لذلك يسأل ويستفسر ويجرب، لكن ما أن يقرب من الخمسين حتى تهدأ نفسه ويقل استطلاعه وتسكن عواطفه، لكن التحدي هو ألا يتحول هذا السكون لركود عاطفي.
انتقال المرأة من الشباب للشيخوخة يقع في حوالي الخمسين وله علامات واضحة كانقطاع الطمث، وهذا الإنقطاع يحدث في نفس المرأة رجة نفسية نتيجة هذا التغيير الفسيولوجي في الجسم، وتبدأ المرأة في الشعور بأن الدنيا لم تعد دنياها وهذه الرؤى غير صحيحة لأن جمال المرأة يبقى مع العناية لما بعد الستين وليس الخمسين فقط، كل ما فيه أن يتحول من جمال الجسم لجمال الشخصية، والرجال في بلادنا قادرين على الاحتفاظ بشبابهم أو بالكثير منه بصورة أكبر من النساء وذلك لأنهم يشتبكون إيجابياً مع الحياة العامة، وهذا النشاط يكسبهم حيوية تلازمهم سنوات طويلة عكس المرأة التي يقضى عليها بالانزواء والركود داخل منزلها، فيترهل جسدها وعقلها وتعيش كأنها في إجازة من الموت الذي له أن يطلبها في أي ساعة.
سن المعاش بين الموظفين لدينا وهي سن الستين من الأسباب الاجتماعية التي تجعل الكثير من الناس يخشون الشيخوخة مستسلمين لأمراضها، راكدين جالسين على الكرسي للتثاءب والراحة الزائفة. هذا يحدث في مجتمعنا، في حين أن المجتمعات الغربية ترى أن سن الركود عندنا هذا هو سن النضج والإيناع والحكمة، وهناك شباب في الستين أو السبعين نراهم يلعبون في الملاعب الرياضية الغربية ولهم عضلات مفتولة وبطون ضامرة وعيون صافية، أما المسنون في مجتمعنا نحرمهم من الحياة والاستمتاع، ونطالبهم بهذا الوقار الكاذب الذي يحملهم على ألا يلعبون أو يتنزهون، وكأن هذا الوقار الزائف يجيز ويبيح لهم التعفن على الكراسي في المقهى ولا يجيز لهم الجري أو اللعب.
يلاحظ أن الموظف عندما يبلغ من العمر الستين ويقال من وظيفته يشعر كأنه أقيل من الحياة، في الوقت الذي يكون بلغ من العمر أنضجه يتجه إلى البطالة القاتلة وتلك البطالة تغرس في ذهنه عقائد وأفكار خاطئة مثل أنهم زائدون على المجتمع وأن العقم هو سمة حياتهم، لذلك يصرفون وقتهم فيما يقتله وكأن هذا الوقت عدو لدود.
والبطالة تضر حتى بالأشياء، فماذا الوضع سيكون عندما يصيب ذلك الفيروس الأحياء، فإن الكاوتشوك الجديد إذا ترك مدة طويلة في مكانه يجمد ويفقد مرونته والآلات التي لا تعمل تصدأ، فكيف بالحي الذي تعد الحركة من خصائص حياته، والموظف الذي يغادر وظيفته في الحكومة وهو على صحة جيدة يجد ذاته بعد سنوات من الركود أن حركته أصبحت أكثر بطئاً وبدأت مشيته ثقيلة وانحنى ظهره، وهذا ليس الأصل في بناء جسمه وإنما تلك الحالة ترجع إلى اتجاه نفسي جديد وهو إحساس الإقالة من الحياة، حيث الربط بين الإقالة من الوظيفة والحياة وكأن المجتمع بتلك الإقالة يعلن أن هذا الفرد غير نافع وإعلان وفاته مسألة وقت.
هنا تتضح لنا الميزة العظمى للعمل الحر على الوظيفة الحكومية، فإن التاجر أو الصانع عندما يبلغ أحدهم الستين لا يجد هذا القرار الرسمي الذي يجده الموظف الحكومي بأنه قد بلغ نهاية المنفعة من العمر، ولذلك لا يجد هذا الأثر السيكولوجي في نفسه، ولهذا نرى الكثيرين من التجار يعملون في متاجرهم نشطين على وجوههم أمارات اليقظة والتنبيه وفي أجسامهم، تلك المرونة التي نراها في الشباب.
ليس من حقنا أن نطالب الحكومة بإبقاء الموظفين بعد الستين لكي يظلوا شباب، لذلك يجب على كل موظف أن يعد نفسه من الخمسين أو الأربعين لهذا اليوم الذي يترك فيه الوظيفة ويعود عاطلاً كأي عامل، وعليه أن يتخيل نفسه متسائلاً: هل هو في ذلك اليوم الذي سيحال فيه على المعاش سيكون عاطلاً لا يحسن أي عمل على كوكبنا الأرضي، وسيسمن ويكرش وسيفقد العناية بهندامه وزيه ولحيته ونظافته لأنه بلا وعود ولا مواعيد ولا أصدقاء ولا هدف ولا هواية! مثل هذا التخيل سيحمل الفرد على أن يتهيأ جسمانياً ونفسياً وذهنياً لتلك المرحلة.
التهيؤ الجسمي يعني العناية بالجسد حتى لا يسمن ويتكرش، لأن السمنة تؤدي على كسل الجسم الذي يؤدى لكسل النفس والذهن، لذلك فليهتم كل فرد في الأربعين أو الخمسين بالرياضة وزيارة الطبيب وقت الصحة لمساعدة ذاته على علاج جسده بالترميمات الخفيفة قبل أن يضطر نتيجة الإهمال للمعالجة بالهدم والجراحة.
التهيؤ النفسي يجب أن يبدأ قبل سن الأربعين ويكون من خلال الاشتراك في الأندية والجمعيات، واختيار الأصدقاء والمشاركة معهم في أنشطة اجتماعية، ومثل تلك الاستعدادات النفسية تساعد الفرد على أن يحيا طوال حياته يقظ العواطف محتمي بتلك اليقظة من خواء النفس.
التهيؤ الذهني يحتاج أن نتعود على المشاركة في الحركة الذهنية من خلال العناية بالحركة الفكرية العالمية.
لو استطاع المسن منذ أن كان بسن الشباب أن يعد جسده بالنحافة والصحة، ونفسه بالاهتمامات العاطفية، وذهنه بالثقافة، فإنه يستطيع أن يستبقي حيوتيه بعد الستين عشرات السنين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا