الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إغفر لنا محبتنا .. يا حكيم

وليم نصار
مؤلف موسيقي ومغني سياسي

(William Nassar)

2008 / 1 / 28
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في الحادي عشر من كانون أول/ديسمبر، صبيحة أحد طلق كوجه طفل يغفو على ثدي أم ترضع الخير، وُلدنا.

وفي كل عام، أيها المسافر في دمنا والمبحر في شريان الذاكرة، أرتديك لحما وعطرا، أجدد صلتي بك وأخبيء طيفك في بؤبؤ العينين، وحين تضيق بي الأرض والسماء، ويجافيني أو ينساني أخوة ورفاق لي أحبهم، أراك وحدك نورا للحب ومصدرا للفجر الندي.

في عينيك نور من سماء لا يراه إلا من أحبك، فلم لم تتركني لآخذ البرد والنار والموت عنك.. كي أحميك منا.

يا حكيم..
لم أعتدك قاسيا إلى هذا الحد..
لم تركت قلبي المشاغب وحيدا؟ أليصبح ذكرى يغنيها الشعّار على رباب من نقر حنين ودموع؟.
نعم جعلتني أبكي.. ومن قال أن دموع الرجال أصعب الدموع؟
ألم تعلمنا أن أصعب الدموع تلك التي نذرفها على صدر أم أو على تراب وطن؟ وأنت كنت لي الحلم وما تبقى من وطن.
*************
يا حكيم..
لم هذا الرحيل المفاجيء؟
هل كنا أبناء عاقين؟
هل تعبت منا ومن هروعنا إليك لنلقي بهمومنا في قلبك المتعب؟
إغفر لنا محبتنا.. لكننا كنا نرى فيك المرفأ ومرساة الجرح الأخيرة.

يا حكيم..
أيها الرفيق .. الرقيق .. الحنون حتى العظم..

الليلة لم أستطع النوم .. متجمد أمام التلفاز لأشارك من خلاله موكب عرسك الأخير.. غفت عيني قليلا فرأيت أبو هاني في الحلم يوقظني ويقول لي: إذا أردت أن تضيف إلى همك هما جديدا، فاعشق الوطن.
لكنك تعرف أنني منذ المخاض الأول أعشق الوطن، وأنتمي إليه، كما علمتنا انتماء الإبن لا انتماء السمسار أو انتماء الحلاب إلى بقرة ذات ضرع.
أنتمي إليه كما علمتنا أنت، لحزنه وشقوة عينيه، في قوته وفي شلله، لأنه أنجبنا من خابية حزنه العتيقة، فكبرنا حادّون كشمسه، مقهورون كأرضه، ولم نتنكر لأحد أبنائه.

كم غنينا لفلسطين، وها هي فلسطين لا تجيء إلينا، ولا تتركنا نأتي إليها.
وكم صلينا لآلام فلسطين، لكن فلسطين لم تخلصنا.
هل أصبح الموت أحن من الناصرة ومن تراب يافا واللد؟
هل ستكون فلسطين هي نفسها من بعدك؟
هل سيكون لكلمة ثورة طعم من بعدك؟
كيف سيكون مذاق الموسيقا والشعر وصوت وفيروز؟
أجبني يا أبي..
أجبني..
***********
أيها الآب..لا أصدق أنها المرة الأخيرة التي أناديك بها يا أبي؟
.....
يا أبي..
أدرك الآن أن بلادنا مؤجلة، لكن اطمئن.. فنحن نحاول أن نثبت الحلم واللون والريح في الذاكرة، ورغم الألم فإن معنوياتنا وأرواحنا مثل خشب البلوط ...
ولن ننتحر كما يتمنى البعض .. بل سنظل داخل النضال ضد الثورجيين وضد العوج.

يا أبي..
سوف تبقى بوصلتنا إذا صارت برسم واحد كل الجهات. وفي كل يوم سوف أنقش وجهك الحنطي آيات لسفح القلب الكنعاني، وأتذكر كم رضعت من الحنين فأصرخ ملىء حلمي: يعلمني حنيني أنه حتى الجبابرة أقزام أمام الوطن. لكن تكاَثُر الأقزام في بلادنا، حتى أنهم غزوا حلمنا.. ينظرون في أعيننا، يراقبون نبرة صوتنا..
لقد أصبحوا شرطة.. وزرعوا داخل كل منا شرطي.
*******

يا أبي ...
أقبّل قلبك، وأطمئنك بأننا مستمرون في العناد وركب الرأس، فمثلك هم ذاكرتنا حين تخوننا الذاكرة.. أنتِ دمنا يا رفيق .. يشدنا إليك رباط الرغيف والحرية والحلم. ففلسطين التي من أجلها جعنا، وعرينا، وحلمنا وغنينا، وجرحنا واعتقلنا، سيكون الغد الآتي لها.

يا أبي .. أنا لا أرثيك .. لكنني أودعك الآن بالزغاريد ونثر الأرز ودموع الرجال..

يا أبي..
سلم لنا على غسان وأبو علي ووديع وأبو أحمد الزعتر ورفيق دربك جورج حاوي، وأبلغهم أننا في غيابهم ازددنا إيمانا بأننا وحدنا ورثة هذا الوطن، نضم زيتونته إلى الصدر الفسيح رغم ضيق الطريق.
نعم يا أبي .. إن الطريق ضيق.
ومن قال أن الملكوت يؤتى إليه من الباب الواسع؟.

وإلى لقاء قريب..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام