الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعد بالعدل

محمد نورالله

2008 / 2 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نقض العهد بالعدالة هو عمل مناقض للمنطق بشكل غريب لأنه يتضمن تضليلا مزدوجا. ليس في العدالة الموعودة بل أيضا في عدالة هذا الوعد. كيف يمكن أن نكون عادلين في وعد العدالة ذاته؟ خصوصاً وأن وعدا كهذا يجلب في طياته ذكريات مختنقة من خيبات أمل وإخفاقات سابقة في الماضي. أليس من الأفضل نسيان وعد كهذا لأنه يجلب معه أحداث الماضي التي فشلت دائما بتحقيق العدالة؟ في الوقت ذاته فإن مفهوم وجود العالم بدون عدالة مفهوم يصعب تخيله. إن التخيلات المسبقة لعالم بدون عدالة والتي تبدو من خلال أفعال "غير مسؤولة – تتخلى عن مسؤولية تحقيق العدل" لفكر حاكم يعزف عن تقديم الوعد بالعدالة، ستعيد إحياء رغبة قوية في العدالة حتماً.

أحد الطرق الواضحة لتحقيق عدالة هذا الوعد هي إدراك هذا الوعد وماهيته بشكل جيد. أيضا فإن هذا الإدراك سيضلل الوعد والعدالة بذاتهما. لأن الوعد بالعدل سيضع نصب العين بشكل حتمي فكرة تحقيق الانتقام. ومحاولة فصل العدل عن الانتقام واحدة من أكثر القضايا مأساوية في تاريخ الفلسفة البشرية – وهي حتى الآن لا تزال محل جدل. إن صعوبة فصل العدالة عن الانتقام تكمن في تجسدهما بشكل واحد، أحد أهم محركات الثورة ضد الظلم تكمن في تحقيق العدل عن طريق التخلص من رموز الظلم السابقين لتحقيق العدل، هذا الارتباط الشديد لم تسلم منه أكثر الثورات نبلاً في مفاهيمها على مدار التاريخ، حتى ثورة المسيحية كمثال عن التسامح. فقد أعاد القديس بولص تركيبها لتشمل في مفهومها تحقيق العدل عن طريق القصاص حين يأخذ الرب حق الانتقام لنفسه. وهنا تأخذ العدالة قيمها من اللاهوت. بشكل عام فإن الأديان كلها تعطي وعدا بالعدل في الدنيا للبشر، "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"، ورغم أن الدين أيضا يوضح جانباً مهما جدا من العدل البشري فهو يقول أن الله هو من سيحقق العدل لأن البشر فشلوا حتما في تحقيق العدالة بشكل نبيل، إلا أن الدين يقع في التناقض ذاته، فحتى (الله) بمفهوم الدين لم ينج من الوعد بالعدالة الممزوجة بالانتقام. يوم الحساب هو يوم العدل الذي سيحترق فيه ملايين البشر تحقيقاً للعدالة.
ربما أن أكثر الأمثلة عنفا ووضوحا في التاريخ هو الثائر السفاح روبسبير الذي كان صوت الثورة الفرنسية ضد الظلم والذي استطاع أن يقتل ستة آلاف رجل في ستة أسابيع باسم العدالة فكان منتقماً من الدرجة الممتازة. هذا العنف الذي تباركه قيم دينية أو فكرية يمكن القول أنه يصل لحدود الانتقام عندما يقوم الناس بفرض إرهاب على (أناس) آخرين وجعلهم "يدفعون الثمن".. ثمن العدالة. لا يمكن على الإطلاق فصل صورة العدل عن الانتقام ويجد الإنسان نفسه مرغما على إلصاق الصبغة (المقدسة) على هذا العنف محاولا إسدال غطاء ما على هذا المفهوم. . إن تطبيق عقوبة الإعدام على القاتل أيضاً هو تنظيم للانتقام وإعطاء هذا الانتقام (العنيف) قدسية وغطاء كتب القوانين لا أكثر.
حتما يبقى الجدل الكبير الذي يؤرق سياسة القانون وفلسفته بين تحقيق العدالة عن طريق العنف المقدس (سواء كان باسم قيم دينية أو فكرية إنسانية) و تحقيق العدل عن طريق الرحمة. هذا المفصل الأساسي بين المفهومين سيبقي وعد العدل على المحك. كيف نستطيع أن نقدم "وعدا" بالعدل إن كنا تنادي بالتسامح والرحمة هرباً من "الانتقام "؟... ...أو ربما أن الحقيقة فيما قال الفيلسوف اليوناني أناكسيماندر... " الأشياء التي لا تكون عادلة بطبيعتها ستعدل نفسها بنفسها وتصلح بعضها البعض على مدار الزمن".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح تزامنا مع تواصل المفاوضا


.. -ندعي يجينا صاروخ عشان نرتاح-.. شاهد معاناة سكان رفح وسط هرو




.. غالانت: مستعدون لتقديم تنازلات من أجل استعادة الرهائن ولكن إ


.. الرئيس الإيراني: المفاوضات هي الحل في الملف النووي لكننا سنل




.. إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكدان مواصلة العمل بات