الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوطان بلا مواطنين ...!

وليد الفضلي

2008 / 2 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعتبر مفردة المواطَنة من أكثر المفردات حضوراً في الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي العربي، إلا أن مفهوم المواطنة يشوبه الكثير من الضبابية التي تحول دون تمثّله على أرض الواقع، وتجعل منه مجرد مفردة رنانة لاستهلاك السياسيين في المناسبات الوطنية، أو لتطويع الإعلاميين الآني، أو إلى فكرةٍ نظرية في خطاب المتثاقفين، ما جردها ويجردها من القيم الكامنة فيها، والتي جاءت كحصيلة تاريخية لمشروع الإنسان الذي يهدف إلى نيل حقوقه، وحمايتها، وتطويرها، بالإضافة إلى تنظيم علاقته مع شركائه في المجتمع والوطن، ومن جهة ثانية تنظيم العلاقة التبادلية بين المواطن والدولة ومؤسساتها.

وعلى الرغم من هذا الحضور القوي لتداول مصطلح المواطنة، إلا أن الغالب الأعم من الدول في العالم العربي عجز عن خلق مجتمع تسوده روح المواطنة وقيمها، فالكثير من الأزمات التي نعيشها ناتج عن غياب ثقافة المواطنة في المجتمع والدولة؛ فعلى صعيد المجتمع تَغلب سمة المواطنة العاطفية الساكنة والاتكالية على ممارسات مكوناته. صحيح أن فكرة الانتماء العاطفي للوطن، هي دافعة ومحركة لتفعيل جهد بناء وتحديث منظومة الدولة والمجتمع، والمشاركة في صناعة المستقبل، إلا أن الانتماء العاطفي -كما يرصده المتابع- يعجز عن تمثل الفاعلية الحقيقة على أرض الواقع، ويتحول إلى أداة لتفريغ شحنة طارئة، تاركاً حبال التغيير والتحديث ليتلقّفها الآخرون من داخل ومن خارج.

وكذلك عندما تسيطر الانتماءات الفرعية كالانتماءات الأسرية، أو القبلية، أو الدينية على وجدان المجتمع، وعلى حساب الوطن، ما يفضي إلى تفتيت الهوية الوطنية، وتحويل المجتمع إلى مجموعة من الكانتونات الحزبية، والطائفية، والمذهبية والعنصرية المغلقة، والتي يسودها الاحتقان، والتوتر، والريبة المتبادلة، وعلى نحو يعطل، ليس التنمية الاجتماعية فقط، وإنما الحياة برمتها.

ملامح المواطنة

أما على صعيد الدولة، فعندما تغيب قيم المواطنة فيها، وتستبعد مصلحة المواطن من أجندة عمل الحكومات، يتحول المواطنون الى مجرد أعداد وكتل محتشدة من الأفراد والرعايا تستنزف مواردهم على حساب مشروع الدولة والوطن.

وكذلك عندما تقسم الدولة المواطنين إلى فئات، ودرجات تراتبية في الانتماء والمواطنة، فإنها بذلك تعطي أفضلية وامتيازات لطبقة اجتماعية معينة، وتحجبها عن باقي مكونات المجتمع، ما يؤدي إلى خدش شعور الانتماء إلى الوطن، بالإضافة إلى أنه يولد إحساسا باللامبالاة لدى الفئات الدنيا والمهمشة تجاه قضايا المجتمع ومصيره، وتجاه مشروع بناء الدولة وتحديثها، وفي كثير من الأحيان تستبطن هذه الفئة المهمشة الكراهية للمجتمع ومؤسساته والدولة ونظامها، فتكون بذلك أشبه بقنبلة من الكراهية، تهدد استقرار المجتمع والدولة.

لكن يبقى السؤال ماثلا أمامنا: ما هي أهم ملامح فكرة المواطنة الغائبة؟ وهل فكرة المواطنة تعني إلغاء الخصوصيات الإنسانية في المجتمع؟ وما هو دورها في صنع الاستقرار السياسي والاجتماعي؟.

مفهوم المواطنة، هو مسألة كانت ولاتزال في حالة تطور مستمر، وذلك منذ استخدامها للمرة الأولى في الحضارة اليونانية ثم الرومانية، مرورا بسائر الحقب والحضارات، وصولا إلى يومنا هذا، وهنالك الكثير من الأطروحات التي حاولت رسم الملامح الرئيسة لفكرة المواطنة، تبعاً لكل مرحلة تاريخية ونظام سياسي، ولكن يمكننا أن نوجز تلك الملامح بالقول: إنها استقرار الإنسان وانتماؤه لبقعة جغرافية ما، وتوافقه مع مجموعة أخرى على صيغة دستورية وقانونية يحتكمون إليها في تنظيم علاقاتهم بشكل متساو وعادل يضمن حرياتهم جميعاً، بالإضافة لارتضائهم لشكل من أشكال الحكم، ومساهمتهم بمشروع بناء الدولة والمجتمع، وصنع القرارات فيهما عبر نظام التمثيل النيابي ومؤسسات المجتمع المدني.

المواطنة والانتماءات الفرعية

ونستدرك هنا بالقول إن فكرة المواطنة لا تعني بأية حال من الأحوال استبداد أنموذج واحد عبر توحيد الآراء، أو الأديان، أو القوميات في المجتمع، أو إقصاء وتجاهل الخصوصيات الإنسانية المتنوعة، بل إنها تعمل على دمج كل هذه الانتماءات الفرعية الطبيعية في لوحة وطنية واحدة، معتبرة إياها مصدراً للإثراء التعددي الإيجابي، وعاملا لتوفير الإطار القانوني والاجتماعي والثقافي، لممارسة خصوصياتها بشكل لا يتعارض ومصلحة الوطن العليا، ويكون الحَكم في الاختلافات مواد الدستور المتوافق عليها سلفاً. فعملية تجاهل الخصوصيات، كما مارستها الأنظمة الاستبدادية والشمولية، هي السبب الرئيس في ظهور نماذج متطرفة، وأخرى متشددة وتكفيرية، تنحو في بعض الأحيان منحى العنف التدميري تجاه المجتمع والدولة.

إن جوهر مسألة المواطنة مبني على قيم التسامح وقبول الآخر بين مكونات المجتمع، واجتماع الفرقاء على مائدة الشراكة الوطنية الفاعلة.

المواطنة المسؤولية

إن فكرة المواطنة لا تقف عند نيل المكاسب الحقوقية، بل تمتد إلى المحافظة على المكتسبات الوطنية التي أنجزتها، ودفعت أثمانها الأجيال المتعاقبة من الآباء والأجداد من أجل مستقبل أفضل للوطن والمواطن. لذا يجب علينا كمواطنين، ألا نقف متفرجين على ما تتعرض له أوطاننا من مظاهر وممارسات ضالة وغير مسؤولة، فالإحساس بالمواطنة يتجسد في المحافظة على أمن واستقرار ووحدة دولنا ومجتمعاتنا من أية محاولات جديدة ومتجددة لتقسيم أوطاننا وتمزيقها على أسس عرقية ومذهبية.

ختاماً فإن مشروع المواطنة يعتبر عامل استقرار للمجتمع والدولة، ورافعا للتقدم والتحديث المنشود، ومستودعاً لقيم ومضامين التسامح المجتمعي والسياسي، كما أنه الركيزة الأساس في عملية بناء الدولة الوطنية، لذا لا بد من العمل جاهدين في سبيل توفير مناخ عام يكرس ثقافة المواطنة لتصبح سلوكاً متأصلا في حياتنا اليومية.

كاتب كويتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأت معركة الولايات المتأرجحة بين بايدن وترامب؟ | #أميركا


.. طالبة تلاحق رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شفيق وتطالبها بالاستقا




.. بايدن يقول إنه لن يزود إسرائيل بأسلحة لاجتياح رفح.. ما دلالة


.. الشرطة الفرنسية تحاصر مؤيدين لفلسطين في جامعة السوربون




.. الخارجية الروسية: أي جنود فرنسيين يتم إرسالهم لأوكرانيا سنعت