الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الثقافة العربية وسؤال النخبة؟؟؟
يوسف هريمة
2008 / 2 / 16المجتمع المدني
لم يعد عالم اليوم ذلك العالم المحدود جغرافيا أو تاريخيا أو علميا، تستطيع الحدود الوهمية المصطنعة أن تقف حائلا بينه وبين الإنسان، ومتطباته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لقد عادت كل هذه الحدود الجغرافية وتبعاتها الاستعمارية مجرد سراب ووهْم في ذهن الإنسان المعاصر بكل تجلياته، في عالم الصوت والصورة واختراق الزمان والمكان من أجل مسيرة حضارية كل يوظفها توظيفه التابع لمنطلقاته الإيديولوجية، سواء كانت في خدمة الإنسانية أو لخدمة دائرة ضيقة، أو لتكريس مصالح طبقات معينة نافذة بسبب الهيمنة الإمبريالية الجديدة، وفرض نموذج ثقافي معين يصب أولا وأخيرا في خدمة مشروع معين، عبر مسلسل العولمة المتسارع في الزمان والمكان، والضارب بكل قوة على مواطن الخلل في الكثير من المنظومات الاقتصادية والاجتماعية أوالفكرية والثقافية.
في ظل هذا الواقع الجديد والمعيش تطرح الثقافة العربية نفسها بصفتها منظومة قيم ومبادئ وتصورات لهذا الإنسان العربي، القابع في رقعة جغرافية جل بلدانها لا زالت تسير وراء ركب التنمية دون أن تدركها، وتتخبط في مجموعة من الأزمات بدء من الاقتصادية انتهاء بما هو فكري ثقافي والأمية تضرب أرقاما قياسية في الكثير من هذه البلدان. دفعني للحديث عن سؤال الثقافة عموما، ذلك الحديث السنوي الذي يتم فيه اختيار مدينة عاصمة للثقافة العربية وفق منظور صانعي سياسة الثقافة داخل هذه البلدان، وقد تم اختيار دمشق عاصمة لها خلال سنة 2008 ليطرح معها السؤال المصيري عن غياب منافسة حقيقية في ظل عولمة لا تؤمن إلا بقيم الجودة الكاملة، وضعف هذه الأخيرة على اقتحام مجال التنافس إلا من خلال مفهوم مشوه للثقافة يحصرها في الجانب الفني الأدبي والغنائي.
إن سؤال الثقافة العربية لا يمكن أن يكون سؤالا ذا مصداقية في واقع يكرس الأمية، وتعليم هش ببرامج لا يمكنها أن تخرج إلا صفوفا من المعطلين العاجزين عن اقتحام مجالات تدفع بعجلة التنمية لتسير مسيرتها دون توقف أو تعثر، ووسط ركام من الضبابية في المجالات المتعددة بدء من الحريات الفردية ثقافية كانت أو سياسية أو حقوقية. فالواقع العربي بمختلف مؤشراته لا يسمح في الكثير من الأحيان بالحديث عن الثقافة، إلا في أطر معينة غالبا ما تكون عبارة عن مهراجانات أو ما شاكل ذلك، دون محاولة طرق السؤال الحقيقي والمؤرق في الوقت ذاته، عن هذا الضعف المستشري في أوصال بيئة لا تنقصها المؤهلات المادية أو البشرية، بقدر ما تنقصها الإرادات المسؤولة عن التغيير الحقيقي، ذلك التغيير الذي يرى فيه المواطن البسيط ثقافة العيش وكسب لقمة الخبز الحارة، ويرى فيه الأمي ثقافة العلم الذي يمكنه أن يخرج به من براثن أمية تضرب بعمقها في الفكر العربي، ويرى فيه المتعلم أفقا يوظف فيه تجربته العلمية في الميادين المتعددة، بدل توظيفها في الانحراف والارتماء بين أحضان الضياع ومستوياته المختلفة، ويرى فيه السياسي والمسؤول مهمته من أجل الحفاظ على كرامة الإنسان التي تفضي إلى كرامة الوطن ومجده وسؤدده.
كل هذه التجليات لواقع عربي بثقافته المحتفى بها سنويا بمنطق التجمعات وإلقاء الخطب والأشعار، عاجزة على مجاراة ثقافة غربية عالمية تغزو بيوتنا وتقنعنا كل حين بأن الجودة وما ينفع الناس هو من يصمد أمام التحدي الحقيقي، وما الشعارات والتجمعات إلا واحدة من ثقافة اللسان العربي الذي لا يلبث أن يعيش في تاريخه مستلهما أمجاده بدرجة من الدرجات، ولعل أهم ما يمكن أن يطرح في هذا الصدد بصفته سؤالا يتجسد فيه ما قلناه سابقا، هو غياب ما يسمى ب " النخبة المثقفة "، ولن أخوض في مقاييس هذا المفهوم وعلى من ينطبق أو لا ينطبق، بقدر ما سأحاول أن أتلمس خطورة هذا الغياب في تكريس السؤال الثقافي بشتى ألوانه.
كان لغياب هذه النخبة الثقافية غيابا للتأطير الثقافي واستجلاب النماذج والأمثلة وطرح المشاريع على مختلف الأصعدة، ولم يكن غيابا منفصلا عن هذا التأخر العربي على ساحة الفكر والثقافة والاقتصاد وغير ذلك من المجالات الحيوية في أي تنمية بشرية. وضع المثقف العربي نفسه ولاعتبارات عديدة في خانة السياسي تارة، أي كانت كل توجهاته موجهة للتأطير السياسي والدفاع على نظام أو حزب أو مشروع فئوي ضيق، وتارة كان ناطقا باسم المعارضة المترفعة على إكراهات الواقع. لم تكن المشاركة ومنطقها في حسبانه في العديد من الأحيان، إذ لم يكن يقدم برامج وأفكارا وحلولا، وإنما كان يقدم مشروعا لا يصلح إلا لمجال الخطابة على شاكلة برامج الأحزاب العربية.
غاب المثقف العربي لأنه لا يريد أن ينزل من تنظيره الفكري إلى أرض الواقع، ومعايشة الأرقام المهولة في تدني الأجور ومستويات التعليم وارتفاع أرقام الجريمة والانحراف، إذ ليست الثقافة عزلة داخل المكتبات وتصفح الأخبار والأوراق، ولكن الثقافة هي فن العيش وملامسة الواقع عبر الاحتكاك الحقيقي، بالخروج من المأزق في الوقت المناسب والمكان المناسب، أما غير ذلك فلن يكون ثقافة إلا عند من تستهويه كلمة مثقف أو مفكر أو النخبة التي تفترض العزلة والطبقية بالضرورة، وعند من يرون بأن المثقف هو الحامل لشهادات أكاديمية عليا في المفهوم الإجرائي ودنيا في واقع الحال.
يبقى هذا السؤال يلقي بظلاله كل سنة وكل يوم، على ذهن ثقافة شفهية لا تريد أن تخرج من إطارها الضيق، لتندمج عبر منطق التفاعل مع عوالم أرحب من سلطة اللغة والتنظير، ويبقى المثقف الحقيقي معزولا وهو يبحث عن لقمة قوت له ولأولاده، أو يصارع الجهل على قلة ذات اليد طوعا وكرها، أويمد يد العون بمنطق المسؤولية للخروج من المستنقع. وعلى " النخبة " أن تعرف أن لا مكان لها في هذا العالم دون شعار الجودة وعدم الاصطفاف الحزبي المقيت وإشعال الفتن تحت مسميات الحرية والحق الإنساني، ولن يكون المثقف أو من يعتبر نفسه كذلك محسنا في عمله طارحا لمشروعه الفكري، إلا إذا كان إنسانا تنبع إنسانيته من صدق أفعاله وأقواله، وما لا ينفع الناس لن يمكث في الأرض لأن قرارها مكين ولا تقبل إلا طيبا: فأين النخبة...؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين: صور اللبنانية أصبحت مد
.. بعد قرار حظر الاحتجاجات.. فضّ مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في أم
.. شبكات | شبح المجاعة يهدد شمال غزة.. وجيش الاحتلال يعلق
.. نشرة الخامسة | إسرائيل تعمل على تهدئة في لبنان.. وتوقعات بحد
.. ليبيون يتظاهرون في طرابلس دعما لفلسطين