الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيب عليك

سعدون محسن ضمد

2008 / 2 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يختلف العرف عن الدين في كونه يصب بمصب ضبط سلوك الناس. وربما يأتي العرف في كثير من الأحيان ليكرس سلطة أكثر قوة وقسوة من الدين نفسه ومن هنا نجد بأن مفهوم العيب كثيراً ما يكون أكثر تأثيراً من مفهوم الحرام. وجملة (عيب عليك) كثيراً ما تحيل إحالات لا توصل إليها جملة (حرام عليك). فالأولى تفتح الاتهام على مكامن الشرف والغيرة والمروئة، وكلها مواطن عميقة الدلالة بالنسبة للمكانة الاجتماعية وللشخصية. أما الثانية فربما لا تفعل بنفس القوة. عقوبة الثانية آجلة وهي بالتالي لا تخيف بقدر العقوبة العاجلة، والتي تتجلى بإعراض الناس ونظرتهم الدونية وكلامهم الجارح.
إذن يؤدي العرف الاجتماعي دوراً مهماً على صعيد حماية المجتمع من انحراف أفراده. وكثيراً ما يشترك كل من العرف والدين في المنع عن سلوك ما، حدَّ أن تصبح عقوبة هذا السلوك عاجلة وآجلة ما يؤدي لأن يتجنب أفراد المجتمع ممارسته بشتى السبل.
لكن ما لا بد من الاعتراف به إن سلطة العرف ليست مطلقة، لأن الموضوع يتعلق بعدد الناس الذين يسمون سلوكاً ما، (عيباً). وكلما قل هذا العدد خفت قوة ضغط العرف المتعلق به. على هذا الأساس كثيراً ما يحاول المنحرفون أن يشركوا أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع بجرائمهم، من أجل أن تتحول هذه الجرائم لعرف مضاد للعرف الأصلي. بمعنى أنهم ينجحون بالتأسيس لعرف يشرع لانحرافهم. وكما حصل ويحصل في العراق الآن، حيث تمكن مجموعة من اللصوص من التأسيس لأعراف كثيرة تبيح السرقة والخيانة تحت شعارات ومسميات كثيرة. حماية المذهب مثلاً شعار تمارس تحته سلسلة طويلة من الجرائم، تبدأ بجرائم السرقة ولا تنتهي بجرائم الإبادة. شعار دعم الحزب والكيان السياسي، هو الآخر تمارس تحته أنواع شتى من جرائم الفساد باعتبار أن دعم الكيان السياسي يحقق مصالح عامَّة أو هي ليست خاصَّة. ولا يجد بعد ذلك الكثير ممن تطفح على وجوههم أنوار التقوى والورع أو ممن لا يفتؤون يسبحون بالوطنية والحداثة في أن يسرقوا المال العام من أجل تحقيق المصالح (العامة).
يحدث في العراق اليوم أن القوى (المهيمنة) تواطأت جميعها على ثقافة (انته هص وآني هص). جميع الوزارات والمؤسسات توجه لتحقيق منافع حزبية أو طائفية، والمشكلة أن استحقاقات هذه المنافع تزداد بوتيرة جنونية. فهل يعقل أن تتحول جرائم الفساد لعرف ضاغط؟ هل يعقل أن يتحول النزيه لحمل ضائع وخائف وسط غابة هائلة من الوحوش الضارية؟ حسناً هذا بالضبط ما يحصل داخل مؤسسات الدولة العراقية، فليس من المعقول أن ينسجم الموظف النزيه وسط عشرة (مثلا) من الموظفين الفاسدين، ولا يعقل بالتالي أن يترك هؤلاء العشرة ذاك الواحد شاخصاً يهدد مصالحهم، ما يدفعهم لأن يخيروه بين اثنتين، الفساد أو التشرد. لقد أخذت ثقافة النزاهة تُحاصر بشكل مخيف، خاصَّة وأن ثقافة الفساد تجد دعمها ورعايتها من قبل أهم مسؤولي الدولة وقيادات الأحزاب السياسية والكيانات الدينية. وهذا ما يهددنا بخراب ما بعده خراب.
ليس من الغريب أننا نسمع دعوات الوقوف بوجه الفساد من قبل الجميع ومع ذلك يزداد حجم هذا الفساد. لأن هؤلاء الجميع استطاعوا ببراعة اللصوص من أن يسموا رذائل الفساد بأسماء فضائل النزاهة، فرعاية مصالح الطائفة أو الحزب أو العرق وتحقيق مصالح الناخبين كلها ارتبطت بفذلكات هؤلاء بعمليات الفساد. إذن فمن الطبيعي أن تنقلب جملة (عيب عليك) على رأسها وتتوجه بالنتيجة لمحاصرة كل نزيه يحترم نفسه ووطنه ومبادئه.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قذائف إسرائيلية على غزة في أول أيام العيد بالرغم من إعلان -ه


.. جزيرة إيطالية توفر إقامة مجانية لثلاث ليالٍ ولكن بشرط واحد




.. حريق هائل يدمر فندق ماريسفيل التاريخي في ولاية كاليفورنيا


.. جبهة لبنان – إسرائيل.. مخاوف من التصعيد ودخول إيران ومساعٍ ل




.. هل تنضم إيران إلى حزب الله في حرب شاملة مع إسرائيل؟| #الظهير