الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إخفاق المشروع التنويري في المنطقة العربية وشروط استنهاضه

سلام خماط

2008 / 2 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



إن سبب اخفاق هذا المشروع يرجع الى حالة التخلف التي تعيشها المنطقة العربية بالاضافة الى عوامل اخرى مهمة لها علاقة بهذا التخلف ، منها الوصاية اللاهوتية وعدم استقلالية العقل وهيمنة اصحاب الرؤية المنغلقة على التراث العربي وابعاد التفسير التاريخي عن النص الديني .
ولا بد هنا من ذكر الحركات الاصولية وكيف تقدمت لتملأ الفراغ الذي سببته الهزائم المتتالية للمشروع القومي العربي وضعف اليسار ، وقد شجعت هذه الانتكاسات التيارات الاسلاموية لملأ هذا الفراغ من خلال فهم متزمت للدين حيث فسرت النصوص الدينية وفق قراءة حرفية افرغته من تأريخيته والمناسبة التي اوجبته ، وقد غالت بعض التيارات الاصولية في توظيف هذا النص لتبرير اعمالها الارهابية ، وقد استخدم بعض الملوك العرب ومنهم الملك عبد العزيز ملك السعودية هذا التفسير الخاطئ للنص الديني عندما اجتمع بعدد من علماء الوهابية عام 1935 حيث يقول : ( والناس معنا ثلاث أما محب ٍ ومساند وأما لا محب ولا مساند وأما معاند فقط ، والأول له ما لنا والثاني نسعى جهدنا لافهامه اما الثالث فجزاءه ما جاء في الآية الشريفة « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في .... » ) علما ان هذه الآية نزلت باللصوص وقطاع الطرق وليس في من يعارض الحاكم الجائر .
من هنا يكون عدم الفهم الصحيح للنص القرآني سببا في كوارث انسانية .. هذا الملك وغيره قد فسر هذه الآية تفسير حرفي ومن هنا تسببت هذه القراءات في ازدهار الفتاوى من رجال الدين كيفما أرادوا حتى تبرر القتل وهدر الدم وتحولوا الى محاكم تفتيش قائمة على التعصب وشبيهه الى حد ما بما كانت عليه اوربا في زمن حكم الكنيسة وما سببته من كوارث .
لكن لا بد من ذكر بعض المحاولات العربية التي سعت الى مشروع تنويري تمثل في المعتزلة في العصر العربي الاسلامي سابقا وما لحق بهم من قتل واضطهاد على يد الحنابلة حتى عرفت تلك الفترة بأيام المحنة ، ومشروع تنويري تحديثي تمثل برواد النهضة في القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين ، الا انهم اخفقوا بسبب الواقع السياسي الاستبدادي الذي كان يهيمن على كل نواحي الحياة حتى كادت حرية الفرد ان تنعدم تحت وطأة ارهاب السلطة والمؤسسة الدينية العربية التي طغت عليها العقلية الخرافية . من جانب اخر كان للعامل الاقتصادي البائس الذي شمل معظم المنطقة العربية بالاضافة الى الانحطاط الثقافي وعدم الاستفادة من تجارب الشعوب سببا آخر في تقويض المشروع التنويري ، بالاضافة الى العوامل الخارجية التي كان لها تأثيرها المباشر بعدم نجاح مشروع التنوير والتي كانت تتمثل بالهجمة الاستعمارية على المنطقة العربية ومساندة الانظمة الدكتاتورية وتأييد البنى المتخلفة ومنها القبائلية والطائفية واشغال العرب في صراع مستمر حتى حولوا هذا الصراع من صراع عربي اسرائيلي الى صراع عربي عربي الى صراع عربي فلسطيني واخيرا صراع فلسطيني فلسطيني كان من اهم الاسباب التي كرست حالة التخلف الى الآن .
ان من شروط استنهاض المشروع التنويري في المنطقة العربية محكوم بمراجعة نقدية تأريخية لتراثنا وماضينا منذ بداياته الاولى حتى الآن وهذا يعني نزع القداسة عن التراث كي يبدو على حقيقته .
يقول المفكر هادي العلوي : إن الخضوع لمبدأ القداسة في فهم تأريخنا قد أخلى الساحة للمؤرخين الغربيين كي يبحثوه على هواهم من جهة واعتبار تأريخنا عندهم تاريخ عدو ، ومن هذا المنهج كما يقول العلوي كتب الشاعر والمؤرخ أدونيس في الجزء الاول من كتابه (الثابت والمتحول) جوهر تحرير الفكر العربي من كل سلفية ووجوب ازالة القداسة عن الماضي واعتباره جزءا من تجربة غير ملزمة اطلاقا .
وفي ضوء ذلك يعد العلوي دراسته للتأريخ الاسلامي متحرره في آن ٍ واحد من الركب السلفي المقدس والاستشراقي اللدود ، لذلك يضع الدراسات التي تتعامل بقدسية مع التاريخ الاسلامي والدراسات الاستشراقية لهذا التاريخ في خانة واحدة ، لذا يقسم المرحوم هادي العلوي قراءة التراث الى ثلاث أقسام:
1- جمهور سلفي يقرأ التراث كعقيدة .
2- جمهور مستغرب يدعم الخط المعادي للتراث في الوسط العلماني بدعوى معاداة الاصولية .
3- جمهور وطني يتثقف بالتراث في مواجهته للاصولية والاستعمار وهذا الجمهور هو جمهور المتعلمين وليس الاميين .
إن الاسلامويون الجدد حين يرفعون شعار تطبيق الشريعة ، لكن الحقيقة تؤكد انها شريعة السلاطين والامراء بينما نجد الفقهاء من الشيعة والسنة لم يطالبوا بتطبيق هذه الشريعة عن طريق الامارة او الخلافة بشكل مباشر والسبب في ذلك حسب اعتقادي الشخصي ان (الحزبية الاسلامية ) هي ظاهرة حديثة وهي من نتاج الحداثة العالمية لأنها في حالة تناغم مع المعرفة وخاصة في شقها التكنولوجي في التثقيف والتعبئة ، وليس من الصدفة أن نجد قيادات وكوادر العمل الاسلامي من اوساط مهندسين وأطباء وحملة شهادات عليا الا انها من الناحية الثقافية مختزلة من قبل الدين .
الا ان (الاسلامويون) يرفضون التحدث عن الحداثة والعولمة باعتبارهما جزء من ثقافة الغرب وهذا شأن السلفيين عموما ومهما يكن من أمر هذه الحداثة فان الخطاب الثقافي لدى النخب الاسلامية يظل قائما على اساس التعبئة الايديولوجية خارج أي نسبية او احتمال للخطأ او الصواب معتقدين ان المجتمع لا يقوم الا على اساس توحيده على أهواءهم الخاصة ، حتى حولوا هذه الأهواء في التفسير العقلي تحت يافطة الشريعة الى فقه تأريخي شمولي مسيطر ليس على المجتمع فقط بل على الفقهاء كذلك ، وأخذوا يصورون للجميع ان المجتمع لا يمكن ان يسلم ولا يستطيع احد بحمايته الا تحت مظلة امارة اسلامية او حزب طليعي اوقائد همام ومن هنا تكون مقومات الدولة الاسلامية الجديدة تستعير كل مفردات الدين .
ولكي ننهض بالمشروع التنويري في المنطقة العربية فإننا نحتاج الى ثقافة مدنية ديمقراطية تقوم بدورها الحاضن لكل عمل سياسي مهما كان لونه وان هذا الامر لم يحصل في تجربتنا التاريخية العربية الحديثة لا مع تجربة القوميين ولا مع تجربة الاسلاميين ولا مع تجربة الاسر الحاكمة سواء كانت ملكية او جمهورية لكنه حصل مع تجربة الاخرين من غير العرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام