الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمل المرأة في مصر القديمة

باسنت موسى

2008 / 2 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تمتعت النساء في مصر القديمة بما يمكن أن نطلق عليه عليه مساواة شبه تامة مع الرجل حيث يكاد يكون هناك اتفاق تام بين المؤرخين على أن المرأة المصرية تمتعت بوضع قانوني واجتماعي لم تناله المرأة في أي حضارة قديمة أخرى.
موقف قدماء المصريين من ولادة الأنثى كان يختلف بشكل كبير عن مواقف العديد من الشعوب القديمة التي عرفت مايسمى بـ "وأد البنت" أي دفن الفتاة حية فور ولادتها، ذلك السلوك القاسي لم يعرفه المصري القديم، إذ لم تكن ولادة الأنثى لديه من بواعث الحزن والأسى بل كانت من بواعث الفرح، والدليل على ذلك الأسماء التي منحها القدماء لبناتهم والتي حملت في معناها قدر كبير من الاعتزاز ومن هذه الأسماء "وبت نفر" أي بشيرة السعد، و"نحتني" أي تلك التي كنت أرجوها، و"تاحرر نحنس " أي تلك التي تدعو لها الدنيا، و"سنت إبتس" أي أخت أبيها، و"حنوت سن" أي سيدتهم.
كما أن فكر المساواة بين الجنسين كانت كثيراً ما تتردد باستمرار في تاريخ الأدب في مصر القديمة وتعد النصائح التي ساقها الحكيم "بتاح حتب" من أشهرها حيث يقول "إذا كنت حكيماً اعتن ببيتك وأحب زوجتك حباً نقياً، واملأ بطنها بالطعام وغط ظهرها بالكساء ولاطفها وحقق لها رغباتها أثناء حياتك".
هناك أيضاً نصائح "آني" إذ يقول لابنه "عامل زوجتك برعاية إن كنت تعرف عنها أنها ممتازة، ولا تقل لها أين هذا إن كانت قد وضعته في مكانه الصحيح"، "أعد لأمك كل ما فعلته من أجلك، أعط المزيد من الخبز واحملها كما حملتك ثقلاً، وحين ولدت وبعد تمام شهورك حملتك على عنقها وظل ثديها في فمك ثلاث سنوات، ولم تكن تشمئز من قاذوراتك، وأرسلتك إلى المدرسة كي تتعلم الكتابة، وفي كل يوم كانت تنتظرك بالخبز والجعة في بيتها".
تحت ظلال هذا التقدير للمرأة ومراعاة المساواة بينها وبين الرجل كانت المرأة تتساوى مع الرجل في الميراث، حيث كان أولاد الشخص الموروث هم ورثته بالدرجة الأولى وكانت البنت تحصل على ذات النصيب الذي يحصل عليه الإبن مع استثناء واحد وهو أن الإبن الأكبر كان له نوع من الامتياز، حيث كان يحصل على نصيب أكبر من بقية إخوته نظراً لدوره في رعاية الأسرة من بعد والده، وإذا لم يكن للميت سوى ابنة واحدة، امتلكت وحدها تركه أبيها دون أن يشاركها أحد، أما إذا كان للوالد المتوفي زوجة فقط دون أبناء تحصل على ثلث التركة ويحصل أقاربه الآخرون على الثلثين.
من الطبيعي بعد كل أوجه المساواة سالفة الذكر ألا يحظر المصريون القدماء على المرأة ممارسة أي نوع من المهن أو الحرف، وما يؤكد ذلك المرسوم الملكي الذي صدر في عهد الأسرة الثانية ليقضي بصلاحية المرأة لشغل وظيفة الملك، ويحفل التاريخ القديم بأمثلة كثيرة تظهر حرص الملوك على استشارة زوجاتهن المليكات في الأمور العامة، وبدورها كانت الملكة تكفل للقصر والمعبد أنشطة تكميلية وضرورية لا غنى عنها.
هناك سيدات جلسن على عرش مصر مثل حتشبسوت ونيتوكرس ونفروسبك، لكن منصب الوزارة لم تشغله سوى سيدة واحدة من عصر الأسرة السادسة، أما سلك الكهنوت فقد كان مفتوح للمرأة التي تتلقى قسط من التعليم الديني، واشتهرت في التاريخ المصري كاهنات عملن في خدمة المعابد مثل حتحور ونيث، كما عملت المرأة في خدمة بلاط فرعون فعلى سبيل المثال كانت لدى وزيرة الأسرة السادسة هيئة وظيفية كاملة من النساء مثل مزخرفات الملابس وحفظة الكنوز.
في عصر الدولة الوسطى حملت بعض السيدات ألقاباً وظيفية تتصل جميعها بالإشراف على البيوت الملكية، مثل المشرفة على المطابخ وحارسة غرفة الملك، وكانت النساء تعين أيضاً على وظائف الإشراف على الراقصات والموسيقيات الملتحقات بخدمة البلاط الملكي، حيث أن المرأة عملت بمهنة الطب وخاصة في المجال الذي نطلق عليه الأن طب النساء والتوليد.
بعيداً عن الوظائف الرئيسية والهامة فقد اختصت النساء بالعمل في المناسج الملكية القريبة من القصور، حيث كانت تنتج أفضل المنسوجات الكتانية، وهذا يتفق مع ما يقال عن أن الغزل والنسيج كان بالأساس حرفة نسائية منذ فجر التاريخ المصري وحتى نهاية عصر الدولة الحديثة إذ كانت النساء تعمل في غزل الخيوط حتى داخل منازلهن ويقمن بنسجها بأنوال أفقية.
إنتاج الخبز من الحرف التي اختصت بها المرأة في كل مرحلة من مراحلها بدءاً من طحن الغلال مروراً بإعداد العجين وانتهاء بإنضاج الخبز في الأفران، ورغم أن النساء العاديات كن يخبزن احتياجاتهن الأسرية بأنفسهن إلا أن الأسر الكبيرة كانت تعين خادمات وأحياناً تشتري إماء للقيام بذلك، من المهن المرتبطة بعمل الخبز إعداد البيرة إذ كان فتات الخبز بعد تخميره يكون المادة الأساسية في صناعة البيرة بمصر القديمة.
اشتغلت النساء أيضاً بالتجارة في الأسواق وخاصة بعد عهد الدولة القديمة، ومناظر الأسواق التي سجلتها النقوش الجدارية في معابد الدولة القديمة كانت تحوي رسوماً لرجال فقط يقومون بعملية البيع والشراء لكن بدءاً من عصر الدولة الحديثة أصبحت الصور الجدارية التي تمثل حركة البيع والشراء في الأسواق تضم غالباً سيدات يجلسن على ضفة نهر النيل ومعهن سلال ضخمة مملوءة بالسلع التي يتم تداولها، ومعظمها كانت من منتجات الريف المصري. ولا شك أن استمرار عمل النساء الريفيات في حاضرنا المعاصر بذلك النوع من التجارة الداخلية ما هو إلا امتداد للنشاط المهني والحرفي الكبير الذي عرفت به نساء الريف في مصر منذ أقدم العصور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح