الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقتي الصعيدية

باسنت موسى

2008 / 2 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لي صديقة جميلة أقدرها، تعيش بإحدى محافظات الصعيد وعلى الرغم من كونها تخطت الخامسة والعشرين إلا أنها لا تشعر بالقلق من فقدان فرصة الحصول على زوج مناسب رغم أن كل بنات عائلتها وحتى إخواتها الفتيات تزوجن في بداية العشرينات وقد يرى البعض في عدم شعورها بالقلق موقف عادي لا يمكننا أن نمدحها عليه خاصة مع ارتفاع سن الزواج بشكل عام في مجتمعنا المصري لكنني أرى العكس وذلك لأنها -أي صديقتي- تحيا في مجتمع صعيدي ذكوري له تقاليده وأفكاره التي لا يمكن لأي فرد عادي أن يتعايش بعكسها دون أن يفقد سلامته النفسية وهدوءه وتفاعله الصحي مع الحياة، أهل تلك الصديقة ليس لديهم ذات الهدوء الذي لابنتهم لذلك هم يحملون عبء بقاءها دون زواج على عاتقهم ويبحثون لها في كل وجه ذكوري في محيط علاقاتهم عن زوج مناسب، وبالفعل استطاع أخيها الأكبر أن يقنعها بأحد هذه الوجوه وتمت الخطبة وحدثت خلافات لا حصر لها بين صديقتي وخطيبها وفي كل مرة كان يتدخل بينهم لفض النزاع الإخوة الكبار لكل منهم حتى انتهت الخطبة قبل شهر واحد من الزواج برغبة منفردة من صديقتي حيث أن خاطبها كان يريد الاستمرار في علاقاتهم المليئة بالنزاعات تلك لسببين أوضحهم لها الأول: أنه بلغ من العمر الثانية والثلاثين ويرغب في الاستقرار وإنجاب الأطفال، الثاني: إنه قام بتجهيز شقة الزواج والإعداد للفرح وليس من اللائق أن يلغي كل هذا، فماذا سيقول الناس عن أفراد ألغي فرحهم قبل شهر من إتمامه!! لكن صديقتي لم تهتم بأسبابه وأصرت على رغبتها في الانفصال عنه كشريك للحياة، وحقيقة عندما رأيتها بالقاهرة هنأتها على صلابتها في وجه أهلها ورفضها أن تدمر حياتها بزيجة لن أقول من شخص فاشل وإنما من شخص لا يناسبها ولا يتوائم مع طبيعة حياتها وأفكارها والانفصال قبل الزواج ليس بشهر وإنما بدقائق هو أفضل من حياة تعسة مليئة بما يؤجج الصراع المدمر بالحياة، لكن ومن خلال تلك القصة الحياتية يمكنني أن أجمل في نقاط ما أراه دروس أحياناً وتساؤلات في أحيان أخرى...

** لماذا دائماً نعتبر أن فترة الخطوبة حتماً سيعبقها الزواج؟ في حين أن تلك الفترة ما هي إلا طريق قد يمهد للزواج إذا حدث توافق ورضى بين الطرفين وقد لا تؤدي إلا للانفصال إذا وجد كل طرف الآخر مناقض له ولحلمه وفكرة بالحياة.

** يخشى الأهل دوماً على بناتهن من البقاء دون زواج في حين أن ذات الأهل لا يشعرون بذات الخوف لو تزوجت ابنتهم من شخص غير مريح لها وكأن بقاء ابنتهم في قبضة رجل أياً كان هذا الرجل أفضل بكثير من بقاءها دون زواج، وأتذكر أن صديقتي قالت لي عبارة غريبة جاءتها على لسان والدتها حيث قالت "يعنى أيه مش عاجبك ولا مش قادرة تتفاهمي معاه اتجوزيه ويبقى راجلنا وبعدين اتخانقي معاه براحتك وخدي حقك زي ما انتِ عايزة" ويا لها من عبارة لا يمكنني أن أصفها إلا أنها لا تصدر من عقل يفكر بشكل سليم وإنما عقل محدود الرؤية والفهم للأشياء.

** الخلافات بين من يقدمون على تجربة الشراكة بالحياة من خلال مؤسسة زواج ينبغي أن تحل بينهم هم فقط ومن غير المسموح دخول أفراد آخرين للحل سواء كانوا أهل أو أصدقاء وذلك لأننا عندما نعجز عن حل مشكلاتنا الخاصة ونفتقد للغة تواصل صحيحة لن يمكننا أن نقود أسرة بأبناء والتزامات وواجبات في معترك الحياة بشكل سليم، وفي حالة صديقتي كان الوضع متدهور والأهل متدخلون لحل الخلافات منذ فترة الخطوبة التي تحمل إحتكاك ومعايشة أقل بالشريك فكيف إذاً سيكون الحال بعد المعايشة الكاملة والاحتكاك الصريح بعد الزواج؟

** الحب لا يمكننا أن ننكر أنه صانع المعجزات بحق، وفي الزواج هو صانع خيط مهم وقوي في خيوط جسر التواصل بين طرفي الزواج وعندما لا يكون هذا الحب موجود يكون الاختلاف ليس مجرد تباين في الرؤى وإنما يتحول إلى ندية ورغبة في الانتصار على الطرف الآخر.

بالنهاية لا يمكنني إلا أن أقول أن القرارات الصعبة والخطيرة في حياتنا تحتاج لوقت لنحسم موقفنا ونحدد اختياراتنا والمهم أن تكون الاختيارات جيدة حتى لو أخذنا وقت أطول في التفكير والإعداد لهذا الإختيار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا