الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسقف كانتينبرى و الشريعة

ليلى فريد

2008 / 2 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما زالت تداعيات تصريحات روان ويليامز، كبير أساقفة الكنيسة الأنجليكانية، بأن تبنى بعض أوجه الشريعة الإسلامية فى سياق القانون البريطانى يبدو وكأنه أمر لا مفر منه، تحتل مساحات واسعة من اهتمام الرأى العام ووسائل الإعلام هنا.
وباستثناء قلة قليلة تبنت الدفاع عن وجهة نظره، وجاءت محاولاتها- وحتى محاولاته هو للدفاع عن موقفه- فاترة متهافتة، وباستثناء المنظمات الإسلامية، والتى وإن لم تسفر بعضها عن تأييدها بشكل صريح، فإن رضاها كان مفهوما ضمنيا، لم يجد ويليامز من يؤيده. وتحالفت ضده أصوات الحكومة والمعارضة، أسقف كانتينبرى السابق، مجمع أساقفة الكنيسة الأنجليكانية، زعيم الكنيسة الكاثوليكية، رئيس الكنيسة البريطانية الأرثوذكسية ، منظمات حقوق الإنسان، وسائل الإعلام، رجل الشارع، وحتى بعض أسا تذة الجامعة ونواب البرلمان وعلماء الدين المسلمين. وكانت فى طليعة الرافضين نساء مسلمات، صرخت إحداهن فى عنوان مقال لها فى صحيفة الإندبندت: "هذا الذي يريده بنا شئ بغيض!"
وأعلن أن الملكة- بوصفها الرئيس الأعلى للكنيسة- قد أبدت قلقها من أن تصريحات الأسقف (الذي كان من المفترض أن يكون أحرص الناس على ترسيخ الأسس التى قام عليها المجتمع البريطانى)، قد تنعكس بالسلب على مكانة الكنيسة. أما ولى العهد، المعروف بميله إلى التراث الإسلامى، فقد نأى بنفسه عن هذا الموضوع الشائك.
وفى الحقيقة فإن السبب الأساسى فى رفض رأي الأسقف كان موضوعيا، خاليا من التمييز ضد الإسلام بالذات. فقد استند على أن أسس النظام المعمول به فى بلد ديمقراطى كانجلترا، تقوم على وجود قانون موحد يسرى على الجميع. وهذا هو الضمان الوحيد لتطبيق العدالة المطلقة بغض النظر عن العقيدة، وللمحافظة على الحقوق الإنسانية للرجال والنساء والأطفال على حد سواء.
وأكد المعترضون وجوب تطبيق القانون المستمد من القيم البريطانية على المواطنين جميعا؛ فليس هناك مكان لقانون موازى للقانون المدنى المعمول به.
ورغم موضوعية الحجة، فقد كانت ردود الفعل حادة، بلغت درجة مطالبة كبير الأساقفة بالتنحى عن المنصب الرفيع الذي قيل أنه لم يعد يصلح لاحتلاله، واستخدمت فى انتقاده لغة لاذعة، وصلت إلى حد نعته بالخرف، ووصف تفكيره بأنه مشوش، وتصريحاته بأنها حمقاء، وإلى اتهامه باقتراف خطأ جسيم بلغ درجة الخيانة للمجتمع (لأنه اختار التنكر للنظم القانونية، فى سبيل استرضاء قيم غريبة عنها).
وقام المعارضون بتفنيد كل الحجج التى وردت فى تبرير رأيه؛ فعلى سبيل المثال:
رغم أن مقصد ويليامز قد اقتصر على الإدماج الجزئى لبعض بنود الشريعة الخاصة بالأحوال الشخصية؛ يعتقد المعارضون أنه سيكون من الصعب الانتقاء من حزمة الشرائع، وستفتح هذه الخطوة الباب لضغوط المتشددين لتوسيع مجال التطبيق، بحيث قد تمتد لتشمل القوانين العقابية التى تتعارض مع القانون الوضعي ومبادئ حقوق الإنسان.
كما رأوا أن اقتراح أن يعطى للأطراف المتننازعة الحق فى اختيار اللجوء إلى المحاكم الشرعية سيكون دائما على حساب المرأة والطفل (الطرف الضعيف)؛ فإن النساء سينقدن إلى هذا النوع من المحاكم، لأن غالبيتهن يعشن فى عزلة اجتماعية ولا يعرفن الكثير عن الحقوق التى يكفلها لهن القانون البريطانى، وستمارس عليهن ضغوط أسرية واجتماعية لا قبل لهن بمقاومتها. وليس سرا أن أحكام هذه المحاكم فيما يختص بالنزاعات الأسرية وما يترتب عليها من الطلاق وحضانة الأطفال، تنحاز للرجل، ولا تضع حقوق المرأة والطفل فى المقام الأول. وهذه المخاوف هى ما جعلت اقتراحا مشابها، منذ ما يقرب من عامين، فى أونتاريو بكندا، يقابل بالفشل.
أما عن تصوره أن هذه الخطوة ستساعد على اندماج المسلمين؛ فهو تصور خاطئ بكل المقاييس. فإن تأثيرها (لو طبقت) سيكون سلبيا على الانسجام الاجتماعى، وكارثيا على تماسك الأمة. وكما أن أتباع الديانات الأخرى، من السيخ والهندوس واليهود، لا يجدون أية مشكلة فى الانضواء تحت النظام البريطانى، فبدلا من تشجيع المسلمين على المطالبة باستثناءات خاصة، يجب حثهم على الاندماج فى المجتمع والخضوع لقوانينه.
وتشعب الجدل إلى موضوع التعددية الثقافية؛ فرأى بعض المحللين أن تصريحات أسقف كانتينبرى كان لها فضل إثبات ضرورة استبعاد سياسة التعددية الثقافية للوصول إلى أمة بريطانية أفضل، ينصهر فيها المواطنون جميعا فى بوتقة واحدة، تتمشى مع مبادئ الديمقراطية والمساواة.
ورأى البعض الآخر أن تصريحاته الصادمة كان لها فضل فتح الأعين على أن تطبيق الشريعة يجرى فعليا على أرض الواقع بين أبناء الجالية المسلمة فى بريطانيا. وتكررت الإشارة إلى الفيلم الوثائقى الذي قدمته إحدى القنوات الفضائية حديثا بعنوان: "الطلاق حسب الشريعة"، و الذي أبرز حق الرجل المطلق فى مقابل قلة حيلة المرأة.
ورغم أن هدف ويليامز كان إشعار الأقلية المسلمة بالانسجام بين قوانين البلاد ومبادئ العقيدة، فإن هذه القنبلة التى فجرها لم تكن فى صالح نظرة المجتمع إليها؛ فقد اتسع النقاش ليشتمل على شرح وتحليل لبعض مواد الشريعة التى تتصادم مع قيم المواطن البريطانى العادى (والتى غالبا لم يكن يدرى شيئا عنها من قبل)، مثل عقوبات الزنى والسرقة والإلحاد، والتى تتعارض مع ما اعتاد عليه من قوانين مدنية، خاصة فيما يتعلق بتعدد الزوجات والطلاق والحضانة ومساواة المرأة بالرجل فى أمور الميراث والشهادة أمام المحاكم. وبدلا من التقارب، أحس البريطانيون باتساع الهوة التى تفصل الجالية المسلمة عن عالمهم.
وتفرعت ردود الفعل، فشملت تقارير مثيرة للقلق عن تعاظم جرائم الشرف التى ترتكب ضد الإناث، وباعثة للمخاوف من حال البلاد التى تطبق فيها أحكام الشريعة، وجرى التساؤل عن مصير مواطنى هذه البلاد الذين لاذوا ببريطانيا هربا من تلك العقوبات، وهل فى حال الأخذ بالشريعة، سيلاحقهم الخطر حيث ظنوا أنهم قد وجدوا الأمان؟!
ويبدو أن الورطة التى وجد الأسقف فيها نفسه، وتداعياتها، هى أحد مظاهر ما يحدث حاليا فى بريطانيا من شد وجذب بين الرضوخ لضغوط المنظمات الإسلامية وبين التصدى لها. وكان المثال الصارخ على الرضوخ هو الموافقة على تقديم إعانات اجتماعية تتزايد بتزايد عدد الزوجات، وهو ما يتعارض تماما مع التحريم القانونى للتعدد. وعلى صعيد آخر هاهى المستشفيات البريطانية فى حيرة، لا تعرف كيف تتعامل مع الطبيبات المحجبات اللاتى يرفضن الانصياع للتعليمات الضرورية لمنع انتشار العدوى، والتى تتطلب رفع الأكمام من فوق المعصم إلى ما تحت المرفق أثناء التعقيم!
ويستمر السجال... وسنرى ما ستأتى به الأيام...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا