الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الطوابير فى كل مكان

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 2 / 29
المجتمع المدني


كانت الطوابير قد اختفت من حياتنا لفترة من الزمن ظننت أنها لن تعود مرة أخرى ولكن فى الآونة الأخيرة عادت هذه الظاهرة لتطل برأسها القبيح فى شوارع قراننا ومدننا على حد سواء. وأقصد بالطوابير ذلك الزحام الشديد غير المنتظم الذى نشاهده حول السلع والخدمات الأساسية وهو زحام كفيل بإضاعة وإهدار وقت وجهد المواطنين واستنزاف طاقاتهم، فالمواطنون يقضون الجزء الأكبر من وقتهم بل ربما حياتهم وهم وقوف للحصول على أنابيب البوتاجاز أو لاستخراج شهادات الميلاد الالكترونية أو حتى لاستخراج مرتباتهم من ماكينات الصرف الآلى. هذه الطوابير ليست فى حوارى جانبية ولكنها فى الميادين والشوارع الرئيسية ويشاهدها المارة دون أن تلتفت إليها بدعوى أنها ظاهرة اعتدنا عليها ولكن ربما يتوقف عندها الزوار الأجانب خاصة فى المدن السياحية كالأقصر والغردقة وأسوان. لقد شاهدت بعضهم يلتقط صورا لهذه المشاهد التى لم يألفوا عليها.

ففى يناير الماضى واجهت عدة محافظات نقص شديد فى أنابيب البوتاجاز ليرتفع سعر الاسطوانة الواحدة إلى ٢٠ جنيها كما حدث فى القليوبية والأقصر. أما فى مدينة دراو بأسوان فقد انتظر الأهالى منذ الصباح الباكر وصول جرار الأنابيب وتجمهروا حوله مما أدى إلى غلق طريق مصر-أسوان الزراعى وتوقفت حركة السير لمدة ساعة وقضى الناس ليلتهم أمام الجرار حتى حان وقت التوزيع الذى لم يتم سوى فى اليوم التالى. والجدير بالذكر أن هذا الطريق مخصص لسير القوافل السياحية. ومنذ أن تم إعلان بدء تسجيل مواليد ۱۹۸۸حتى ۲۰۰۵فى بطاقات التموين من خلال شهادات الميلاد الإلكترونية والناس يقفون فى صفوف طويلة أمام مكاتب السجلات المدنية فى القاهرة والمحافظات. لقد امتدت الطوابير فى بعض المواقع (مكتب الأحوال المدنية بالهرم مثلا) لأكثر من خمسمائة متر والغريب أن المواطنين يتحملون كل ذلك من أجل حفنة قليلة من المواد الغذائية لا تتعدى فى أحسن الأحوال كيلو سكر ونصف كيلو زيت وبعض الأرز والشاى. ورغم أن أجهزة الدولة قامت بمد مهلة ضم المواليد حتى يونيو القادم وأعلنت أن مكاتب التموين سوف تتولى استخراج شهادات ميلاد إلا أن الأهالى لا يصدقون هذه التصريحات ويرفضون فض الزحام والغريب أن بعض الأهالى يأتون بالبطاطين والألحفة لقضاء الليل أمام الأبواب المؤصدة لمقرات الأحوال المدنية وأقسام الشرطة وما يدعو للأسى والحزن هو أن أحد المواطنين ويدعى محمد رفعت شمروخ ذهب ضحية التدافع والزحام الشديد أثناء وقوفه في طابور بطاقة التموين أمام سجل مدني دشنا بمحافظة قنا.

ولن أتوقف كثيرا عند طوابير العيش التى أصبحت جزءا أساسيا من حياتنا لدرجة أن المرء يصيبه الذهول إذا حصل على الرغيف بسهولة ويسر ودون بذل العرق أو إذا كان الطابور خاليا من المناوشات والمشاحنات وإذا لم يتعاط جرعة من السباب والضرب اليومية. أما ما يدعو للدهشة فهو أن فيروس الزحام أصاب المرافق الخدمية الحساسة كالبنوك. لقد قررت أن احصل على جنيهات قليلة من خلال ماكينة الصرف الآلى لأحد البنوك فى مدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان ففوجئت بطابور من المواطنين أمام الماكينة القديمة الوحيدة بجوار البنك وعلمت أنها فجأة أضربت عن العمل وتوقفت عن الاستجابة لطلبات العملاء وقررت أن اذهب إلى فرع آخر للبنك فى مدينة أخرى تبعد حوالى ستة كيلومترات وهى دراو حيث علمت أن البنك ليس به ماكينة صرف آلى ولما كانت البنوك فى عطلة يومئذ فقد قررت التوجه إلى مدينة أسوان حيث لاحظت طابورا طويلا أمام الماكينة. وقد تلاحظ أيضا أن معظم حاملى كروت الصرف لا يجيدون التعامل مع هذه الماكينات مما يؤدى إلى إطالة زمن الوقوف والانتظار. والغريب أن السياح يقفون فى حيرة وهم يتساءلون: لماذا يقوم البنك بإصدار هذا الكم الهائل من البطاقات أو الكروت دون توفير ماكينات ومنافذ للصرف الآلي؟ لماذا لا تكون هناك إدارة لخدمة العملاء تعمل على تدريب المواطنين على الاستخدام الأمثل لهذه الكروت ولا يسلم لهم الكارت إلا بعد إتقان التعامل مع ماكينات الصرف؟

من العدل أن نشير إلى مسئولية المواطنين والأجهزة الحكومية فى انتشار أو تفاقم ظاهرة الزحام حول السلع أو المرافق الخدمية. فالمواطنون يصيبهم الهلع كلما أحسوا أن سلعة ما أوشكت أن تختفى من الأسواق فيتسابقون فى الحصول على أكبر كمية تحسبا للأيام القادمة كما حدث فى أزمة البوتاجاز. أما الأجهزة الحكومية المتمثلة فى إدارات التموين فلم تبادر بإدخال الطمأنينة فى نفوس المواطنين بل قدمت مهلة قصيرة للانتهاء من تسجيل المواليد وإلا ضاع حقهم فى السلع الأساسية التى لا يمكن الاستغناء عنها. أما البنوك فلم تتوان عن توفير الكارت الخاص بالصرف الآلى لكل من يفتح حساب دون توفير ماكينات الصرف فى المواقع الرئيسية أو دون تدريب المواطنين على التعامل على هذه الأجهزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م