الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استحقاقات الشعب بين السلب والإيجاب

طالب الوحيلي

2008 / 3 / 1
المجتمع المدني


مأساة الشعب العراقي كانت بالسلطة الغاشمة التي حكمت وادي الرافدين طيلة حكم الطاغية صدام المعدوم ،وقد قدم هذا الشعب الكثير من الدماء والتضحيات بين قتل وسجن وإعدام او السجون المظلمة او التغييب الأبدي عبر الإذابة بالتيزاب او الفرم بالمفارم البشرية او الحرق او الدفن بالمقابر الجماعية ،وقد ضرب هذا الشعب أندر مثالا عن الصراع ضد نظام تعدى أوصاف الفاشستية او البربرية او غيرها ،بل جمع كل صفات وابتكارات النظم الاستبدادية التي حكمت شعوبها في العالم اجمع ،واذا كانت لكل نظام في العالم ميزة ما فان ميزة النظام الصدامي البعثي انه تفوق على كل الطغاة بابتكار وسائل القتل وقواعد إذلال الشعب العراق او إفقاره وتجويعه وإذلاله وسوقه في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل وهو يرى بام عينيه كيف تباد الجموع وتكدس الأجساد او تترك بلا دفن فتغمرها الأوحال او تندرس في رمال الجبهات ،لتتحول تلك الهزائم عبر وسائل وأبواق الإعلام المأجورة الى انتصارات خارقة .
اكثر من خمسة وثلاثين عاما عاشها العراق في ظل سياسة همجية أوصلت العراق الى مهاوي التداعي والانهيار عدة مرات ،كان آخرها احتلاله من قبل القوات المتحالفة ،بعد ان أمهلته أكثر من عشر سنوات من هزيمته في حرب تحرير الكويت ،وتلك المهلة كانت اثر خطأ في الحسابات الدولية التي رسمت سياسة الشرق الأوسط ، وتحكمت بقطع لعبه قطعة قطعة ،فلا احد من قادة الانظمة العربية متحرر فعلا من دوامة تحفزها المصالح الدولية وتتقاذف بمفرداتها الإستراتيجية العالمية ،فقد كان النظام الصدامي اللعبة المثالية في تغيير الكثير من مراكز القوى في العالم ،وكان المطية الطيعة لتنفيذ سياسات أدت الى إخفاقات كثيرة في تخلص العالم العربي من التبعية والخضوع لمنطق القوة والاستبداد ..
الشعب العراقي اكثر الشعوب تحفزا للثورة والانتفاض على جلاديه ،وقد عرف في تاريخه السياسي صفحات ناصعة من المجد ،بل ان ثورة العشرين كانت مثالا كبيرا لحركات التحرر العالمي ،وقد أعقبتها انتفاضات وثورة تحررية كادت ان تكون مصدر الإشعاع الثوري والفكري للعالم بأسره لولا تكالب قوى الاستبداد عليها مما أجهض هذه الثورة والقضاء على أنموذج جديد في الشرق المترنح تحت أهواء الامبريالية العالمية،حيث استمر خضوع العراق لنتاج مسخ لذلك الانحسار ،حتى حانت الانتفاضة الشعبانية او انتفاضة اذار عام 1991 والتي كانت ثورة شعبية صعقت القوى الدولية الزاحفة لاحتلال بغداد بقيادة نورمان شوارسكوف ،وإفساح المجال لفلول النظام المهزوم باستعادة قوته وسطوته على الشعب العراقي ،حيث استخدم كافة اسلحته المحرمة والاستراتيجية التي كان قد عبء بها جيوشه لإدامة بقاءه في الكويت ،والتي انتكصت منكسرة لتصب حمم غضبها على الأبرياء من سكان مدن الجنوب والوسط والشمال عبر اكبر مأساة إنسانية لم يعرف الكون مثيلها ،ومع ذلك لم تبدر من العرب وأنظمتهم نامّة تنم عن أدنى شعور بالرفض لذلك النظام ،بل بل العكس فقد درء عن تلك الأنظمة ما كانوا يخشونة من قيام حكومة لا تنسجم مع أنماطهم الطائفية او الدكتاتورية ،فأرادوه نظاما ضعيفا مهانا مثقل بالديون والهلع ،بدل ان يحل ما يمكن ان يقضّ مضاجعهم ،وعلى راي المثل العراقي (شين الذي تعرفه أحسن من الزين الذي لا تعرفه)..
ذلك استذكار متواضع للبعض الذي أذهلته نعمة النسيان ليكفر بما تحقق من منجز لا يحلم به احد، او لنقول تحريره من الظلم الصدامي الذي كان أمنية صعبة المنال لجميع الشعب العراقي حتى المقربون منه ماداموا مشروع قتل من مشاريعه اليومية ،لنجد انفسنا جميعا امام تجربة سياسية كبيرة تجتمع فيها الكثير من العوامل الايديلوجية والعقائدية والتاريخية ،فلا يشعر المرء الا وهو في قلب الحدث بمختلف ألوانه او أبعاده وبسلبه او إيجابه ،بدءا بتجارب الانتخابات حين شارك فيها أكثر من 12 مليون ناخب في اختيار الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور الدائم ،واكثر من ذلك العدد في الاستفتاء عليه حيث شاركت جميع محافظات العراق ،وخصوصا المحافظات المعارضة للعملية السياسية وبرعاية الجماعات الارهابية فيها !!املا في إفشال الاستفتاء ومع ذلك حصل على النسبة القانونية المتفق عليها ،لتجري اول انتخابات نيابية عامة حقيقية في العالم العرابي ،وبمشاركة الجميع ايضا ،فيما كان الانتصار الأعظم في انتخابات مجلس النواب وتسنم ابناء الفقراء مقاعده التشريعية فيما انبثقت عنه اول حكومة وطنية تلم كافة الوان الطيف العراقي ،وتؤكد انتمائها للشعب العراقي الذي صام عصرا من الأزمنة الصعبة ،يجتر مضامين ثورته العقائدية برغم قساوة القوى المتسلطة على رقابه ،فالشعب العراقي لا يركن الى ضيم او يذعن الى ظلم ابدا ، وهو اليوم وبعد تجاوزه محنة الإرهاب ،ينظر الى افق بعيد من التطلع لحياة تقارب ما تنعم به شعوب دول الجوار التي تفتقر الى الحدود الدنيا من الثروات التي انعم الله بها علينا ،فيما تنعدم المقارنة بيننا وبين تلك الشعوب ثقافيا وحضاريا بالرغم من تميز الفرد العراقي بعوامل ذاتية لا يضاهيها شيء في العالم ،غير ان ذلك ما استثمر من قبل ولم يستثمر اليوم ،بسبب تخلف الرؤى السياسية التي يمكنها ان تحتوي هذه الحقيقة ،فلدينا الكثير من الوقائع بسلبها او إيجابها لم يتم احتواؤها او استيعابها ،من ذلك تقديم الخدمات العامة والبدء بثورة الاعمار الشاملة في محافظات الوسط والجنوب وفي العاصمة بغداد ،والضمان الاجتماعي للمواطن ومكافحة البطالة والقضاء عليها كونها تشكل اخطر آفة تهدد الكيان الاجتماعي ،وتامين السكن عبر اقامة المجمعات السكنية عبر التوسع العمودي او الافقي للوحدات الإدارية ،ومعالجة لتضخم المالي وتحسين مستويات الدخل الفردي ،وإحداث ثورة اقتصادية هدفها زيادة راس المال القومي الذي قد يكون سبب للسيادة على مجمل السياسة العالمية..فضلا عن انتظار ما يمكن ان يتحقق عبر تطبيق القوانين الجديدة كقانون والموازنة المالية وقانون المحافظات وما ينتج عنه من تطورات ادارية مهمة يمكن ان تنعكس على واقع الحال في المحافظات ذات العلاقة وعلى الفرد والمجتمع فيما لو صرفت تلك الميزانية الهائلة بأمانة وحكمة..
وعود على بدء ،فان تطلعات الشعب العراقي لنسيان عهود الظلم والاستبداد والاستلاب لا يمكن ان يتم الا بعد ان يتلمس المواطن ثمار صبره وصموده وتضحياته ،لكي يشعر حقيقة انتمائه للنظام السياسي الذي يخدمه وليس يحكمه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار