الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جناية جد العلاء المعري !

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2008 / 3 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هذا ما جناه أبي علي ّ ، وما جنيت على أحد

تلك الكلمات المتشائمة التي أوصى “أبو العلاء المعري” بأن تـكتب على قبره - و التي هي أقسى ما يمكن أن يقتبسه الإنسان ليستشهد به على حزنه العدمي - عبّر عنها - بطريقة أخرى - المفكر السعودي “عبد الله القصيمي” غير مرة، كقوله في ”أيها العقل من رآك”:

”ما أعظم انتصاراتي ! إن كل انتصاراتي أن أخفّف بعض آلامي التي صنعها كوني موجوداً !”

وقوله :

“إن جميع ما يفعله البشر ليس إلا علاجاً لغطلة وجودهم”

تلك الغلطة التي يتحدث عنها القصيمي في الجملة الأخيرة هي بالتحديد جناية والد أبي العلاء المعري - أو “جد” العلاء المعري إن أردت - وهي جناية الإنجاب، باعتبارها جناية على المولود، جناية فرض الحياة عليه دون أن يختار، تلك الحياة التي يعتبرها البوذيون ”سلسلة ً من المعاناة والآلام” لا تنتهي إلا بالتخلص من دورة التناسخ عبر الإفناء الكلي للكارما للوصول إلى حالة السعادة القصوى “النيرفانا” وهي حالة غير مفهومة ، ما هي بالوجود ولا بالعدم وإنما حالة من اليقظة الكاملة وتجربة اللاشيء.. حالة طوباوية لا يفهمها إلا من يصلها.

وفيما يعتقد الأبوان أنهما يسديان إلى الوليد معروفاً بمنحه فرصة الحياة، فإنه بعد أن يستحضر المشاعر العدمية التي تصبح معها حياته عبئاً عليه يشعر أنه مجنيٌّ عليه من قبلهما

حالة يعبر عنها الشاعر كامل الشناوي في قصيدته “يوم بلا غد” بقوله :

ليت يا يوم مولدي .. كنت يوماً بلا غد

ليت أني من الأزل .. لم أعش هذه الحياة

عشت ُ فيها ولم أزل .. جاهلاً أنها حياة

إن إنتاج الوعي الإنساني ” الإيجو” ، وما يلزمه من شعور الإنسان بذاته “الأنا” هو خطيئة !

لأنّ “الإيجو” متمسك ٌ بالبقاء …ينفر من فكرة الفناء الحتمي الذي لا مفرّ منه، فـ ”الأنا” تتمسك بوجودها، ولذلك يصبح كل تصور للنهاية تفنى فيه “الأنا” تصوراً مفزعاً سواء أكان ذلك الموت الأبدي، أو حتى ذلك التصورَ للجنة - في بعض الأديان- والذي تتوحد فيه ذواتنا مع ذات الإله وتندمج في وعي واحد تذوب فيه ذواتنا.. يبقى أيضاً تصوراً مفزعاً!

قال نيتشه: Whenever I climb , I am followed by a dog called Ego

ذلك هو المأزق العدمي الذي كان يمكن تفاديه لو لم نوجد أصلاً …

وتلك هي خطيئة “جد” العلاء المعري.

وكل ما يعانيه الأبوان في سبيل أبنائهم وكل حرصهم وحبهم وتضحياتهم … كل ذلك يصبح مدفوعاً - وفق ذلك التصور- بالشعور بالذنب تجاه ذلك الوعي الإنساني الذي تسببا به، و الذي قد تمزقه آلام العدمية بين حب البقاء وحتمية الموت !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي