الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


2008 .. عام المنع والممانعة

عصام عبدالله

2008 / 3 / 6
المجتمع المدني


في كتابه "البحث اللاهوتي السياسي" عام 1670، أطلق الفيلسوف الهولندي اسبينوزا صيحته الشهيرة : " ما لا يمكن منعه يجب السماح به " ، مؤكدا أن للمرء الحق فى مخالفة الحاكم فى تفكيره كما يشاء. ففى مجال التفكير، وفى مجال العقل ينبغى أن تسود الحرية التامة. أما كبت حرية الفكر فلن تؤدى إلا إلى الرياء والنفاق.
ويستطرد: "هب أن الحرية قد سحقت، وأن الناس قد أذلوا حتى لم يعودوا يجرأون على الهمس إلا بأمر حكامهم. رغم ذلك كله، فمن المحال المضى فى هذا إلى حد جعل تفكيرهم مطابقاً لتفكير السلطة السائدة، فتكون النتيجة الضرورية لذلك هى أن يفكر الناس كل يوم فى شئ ويقولوا شيئاً آخر، فتفسد بذلك ضمائرهم. ويكون فى ذلك تشجيع لهم على النفاق والغش.
ان ما قاله اسبينوزا قبل أكثر من ثلاثة قرون خلت، يكشف بوضوح عن حجم الهوة وعمق الردة التي نعيشها اليوم، حيث شهد الثلث الأول من 2008 توجها كثيفا من قبل السلطات العربية إلي المنع والمصادرة والحجر علي أكثر من صعيد ، قوبل بموجة من الاستنكار والمعارضة والنقد ، داخليا ودوليا ، بما يوحي بالعودة مجددا إلى عصر الوصاية على الجماهير، في ظل الانفجار الاتصالي والمعلوماتي والإعلامي.
فالبنود ال 13 لوثيقة تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية، والتي أقرها الاجتماع الاستثنائي لوزراء الإعلام العرب في القاهرة مؤخرا، تحد من حرية العمل الإعلامي، تحت ستار محاربة تجاوزات أخلاقية، لا تهم النظام السياسي العربي أساسا. وتحاصر الإعلام الجاد تحت ستار "التنظيم والحماية"، كما إن لهجة التهديد وقائمة العقوبات الواردة بالوثيقة تكشف عن نية معظم الأنظمة العربية للتصدي لموجة الانتقادات المتصاعدة التي تتعرض لها.
الملفت في الأمر انه قبل التصديق علي هذه الوثيقة بأيام، تم تسريب مسودة قانون ضمن أوراق مؤتمر«المعلومات حق لكل مواطن» الذي نظمه مركز معلومات رئاسة الوزراء في مصر، تفرض المزيد من القيود علي العمل الإعلامي والحقوقي عبر قانون «الإفصاح وتداول المعلومات». ويعتبر القانون حصول الصحفي علي المعلومة مجرد «استفادة فئوية»، ويمنع إطلاع المجتمع علي علاقات الحكومة بالخارج، ويحجب المعلومات الاقتصادية المهمة عن طالبها، ويتجاهل حق الباحثين الأكاديميين في تحليل الوثائق التاريخية، ولم يربط بين مسئولية حاجب المعلومات ومسئولية الصحفي القانونية بنشره معلومات اجتهد في الحصول عليها من مصدر آخر.
وبإختصار فإن قانون «حرية المعلومات» سيكون قانونا لمصادرة المعلومات وحجبها لأنه يجعل حق المواطن في الحصول علي المعلومات أمرا استثنائيا وليس حقا أصيلا.
وقبل أسابيع قليلة من صدور هذا القانون وتلك الوثيقة ، وبالتحديد في شهر يناير الماضي ، تمت مصادرة العديد من الكتب في الدورة الأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ، لميلان كونديرا والكاتب المغربي محمد شكري والثائر البوليفي تشي جيفارا إلى جانب كتب لكتاب لبنانيين وسعوديين.
فقد صادرت الرقابة خمس روايات للكاتب المغربي محمد شكري هي : "السوق الداخلي" و"الخيمة" و"ورد ورماد" و"غواية الشحرور الأبيض" و"بول بولز " و"عطلة طنجة". كما صودرت أربع روايات لميلان كونديرا هي : "خفة الكائن التي لا تحتمل" و"غراميات مرحة" و"الضحك والنسيان" و"الحياة هي في مكان آخر".
بالإضافة إلي رواية "الحب في السعودية" لإبراهيم بادي الذي وقع الطبعة الأولى من الرواية في جناح الدار في المعرض العام الماضي" ، إضافة إلى ثلاث روايات لكتاب لبنانيين هي "كأنها نائمة" لالياس خوري و"مريم الحكايا" لعلوية صبح وذلك للعام الرابع على التوالي، إلى جانب "مسك الغزال" لحنان الشيخ.
المفارقة أنه تمت مصادرة أكثر من عشرة كتب ، رغم السماح بعرضها في الدورة السابقة العام الماضي ، وهي "أحلامي لا تعرف الحدود" للمناضل الشهير ارنستو تشي جيفارا الذي صدر قبل أكثر من ربع قرن و"قبلة يهوذا" للفرنسي اوبير برولونجو و"حوار مع الملحدين في التراث" للبناني عصام محفوظ و"خبايا الذاكرة" لإبراهيم عمار.
وفي السعودية سجلت جريدة «الحياة» خلال جولتها في مقر معرض الرياض الدولي للكتاب، المقام حاليا ، سحب أكثر من كتاب كان معروضاً علي رفوف دور النشر، منها «نساء المنكر» لسمر المقرن، و «أرض السواد» لعبدالرحمن منيف، و «أصل الأنواع» لتشارلز داروين، و»نقد النص القرآني» وكتاب حول ابن عربي وآخر عن الإباضية و «برهان العسل» لسلوى النعيمي وكتب جيفارا وجميع كتب نوال السعداوي و «التاريخ السري للنكتة العربية» و «الصورة والجسد» و «رمزية الجسد» و «القرد العاري» و «سيكلوجية الأنوثة» و «حب في السعودية» لإبراهيم بادي.
الإشارة الإيجابية الوحيدة جاءت من تونس التي تستضيف شهر إبريل المقبل دورة جديدة من المهرجان الدولي للكتاب . فقد صرح مصدر مسئول في وزارة الثقافة لرويترز " إن حرية نشر الكتب تدعمت أكثر العام الماضي ونشر أكثر من 1700 كتاب، 90 منها عناوين لمؤلفات جديدة لم يسبق نشرها ". ويأتي تأكيد وزارة الثقافة على حرية النشر بعد أسبوع واحد من قول كتاب تونسيين ان وزارة الثقافة سمحت بتوزيع كتبهم بعد احتجازها لفترة طويلة.
وكان الرئيس التونسي قد أعلن في الذكري العشرين ، في السابع من نوفمبر الماضي إلغاء الرقابة الإدارية على الكتب والمنشورات وجعل قرار منع النشر من سلطة القضاء وحده . واعتبر هذا القرار "خطوة جديدة لتكريس حرية الإبداع والفكر وتشجيع الإنتاج الوطني". ويتيح القرار الجديد للناشرين سحب كتبهم من المطبعة مباشرة دون الحاجة الى ترخيص مسبق من وزارة الثقافة ... وإلي أن يتحقق ذلك ، لنا عودة مرة أخري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل


.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل




.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق


.. -غوغل مابس- قد يكون خطرا عليك.. الأمم المتحدة تحذر: عطل إعدا




.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي