الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا انتقلت حركات المقاومة من الروح الوطنية إلى حضن الطائفية والانقسام؟

عبد الخالق السر

2008 / 3 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في اعتقادي أنه قبل السعي لتفكيك "لماذا" سنجد أننا مرغمون للتوقف قليلا أما مفهوم "الوطنية" الذي أتى إلينا ضمن ملحقات الدولة الحديثة كم ورثناها من الاستعمار. إن محاولة تحليل هذا المفهوم سوف يعيننا كثيرا في الإجابة على السؤال "لماذا" مشروع هذا المقال.

من المعروف تاريخيا أن الروح الوطنية في فترات التحرر الوطني للعالم العربي كانت عنصرا مهما من ضمن عناصر راس المال الرمزي التي ساهمت في الدفع المعنوي لحركات المقاومة ضد الهيمنة والإمبريالية. ولكن يبقى هناك سؤالاً ما انفك يعلن عن نفسه بإلحاح: هل كانت هذه الروح الوطنية مفهوما فلسفيا يتسق وواقع الحال الاجتماعي، الثقافي والاقتصادي بنيويا أم كانت مجرد لغة خطابية Rhetoric تستدعي العواطف ولها قدرة على الحشد والتضامن ضد عدو واحد؟ بالطبع لن نجهد كثيرا في الإجابة على هذا السؤال. فالشاهد أن فترة ما بعد الاستعمار المصاحبة لقيام الأنظمة السياسية "الوطنية" قد كشفت بما لا يدع مجالا للشك أن الوطنية والحداثة وما تفرع منهما من أيدلوجيات لم تكن سوى بنى خارجية لواقع متخلف متخم بالانقسامات العرقية، القبلية، الجهوية والدينية. ومع أنه ثبت عمليا أن هذه البنى المتعارضة كليا مع مفهوم الدولة القومية والهوية الوطنية يمكن في لحظة ما أن تتضافر وتشكل مجمل عناصر راس المال الرمزي للمقاومة الإيجابية ،كما حدث إبان لحظات التحرر من ربقة الاستعمار، فالثابت أيضا أنها ببناها المفاهيمية والثقافية القائمة على النفي والإقصاء لا يمكن أن تعيش في تآلف وانسجام تحت مظلة الدولة القومية إلا قسرا وإكراها.
المؤسف حقا إن حركات المقاومة والتي تحولت فيما بعد إلى أنظمة سياسية لم تتوقف كثيرا أمام هذه الحقائق -نسبة لتوقها وتلمظها للسلطة- ومن ثم العمل على تفكيك هذه البنى المتخلفة والحد من امتيازاتها التاريخية لصالح بناء دولة المواطنة. الشاهد أن هذه الأنظمة وفي سبيل حصولها على مشروعية السيادة عمدت على سلك أقصر الطرق الانتهازية للحصول عليها وذلك بالعمل ما وسعها للتحالف مع مختلف هذه القوى التقليدية دينية كانت أم قبلية أو عرقية وبالقدر الذي يحقق لها مصالحها الآنية وطول الاستمرارية. أنتج هذا النمط من السياسات المنحازة واقعا من الظلومات الفادحة والخراب المنظم والفساد المؤسس، ومن ثم بات الاستحواذ على السلطة السياسية بأية ثمن هو الطريق الأوحد لرد المظالم والخروج من حالة الهوان لمختلف قطاعات المجتمع التقليدية وبالتالي السعي لفرض الهيمنة ورد الصاع صاعين على الآخرين كما تمثله الغالبية الشيعية الآن في العراق. نتج عن كل ذلك تحالفات وتعارضات عملت بقوة فيما بعد لتفكيك بنى الاستقرار ومن ثم نشوء بدائل أيدلوجية دينية، جهوية وعرقية تعمل بهمة لخطف الدولة وتنصيب نفسها البديل "الوطني" لتعيد من ثم الدائرة الجهنمية التي تتلظى بنارها المجتمعات العربية المعاصرة.
نخلص من كل ذلك: أن الوطنية فيما مضى كانت حالة طارئة وواقعا عارضا أكثر من كونها واقعا حقيقيا يمثل انعكاسا لحقيقة التطور الذي أصاب بنى دولة ما بعد الاستعمار. والحال هكذا، فإن صعود التيارات الطائفية والأيدلوجيات الدينية لمسرح الأحداث بهذا الشكل اللافت ما هو إلا بلورة لحقيقة هذه المجتمعات التقليدية وتجسيد حي للإنهاك – إن لم نقل الموات- الذي أصاب ما يعرف بالدولة "الحديثة" في العالم العربي والإسلامي. وكل ذلك تم بفضل وهمة هذه الأنظمة الفاشية التي عملت بقوة لتمكين هذه الكيانات التقليدية اقتصاديا واجتماعيا وسوقتها دعائيا عبر أجهزة الدولة البيروقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها