الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماالذي يجعلك استثناء ك ذكريات وتأملات سودانيه فيما خص الوحده المصريه- السوريه

عبد العزيز حسين الصاوي

2008 / 3 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شباب سوريا " قلب العروبة النابض "، ناهيك عن شباب السودان هامش هامشها، لن يصدق ان شابا حلفاويا كان قد حيا علم جمهورية الوحده ( 58- 61) معبرا بذلك عن امنية بأن تصبح بلاده النجمة الثالثة الي جانب مصر وسوريا، هذه الجمهورية التي ظلت صورتها تشحب في الاذهان العربية يوما بعد يوم جارة خلفها فكرة الوحدة العربية نفسها حتي انزوت في كهوف ذكريات كهول وشيوخ ولم تعد تعني شيئا لاغلبية ابنائهم وبناتهم الساحقه. وبمناسبة مرور 50 عاما علي توقيع ميثاقها في 2 فبراير عام 1958 تولي بعض حراس الذكريات ايقاظ الموضوع من سباته من خلال عدد من الندوات والكتابات.
كان ذلك في احد ايام 1960 ابان زيارة جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية العربية المتحده للسودان، وصاحبنا طالب قادم من الخرطوم الي منزلهم في الخرطوم بحري عبر كبري النيل الازرق راجلا عندما وجد احد الاعلام التي تزين الشوارع ضمن مراسم الترحيب الرسمي ملقي علي الارض. كان المشهد صدمة لعواطفه القومية العربية الملتهبة الطازجة ايامها وهو الملتحق لتوه بأول مجموعة بعثية سودانيه فلم يتردد في التقاط العلم بكل احترام ورفعه علي غصن شجرة نيم قريبه والوقوف تحتها ضاربا ( تعظيم سلام ). قبل ذلك او بعده بيوم او يومين كان صاحبنا قد وجد نفسه دون توقع او ترتيب عند نقطة مر بها موكب عبد الناصر نحو المدخل الخلفي لاستاد الخرطوم بها عدد قليل من الناس . خيل اليه، او انها كانت حقيقه، ان عينيه التقتا بعيني عبد الناصر والسيارة تبطئ قليلا في منحني. كانت لحظة خاطفة رجته رجا كصعقة برق كهربائيه حتي كاد قلبه يقفز خارج صدره بأنفجار بركاني وراحت يداه تلوحان بما يشبه الجنون وحنجرته تصرخ دون وعي ..... " بدر الدين يسلم عليك". وبدر الدين هو بدر الدين مدثر، اكثر عناصر المجموعة البعثية الاولي ديناميكية وابرز شخصياتها عندما اصبحت حزبا بحق وحقيق، رفيق صاحبنا وصديقه ونزيل سجون دكتاتورية عبود الدائم ايام الاحتفالات السنوية بأول كسوف لشمس الديموقراطية السودانيه في نوفمبر 58. بعد ذلك اللقاء مع العلم والزعيم بعام او نحوه شمر صاحبنا عن ساعديه ليؤسس مع اخرين من شباب الستينيات الاولي " الجبهة العربية الاشتراكيه " ولكن علي انقاض نفس الوحده التي قدم لعلمها فروض الاحترام. فالدفعة النهائيه نحو تأسيس هذا التنظيم،الاول من نوعه في جامعة الخرطوم، جاءت اثر مظاهرة نظمتها نوايات التيار القومي العربي السياسي منفعلة بحدث انفصام الوحدة المصرية- السوريه في سبتمبر 61 تنديدا واستنكارا. وتزامنا مع مشاركة صاحبنا في الاعداد للمظاهرة ثم للتنظيم بدأت ايضا مسيرة ( خيانته) للزعيم الاسطوره ولانفلاتات المراهقة العذبه وهو ينحاز تدريجيا للبعث في الصراع الذي نشب مع الناصريه حول ادارة دولة الوحده مع ان اولي افكار الحزب وصلت السودان ابان فترة التماهي بينهما ( 56-60 ) محمولة علي موجة الفوران الناصري الهائلة التي اطلقتها كاريزما عبد الناصر ووزن مصر الاستثنائي عربيا، واغاني عبد الحليم حافظ واشعار عبد المعطي حجازي.... افكار امتزجت فيها نداءات الماضي الذهبي مع افاق التحرير السياسي والاجتماعي في صياغات ادبية تأملية اخاذه لميشيل يوسف عفلق.
اذ يستعيد صاحبنا تلك المرحلة من بعد بعيد الان يجد مصدرين لجاذبية البعث سودانيا بالمقارنة للناصريه هما اللذان جعلا منه الجسم الاكبر بكثير من غيره للتيارات القومية العربية في السودان. الاول ان العلاقة المصرية السودانيه رغم حميميتها علي اكثر من صعيد تحفل بحساسيات وتعقيدات بات معها المجال السوداني النخبوي اقل انفتاحا تجاه الوارد السياسي- الفكري المصري بالمقارنة للمجال المشرقي حيث كان عبد الناصر معبود الجماهير بلامنازع خاصة في سوريا. والثاني ان البعث بأعتباره حزبا، بعكس الناصريه، قدم لشباب القوميين ادوات فكرية وتنظيميه تتطلبها مواجهة تياري الشيوعيين والاخوان المسلمين. وهذا العنصر بالذات هو الذي شكل شخصية البعث في السودان كحبة من نصفين ( قومي/عربي ) و ( قطري/ سوداني) تنمو وتتفرع ولكنها مرشحة للانفلاق. لقد انغمس البعثيون منذ البدايه في المكابدات السودانية العظيمة والشاقة مع سلسلة الدكتاتوريات متحملين نصيبا منها اكبر من حجمهم السياسي مدفوعين بالتنافس مع هذين التيارين وبما يشبه التعويض عن قوة جواذب الشق القومي في تكوينهم التي كانت تعني انتماءهم لمنظومة بعثية عربيه يقود فيها المكون البعثي العراقي نظاما مشابها. وهو تناقض تعذر استمراره لاسيما بعد مافرضت قضية الديموقراطية نفسها علي جميع اصحاب الايدولوجيات والانظمة الشموليه منذ الثمانينيات فأنقسم البعثيون السودانيون وغير السودانيين علي هذا الخط الفاصل ضمن صراع قدم فيه صاحبنا ماتيسر له من جهد ثقافي بعضه كان موضوعه جمهورية عام 58 المصرية- السورية.
بعد انفصام هذه الجمهوريه بأكثر من ثلاثين عاما تبددت خلالها السكره الوحدويه وحلت محلها الفكره، نشر صاحبنا كتابا بعنوان العلاقة الناصرية- البعثية، دراسة استطلاعية في ازمة الثورية العربيه " يدعي انه سلط الضوء علي الزاوية التي لم يستكشفها الكم الهائل من الدراسات حول اسباب الوفاة المبكرة لاول واخر مشروع وحده عربيه بمقياس حجم الحماس والتطلعات الشعبية العربيه التي رافقت مولده، مما استحال معه تجديدها ومن ثم وفاتها حتي كفكره وتوجه عام. وفق الكتاب، المعضلة كانت ان قيادة عبد الناصر، صانعة الوحده كتيار شعبي جارف، لم تكن بطبيعة تكوينها قادرة علي التعامل كشريك في ادارة الدولة الجديده مع حزب البعث، الصانع الرئيسي للوحده العربيه كتيار فكري سياسي حديث. لذلك فأن تفكك عري العلاقة الوثيقة بين ركيزتي التيار الاساسيتين مع بداية تأسيس دوله الوحده كانت بداية تفكك عراها مما فتح مجال الفعالية الانفصالية للقوي السياسية والاجتماعية العربية والاجنبية المعترضة عليها كل لاسبابه. كما انعدمت بعد ذلك امكانية المراجعة النقدية التصحيحية للتجربه، الوسيلة الوحيدة لابقاء اصل الفكره حيا وقابلة للتطبيق المتطور، لان النفوذ الناصري كان طاغيا في المناخ الشعبي العربي واوساط النخب القوميه ومعه تفسيره ذو الخاصيتين لاسباب انهيار التجربه : الاولي هي التركيز الكلي تقريبا علي عاملي الظروف الموضوعيه والتامر الخارجي والثانيه هي تجاهل عامل الخلاف مع البعث لان الاعتراف به يعني الاعتراف بوزن خاص للبعث وهذا امر لم يكن واردا في معمعة الحملة الناصرية التقزيمية الضارية ضده حينذاك. علي ان المساهمة البعثية في انعدام الاستخلاص السليم لدروس التجربه كانت ايضا كبيره فقد فشل في استثمار رصيده الفكري الديموقراطي ممثلا في وثائقة التأسيسيه منذ الاربعينيات وفي اندماجه بالتجارب الديموقراطية في سوريا والاردن خلال الخمسينات للارتقاء بقضية الخلاف مع الناصريه من مستوي موضوع الشراكة الثنائية بينهما الي مستوي الشراكة المتعددة الاطراف حتي لو كانت محدوده بما ينطوي عليه ذلك من امكانية الانشغال نظريا وعمليا بقضية العلاقة بين الوحده والديموقراطيه وليس علاقتها بالاشتراكية فقط كما حدث فعلا تحت تأثير عوامل اضافية لقصوره الذاتي اهمها الجاذبية الشديدة للتجارب الاشتراكية وقتها. اثار هذا الفشل ظهرت خطيرة لاحقا عندما خاض تجربة السلطه فأقام نظاما لايختلف جوهريا عن النظام الناصري : تطلعات مخلصة لبناء مجتمعات الطبقات الشعبيه ضلت طريق الديموقراطية السياسيه اليها في ضباب الخلط بين الغرب الاستعماري وانظمته السياسية المفتوحه والخلط بين الشرق الشيوعي الصديق ونظامه السياسي المغلق. وبينما احتفظت الناصرية ببعض بريق انجازاتها حتي الان نظرا لانقطاع التجربة التطبيقية بوفاة زعيمها المبكره اكمل البعث دائرة التقهقر من كافة وعود التقدم وبعض خطواتها حتي انحدر الي منطقة أعادة الحياه للملكيات الوراثيه المطلقه سوريا وعراقيا، بسبب عجزه عن احداث اختراق ديموقراطي.
هذه الافكار المتعلقة بتحليل أزمة الوحده شرحت مفصلة ومدعومة بالتوثيق الكامل في اكثر من مؤلف لصاحبنا وفي عدة دراسات ومقالات نشرها في مجلات وصحف عربيه ولكنها اذ كانت خارجة عن المجري الرئيسي لتفكير الطرفين البعثي والناصري حول الموضوع بقيت مدفونة في تراب صدودهم عنها. وبقي هو يسأل نفسه هل ضاعت مشاغل عمره هدرا؟ فيجيبه صوت صغير : تري ماالذي يجعلك استثناء في جيل توهم امكانية تحرير الشعوب سياسيا واجتماعيا بأسلحة الفكر الاستبدادي يسارا ويمينا ووسطا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي