الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنا .. كل ما ينتمي الينا وننتمي اليه

عبدالجليل الكناني

2008 / 3 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الروح والأرض والجسد

نحن بحاجة دائما إلى نظرة بسيطة غير متكلفة للأمور تلك النظرة التي تقودنا إلى التجرد من القيود التي يفرضها الواقع الفكري وحين ننجح بالوصول إلى الحرية المطلقة المجردة فإننا سننظر إلى الظواهر – كجوهر ، يدركه العقل المتأمل ، وتجلٍ ظاهري ، تعطيه الحواس صورته التي يتجسد بها - والجوهر والجسد ينتميان لبعضهما في صلة وثيقة . ومن منظار البساطة يمكن للمرء أن ينظر إلى الأشياء كما هي في الواقع فيشعر بغرابة إصرار الآخرين على أن يكونوا امتدادا مقيدا لسابقيهم وذلك في الواقع سلب للانا ، اناهم التي مع عدم انفصالها التام عن الذات الكلية للمجتمع البشري إلا إنها تمتلك خصوصيتها في أن تكون أنا مميزة لها ملامحها حين تتجلى كظاهرة حسية أو حين تخضع لدراسة مستفيضة موغلة في خصائصها الجوهرية .
وحين يتحدث المرء عن أناه يمكننا تدوين كل ما يُشعره بانتمائه لتلك الأنا ، وليس من الضرورة أن نخص بالدراسة عالما أو مثقفا ولعله على العكس من ذلك فان الفئات الدارسة للعلم أو أي من الثقافة والثقافات العامة هم أكثر خداعا لنا حين يتحدثون عن أنآهم ، وعن ماهية الأنا إذ هم غالبا ما يخضعون للمقاييس المدرسية التي نشأوا عليها ، أو أنهم يتجردون مما لا يرضي غرورهم ليتخلصوا من ما يروه عيبا وفق مفهومهم ، وبذا يتطلب جهدا أكبر في فهم الأنا لديهم . ومن ذلك ما أوردته جريدة الصباح من خلال دعوتها للإسهام في الموضوع من قول لنيتشه انه : - في كل حديث نتحدث فيه عن الروح ، ربما ، كنا نتحدث عن الجسد ولا ندري ؟؟ فلو كان نيتشه يرى أن الروح هي الأنا فان قوله يدفعنا إلى الشك في ما وراء ذلك القول من محاولة للتسامي على الجسد وعدم الإقرار صراحة بكونه بعض مهم من الأنا وطول الإنكار هذا والإصرار عليه يولد لدى الإنسان ، وكذا نيتشه ، قلقا من الوقوع بالخطأ الذي يحسب على أناه المفكرة ، والتي هي من ناحية أخرى أنا خالصة مجردة من الغرائز الدنيا وافرازات الجسد الكريهة ، كما يرى ، وكشعور بالذنب لتجاهل الجسد أعطاه إطلاقا مشكوكا به ، بربما ، انه هو الانا، ليعتذر من الجسد بإفراط لا يحسب عليه إن أخطأ وليخلي مسؤوليته الفكرية كفيلسوف . ولو أن رجلا بسيطا مثلي ويدعو إلى البساطة لقال وجدتها الجسد بعض من الانا وأنا أتقبل أناي بما فيها من افرازات كريهة بل هي كذلك والا لما وجدت .
ألانا في الواقع ومما نلاحظه حين نتأمل شعور الآخرين بأناهم إنما تتمثل بكل ما ينتمي إلى المرء وما ينتمي إليه من (( فكر ونتاج ، وجسد ، وأرض ، )) . فمن حيث الفكر والنتاج فالعالم والأديب والفيلسوف وحتى المزارع البسيط والعامل خلف ماكنة الإنتاج يعتز بمهارته وبراعته في عمله ويرى تميزه في ذلك وهو يذود بدأب عنها ، فنتاج فكري يتمثل بكتاب لا يمكن فصله عن أنا منتِجه لأنه يمثل ما يعتمل في داخله من فكر وبناء تأريخي وغالبا ما يشعر بأنه اقرب حتى من أولاده إلى نفسه لأنه جزء منها ، وكذلك بالنسبة للنتاج المادي ، وعن الجسد فلعل الإنسان يحرص بعد موته على أن يدفن بوقار ويحضر دفنه الأهل والمحبين وأن لا يساء إلى جسده بعد موته كما أننا حين نتحدث عن صفات أجسادنا لا نقول جسدنا طويل أو أن أرجل جسدنا أو بطن جسدنا تؤلمه ، بل نقول ، مثلا ، أنا طويل أو قصير ، بطني ، رجلي ، تؤلمني مثلما نقول فكرنا ، إحساسنا ، أو تأذت مشاعرنا . وأننا جميعا نعتز بجسدنا نؤنقه ونعطره ، ونهمل أنفسنا لو أهملناه ونشعر بالأسى حين الإساءة له ولو تعطل هذا الجسد أو وهن وهنت أنفسنا إن كل حركة فيه هي بعض من الروح ومحصلة الحركة فيه هي الروح كلها، والروح بعض من الانا . وذلك ما يدفعنا لاحترام أجساد الآخرين ، وان فارقتهم الروح نظل نحترمهم حين نطل على أجسادهم المسجاة شاعرين باناهم مجسدة فيها .
وعن الارتباط بالأرض فمن منا لا يشده الحنين لأرض بزغ منها وآوته ، ومن منا لا ينتمي إلى بيته ووطنه أليس العراق جرحنا الذي يؤلمنا ، أليس العراق غصة في صدورنا ، وأنين في أرواحنا انه جزء عظيم من انانا جميعا انانا التي توحدنا بنحن . العراق هو العامل المشترك في كل أنا عراقي . وحين يشعر الأبوين بحب اكبر واهتمام أكثر بابنهم المريض الجريح فإنهم ينسون أو يتناسون أبناءهم الآخرين فلا يكون لديهم سوى هذا المعذب ، كذا نحن العراقيون فإننا في هذه الظروف الصعبة ننسى كل مكونات انانا إزاء المكون ( الابن ) المهدد بالاغتيال ، المعتل لذا فان نفوسنا ، انانا ، جميعا معتلة مريضة متعبة . فهل ثمة شك ، بعد ذلك ، من أن الأرض والجسد هما جزءان أساسيان من الانا ؟ . ومن يراوده الشك سينبئه كل غريب أوصى ، قبل موته ، أن يُلَمَّ بقايا أناه ، جسده ووطنه ، بعد أن تغادرها الروح .

* الموضوع اللاحق عن الأنا الحاضرة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نزوح 300 ألف من رفح.. واشتباكات ضارية بين القوات الإسرائيلية


.. لا تنسيق مع إسرائيل بمعبر رفح.. القاهرة تعتبر اتفاقية السلام




.. السير نحو المجهول.. مأساة تهجير جديدة تنتظر نازحي رفح الفلسط


.. الخلافات تشعل إسرائيل..غضب داخل الجيش الإسرائيلي من نتنياهو




.. موكب أمني لحماية المغنية الإسرائيلية -إيدن جولان-.. والسبب -