الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فئرانهن وثقافة النوع الاجتماعي*

تغريد كشك

2008 / 3 / 13
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


طالبتي الصغيرة أصبحت معلمة منذ سنة تقريبا.
اليوم جاءتني تبكي هموم اللغة، تتأرجح ما بين هن وهم.
معلمتي الصغيرة تعمل على إعداد استمارة حول الحالة الاجتماعية لطالباتها، السؤال الأول فيها عن عدد الأطفال في الأسرة..
مديرة المدرسة اعترضت على لغة الاستمارة، لأن السؤال الأول برأيها يجب أن يتناول عدد البنات وعدد الأولاد داخل الأسرة.
جاءتني الصغيرة باكية، قالت لي تعلمنا أن كلمة طفل تُستعمل للمذكر والمؤنث وإذا أردنا التمييز نقول البنين والبنات لأن كلمة الأولاد أيضا تستعمل للدلالة على الطفل في سن معينة وليس على جنس المولود.
تذكرت حينها أن الجندر مفهوم جديد بدأ يعبث بقواعد لغتنا وكلماتها وبأن التأنيث يجب أن يطغى على كل الكلمات لنكون ضمن الفريق العالمي من أجل تمكين المرأة وجندرتها.

*******************
خلف رف الألعاب والقصص في تلك المكتبة الكبيرة كانت مديرة إحدى المراكز النسوية تسير مع طفلها في محاولة لمساعدته على اختيار لعبة جميلة.
تعلق الطفل بعروسة جميلة واحتضنها بين ذراعية رافضاً التخلي عنها، ولكنه وضعها جانباً أمام توسلات وتهديدات الأم التي اختارت له كرة واحتضنته قائلة: "ماما ،هذه اللعبة للبنات وأما أنت فرجل".

*************************
في ذلك الركن البعيد من المطعم جلس يحدثها عن حرية المرأة وأهمية خروجها للعمل واستقلالية رأيها، وعن معارضته لحجاب المرأة ولكل أشكال التمييز ضدها، ولكنه ترك يدها فجأة مخلفاً وراءه دفتر أشعاره وخواطره ومجموعة كبيرة من الشموع المضاءة حبا ًلها واعجاباً بها ، وذهب مسرعاً وراء صبية جميلة تسير على الرصيف برفقة شاب وسيم.
عاد غاضباً بعد دقائق قليلة، وعندما سألته عن سبب غضبه أخبرها بأنه رأى أخته تسير في الشارع برفقة زميلها في العمل وأنه ذهب لتأديبها وتوبيخها ثم عاد.

****************
اليوم انتهت رحلتي في البحث عن إحدى الترجمات الجديدة لكتاب حول تمكين المرأة، فقد أرشدني صاحب المكتبة إلى عنوان المؤسسة النسوية التي تكفلت بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية وبطباعته وتوزيعه، وقد استقبلتني مديرة المؤسسة بالترحاب وقدمت لي القهوة والحلوى وأبدت استعدادها لتزويدي بنسخ عديدة من هذه الترجمة الثمينة والنادرة، ودعتها وخرجت برفقة إحدى موظفات المؤسسة للتوجه إلى مخزن الكتب حيث يمكنني الحصول على نسخة الكتاب بالإضافة إلى إمكانية تزويدي مجاناً بكتب أخرى قد أحتاج إليها.

أخبرتني الموظفة أنه علينا الانتقال إلى الطابق الأرضي للبناية حيث يوجد المخزن، وكانت المفاجأة عندما رأيتها تطلب من الحارس أن يفتح باباً من قضبان حديدية يشبه أبواب السجن، طلبت الموظفة مني أن أرافق الحارس إلى الداخل لأنها خائفة من الفئران التي تملأ المخزن، وتطبيقا للمثل القائل بأن صاحب الحاجة أرعن فقد أجبرت نفسي على الدخول للتفتيش بين الأكوام والرفوف.
بعد انتهاء عملية البحث وبعد أن خرجت وبجعبتي أكثر مما توقعت الحصول عليه من الكتب الثمينة ذات التصاميم الرائعة والأوراق غالية الثمن، سألت الموظفة عن السر وراء السماح لإناث الفئران وذكورها بالتهام هذه الكتب دون وضع شروط التأنيث والتذكير عليها، فأجابتني بأن تكلفة الترجمة والطباعة والنشر هي عبارة عن تمويل من مؤسسات أجنبية بهدف تمكين المرأة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأنه يتم فقط توزيع بعض النسخ من هذه الكتب على المراكز والمؤسسات والمعاهد النسوية وأما ما رأيته فهو عبارة عن نسخ فائضة يتم وضعها في المخزن بعد انتهاء الاحتفال بإطلاق الكتاب بحضور ممثل عن المؤسسة الأجنبية التي تقوم بالتمويل.

بدأت بإزالة الغبار عن الكتب ونفسي تردد بحسرة وألم: "هنيئا لفئرانهن بهذا التمكين وهنيئا لنسائنا بثقافة النوع الاجتماعي".

*********************
إلتقيتها في صالة الانتظار في المركز الصحي، عانقتني بخجل وأمسكت بيدي معاتبة لأنني لم أكرر زيارتي للقرية، لم أعرفها ولكني رأيت في وجهها بساطة النساء في بلدي ورأيت في ابتسامتها الخجولة رقة الملامح وأحسست في صوتها نعومة الأيدي العاملة قهراً.

جلسنا نتحدث، تجنبت ذكر اسمها أو اسم قريتها خوفاً على رقة تلك المشاعر الجياشة التي استقبلتني بعناق طويل إلى أن أسعفتني الذاكرة فسألتها عن اسم ابنها البكر لأناديها منذ تلك اللحظة بأم محمد.

كانت أم محمد سيدة في منتصف الثلاثينات، جميلة الوجه والعينين، قوية النظرات ثابتة الخطى، جريئة حادة العبارات صريحة لدرجة لا تمل معها أن تحدثها طويلاً.
مرّ وقت الانتظار سريعاً برفقة أحاديث أم محمد التي لا تنتهي، فهي عاتبة جداً على الطريقة التي نقدم فيها ورشاتنا التدريبية حول قضايا النوع الاجتماعي وتمكين المرأة، وقد أخبرتني أن المشاكل الأسرية أصبحت في ازدياد بعد دخول الورشات التدريبية الى مجتمع القرى، وترجع أم محمد السبب في ذلك إلى أننا عادة ما نتوجه بالتدريب للنساء فقط ونعمل على إضافة بعض المفاهيم والمصطلحات الحديثة إلى حياتهن وطريقة تعاملهن مع الزوج والأسرة والمجتمع بشكل عام، بينما ننسى الزوج والأب والأخ الذين يبقوا بعيدين فكرياً واجتماعياً عن هذه المدخلات الجديدة مما يجعل المرأة والرجل في طريقين مختلفين متباعدين كل واحد يلهج بلغة لم يعد الآخر قادراً على فهمها وهذا يخلق شرخا في العلاقات الاجتماعية والأسرية.

أم محمد التي وصلت للمرحلة الابتدائية من التعليم استطاعت أن تضع يدها على الجرح، ولكن ليس لمعالجته بل لزيادة ألمه، أما تلك العجوز التي كانت تسمعنا فقد أخبرتني أنها ترى بأن تغيير المجتمع إلى الأفضل لا يتم عبر تدريب وتمكين النساء فقط، واقترحت بدلاً من ذلك أن نبدأ بتعليم الأطفال في المدارس، وبأن نعمل على تطوير المناهج التعليمية لنحصل بعد جيل على مجتمع لا يكون أفراده بحاجة إلى تمويل أجنبي من أجل توفير الدعم لورشات عمل تمكين النساء في المجتمعات المهمشة.

* أقدم اعتذاري لشخصيات هذه المداخلات القصصية لأنني لم أتمكن بسبب ضيق الوقت من أخذ موافقتهن على نشرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصحفيات أكثر عرضة للانتهاكات والتحرش اللفظي أو الجسدي


.. مريم شمالي وهي ربة منزل من إحدى قرى سعدنايل




.. نعمت شفيق .. المرأة الحديدية تقمع مظاهرات الطلاب الرافضة لإس


.. حديث السوشال | علاقة -سرية- بزعيم عصابة تتسبب في قتل ملكة جم




.. المشاركة في المسيرة جنان الخطيب