الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انا ووالدي وعبد الكريم قاسم

علي جاسم

2008 / 3 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


اتذكر عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري سرت مع والدي في منطقة المنصور قرب حديقة الزوراء وفي التقاطع الذي يربط بين معرض بغداد الدولي وشارع الكندي نظرت نحو احد تماثيل الطاغية صدام الذي كان يجثو على ساحةٍ خضراء كبيرة ،فتأملت هذا الصنم الكبير الذي يعيد اذهاننا الى عصر الجاهلية والتخلف عندما كانت الاصنام والتماثيل الهةُ تعبد ،فسألت والدي الذي عودني منذ الصغر ان اتجنب الانزلاق في هاوية حزب البعث وعدم الاقتراب من ايديولوجيته العمياء حتى وان هوىجسدي تحت مقصلة المشانق ، او ادخلت السجون والمعتقلات المجانية التي كان النظام البعثي يرمي فيها مناوئيه وخصومه كجزء من سياسته العدوانية الشرسة، المهم اني سألته سؤالاً فطرياً "لماذا يكثر صدام من تماثيله؟" فنظر الي وابتسم ابتسامةٌ معبرة وهمس في اذني ببعض الكلمات التي مازالت عالقة في ذاكرتي قائلاً.. ان ضعف الشخصية والخوف من النهاية المخزية والشعور بالنقص وراء اللجوء الى تشييد تماثيل في كل زاويةٌ وركن ، فقاطعته ، اي نقص هذا وهويملك كل شي في هذا الوطن المذبوح ،اجابني انا لا اعني النقص المادي انما اقصد النقص المعنوي ، فقلت.. مازلت اجهل غايتك ياحبذا لو تفصح عن كلامك دون الغاز ، فأكد ان الطاغية يشعر بنقص حب الجماهير ويتحسس كرهها له لـذا يريد ان يملأ فراغه باصنام وتماثيل ، وصمت برهة واضاف ضاحكاً سأنبئك سراً لا اريد ان يعرفه احد سواك ، واريدك ان تكون خازن لاسراري الانتحارية فأجبته انني اهلاً لذلك ،فبدأ حديثه ..ان هذا التمثال لن يصمد طويلاً وسينحني ذات يوم امام ارادة الجماهير، وسيأتي قادة وطنيون يضعون امام اعينهم مصلحة الوطن قبل كل شيئ وستكون الممارسة الديمقراطية عنوان كبير يزين صدر العراق، وقلت ما هو الجديد بذلك ، انت علمتنا بان عمر الطغاة صغير ومصيرهم الى الجحيم ولعنة التاريخ، فقال تمهل حتى اخبرك الجزء الاخر من السر، فقلت :هات ماعندك اني اتشوق لسماع مايؤشر على نهاية الطاغية ،واسترسل بالحديث ان الجديد الذي لاتعرفه ان التمثال سيبدل باخر ،واستدرك انا لااقصد بان عراق مابعد صدام سيبقى قابعاً تحت الانظمة الدكتاتورية ،انما اعني بان تمثالاً اخراً سيوضع ذات يوم في نفس هذا المكان للزعيم العراقي عبد الكريم قاسم ويكتب تحته عبارة "محرر العراق الاول" لانه اول من حررنا من رجعية الحكم الملكي واسس لنا اول جمهورية في العراق ،وتابع حديثه ان عبد الكريم قاسم شخص قل نظيره في الوقت الحاضر ليس على مستوى العراق فقط انما على مستوى المنطقة باسرها ،انهينا حديثنا واقلنا مركبة اجرة وعدنا الى المنزل.
وقبل ايام كنت جلساً مع والدي في المنزل وكان يجمعنا حديث حول الوضع السياسي في العراق وعن خلو الساحة العراقية من القيادات السياسية ذات الرؤى المستقبلية الواضحة ، فبدات ذاكرتي تعيدني الى حواري معه قبل اربعة عشر عام وسرح بي الخيال الى كلماته عندما كان الحديث حول تمثال صدام، فحدثته بسري الذي حملته معي منذ تلك الفترة ،فقال لااتذكر شيء عن سرك وظل يتأمل وبعد صراع بينه وبين ذاكرته التي اتعبتها السنين تذكر وقال صحيح لقد حدثتك بذلك لكن حديثي لم يتحقق منه سوى سقوط النظام البعثي فلم يوضع تمثال لعبد الكريم قاسم وسط بغداد فقلت لا لقد وضعت امانة بغداد تمثالا في شارع الرشيد بدلاً من تمثال الغريري ،فقال اذن نبوءتي تحققت ، فقلت لم تتحقق كلها لان العراق مازال يفتقد الى قيادات وطنية تكون اهلاً للمسؤولية التي وضعها الشعب في اعناقهم لان السياسيين تركوا مصالح الشعب خلف ظهورهم وساروا نحو تحقيق مصالح شخصية وحزبية وطائفية ضيقة ، ان العراق بحاجة الى شخصية وطنية مثل عبد الكريم قاسم الذي مات وهو لايملك قطعة ارض في بلد يطفو فوق بحيرةٌ من النفط والثروات المعدنية ، فأجابني حتى لو كان هناك مثل هكذا شخص فانه سيكون مقيد الايدي بسبب المحاصصة الطائفية والفساد الاداري اللذين اصبحا هوية السياسيين في العراق الجديد ونظرالي نظرة حزن وقال ياولدي ان السياسيين في العراق اذا ظلوا بنفس هذا النهج فان العراق سيسير نحو المجهول وحينها لاينفعنا حتى عبد الكريم قاسم نفسه !!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-