الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخيفون

سعدون محسن ضمد

2008 / 3 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(أن تكون إنساناً يعني أن تكون متديناً) عبارة توقفت عندها كثيراً أول ما طالعتها بكتاب تاريخ المعتقدات الدينية لميرسيا الياد. فمن خلال هذه العبارة تَكَشَّفت لي أهم المعاني التي تتضمنها الإنسانية. إذ الكاتب يربط بينها وبين التدين ربطاً محكماً. معتبراً أن معظم الممارسات والفعاليات التي تميز الإنسان عن الحيوان هي نـحو من أنـحاء التدين.
احترام الأبناء لآبائهم سلوك ديني، فهذا الاحترام محكوم بطقوس مقدسة. الحيوانات لا تقيم علاقات بين الأبناء والآباء. نفس الأمر يقال عن العلاقة الجسدية بين الذكر والأنثى التي تتم عبر طقوس الزواج وعند مختلف شعوب العالم، والأكل الذي يتم عبر طقوس المائدة، حتى العمل وكسب الرزق يتم عبر سلوك تديني، وخير مثال على ذلك رسومات جدران الكهوف التي تعبر عن أن الإنسان الأول تعامل مع صيد الحيوانات بمنطق التدين.
من هذا الكتاب فهمت معنى الآية التي تقول: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون). بمعنى أنني عرفت بأن الدين لا يحتاج لحراس يحمونه من الانهيار، فهو سلوك إنساني مركوز بفطرة الإنسان ولا يفنى إلا بفناء نفس الإنسانية. الآية القرآنية وجملة الكتاب السالفة تعبران عن معنى واحد، هو: أن تكون إنساناً فأنت متدين... ولكن أي تدين؟.
قبل أيام سألني ابني البالغ من العمر ثلاث عشرة سنة:
ـ عندما أموت فكم سأبقى محترقاً بالنار؟
كان السؤال محرجاً لدرجة أنني سكت لحظات عدة من أجل أن أفلت من المفاجأة ثم أجبته بسؤال معاكس:
ـ هل تحب الفأرة؟
ـ لا...
ـ لماذا؟
ـ لأنها مؤذية (أجابني بسرعة وعلامات التقزز تطفح على وجهه)!.
ـ فإذا طلبت منك أن تدخل بها سيخاً حديدياً وتشويها على النار وهي حية هل تفعل؟
ـ لا طبعاً.. أجاب وعلامات الدهشة تملأ وجهه هذه المرة فقد فهم المغزى بسرعة.
سؤال ابني يعبر عن صورة الدين في مخيال الناس. فقد تحول لسيل من التهم لا ينتهي، وتحول الرب بسببه الى كائن أسطوري مخيف لا هم له سوى مراقبة البشر وعد خطاياهم. واية خطايا، ليتها اقتصرت على أخطاء عتاة التاريخ ومجرمي البشرية، ليتها توقفت عند جرائم الإبادة مثلاً. إذن لهان الأمر، لكن المشكلة أن الدين والرب بنارهما المخيفة راحا يلاحقان حتى الشاب الذي يختلس نظرة بريئة لصبية تطفح أنوثة وفتنة، وحتى من يدندن بينه وبين نفسه بأغنية مرحة في ساعة استرخاء. بل حتى أحاديث السمر التي تتضمن تناول شؤون الآخرين (الغيبة) والتي هي سلوك شائع لدرجة أن لا يخلو أي حديث بين اثنين منها، تحولت لجريمة تُدخل (مجرمها) ناراً ذات لضى تمتلئ بعقارب كالحمير وأفاعٍ كالثيران ووووو.
ما من شك أن النصوص القرآنية هي التي أكدت وجود النار وتوعدت بعذابها، لكن أي عذاب وعن أية جرائم؟ هناك سعي غير مفهوم لجعل الرب بهذا المستوى من البشاعة، الرب مخيف حتى للأطفال وهو حاضر ليعد الخطايا حتى في ساعات الخلوة التي تجمع بين الزوج وزوجته، فحتى في لحظات الخصوصية تلك توجد نصوص تمنع وأخرى تكره وغيرها تحذر. ولو أننا علقنا على جسد الإنسان مكان كل ممنوع ديني ثقلاً خفيفاً جداً لتجمع من الأثقال ما لا تستطيع تحمله حتى الجبال، تحول الدين بفضل حراسه إلى مجموعة هموم لا يمكن أن تتناسب وحياة الإنسان السوي. بالتأكيد أنا لا أتهم من أسميهم بـ(حراس الدين) بسوء الطوية لكنني اعتبرهم واهمين وهم يختصرون الذات الإلهية بصورة القاضي والحياة بجلسة المحكمة. فلا يبقى أمام الإنسان بعدها غير انتظار سجنه الأخير بقضبانه الملتهبة.
أخيارً.. لماذا نؤول الآية التي تقول: (يد الله فوق أيديهم) والآية التي تقول: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) والآية التي تقول: (وجاء ربك والملك صفاً صفا). وآيات أخرى كثيرة. ولا نؤول الآيات المتعلقة بالنار وعذابها.. أعتقد لأننا بحاجة لحقنة إنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عواطف الأسدي: رجال الدين مرتبطون بالنظام ويستفيدون منه


.. المسلمون في النرويج يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك




.. هل الأديان والأساطير موجودة في داخلنا قبل ظهورها في الواقع ؟


.. الأب الروحي لـAI جيفري هنتون يحذر: الذكاء الاصطناعي سيتغلب ع




.. استهداف المقاومة الإسلامية بمسيّرة موقع بياض بليدا التابع لل