الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكتابة كما اراها

ابراهيم فيلالي

2008 / 3 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


القلم هو آخر ما تبقى لي و سيبقى حتى يكون آخر شيء يسقط بين أصابعي و أنا احتضر. هل تعرفون لماذا ؟
لأنني لا احتاج لمن يساعدني أو يحثني على أخذه، لأنه خفيف وغير مكلف و يصمد طويلا و ينفع دوما، و لأنه على الخصوص يترجم تفكيري و يوثق أفكاري و تجاربي و يشهد أنني امشي. لان بعد المشي تكون لي حكايات فاستحضر القلم للكتابة . أنا لا اكتب للربح أو للشهرة . فهذه أشياء افهمها كعوائق موضوعية و ذاتية – نفسية و اجتماعية و ... حين الاستسلام لها يكون القلم مأجورا و يكتب تحت الطلب و وفق حسابات و تفكير الآخرين. القلم هذا كتابة لا تطرح السؤال و إن كان حاضرا فللتمويه و يكون سطحيا ، هذا الكاتب عليه أن يختار ما بين الانسجام مع الذات - أي أن لا يكتب إلا في طريق البحث عن الحقيقة ، و هو طريق النضال من اجل حرية التعبير – و بين الانفصام و الهستيرية - التي يعيشها، من جهة، حين يكتب كي يربح لقمة العيش أو يربح مركزا اجتماعيا و يكون مهما فيجمع حوله آلاف القراء و المعجبين ، و حين يحس ،من جهة أخرى ، بالخجل أمام عمق و حقيقة ما يكتب و ما يريد أو ما يجب أن يكتبه وهو يدرك المسالة جيدا ، ولكن ظروف الحياة تقتضي مسايرة الأحداث لألا يرمى في الهامش و يبقى بائسا - . الكتابة مجال للصراع و أقوى سلاح ، إذا نظرنا إليها من زاوية الإستراتيجية الحربية . فعلا فهي في موقع محدد تمارس حربا ضد اللاكتابة و ضد عوامل إلغائها و اغتيالها و حرب ضد الطابوهات داخلها ثم ضد الانتهازيين ، من يستغلونها كجسر للاسترزاق بشيء ما . الكتابة متعة شخصية . أجد فيها لحظات غريبة فعلا . فحينها اشعر ، و أنا اكتب ، بارتياح عميق و بلذة في تدفق الأفكار بلغة لا اختارها . بل اكتب باللغة التي فكرت بها و من داخلها . أنا لا أترجم ما اكتب... اكتب بحرية و الفكرة هي التي تختار اللغة، فأترجم بقلمي لغة الفكرة و فكرة داخل لغة.هذا هو الجانب الذي أحس فيه بلذة و متعة التفكير و الكتابة . هذا يخصني، ولكن من حقنا أن نحتضنها كي لا تنقرض ، فنجعلها وسيلة للغضب و للفرح، للدفاع و للهجوم، للتواصل و للإبداع، للحب و للحياة؛ كتابة مفعمة بالحيوية و الاستفزاز ( للعقل) و العطاء. كتابة تبدأ و تنهي بالسؤال، لنصحو على بحث، في الطريق، عن جواب للسؤال. هذا إن حسمنا في سؤال الطريق . من سؤال الطريق تنبثق أسئلة أخرى، كالطريق إلى أين ؟ و رفقة من ؟ و من هم قطاع الطرق ؟ و من نحن الذين يطرحون سؤال الطريق ؟ حين نجيب عن هذه الأسئلة سندرك أن للكتابة دور أساسي في رسم الطريق، لأننا بها نترك الأثر، حتى إن تعثرنا لا نتيه، لان الكتابة أسست لدعم منيع. نتكئ على الكتابة / الذاكرة ، كي نكون نحن أنفسنا ، و لا تغيرنا الأحداث و لا نحيا بالمواسم و بالأوهام. في الكتابة مخاض حقيقي، يختلط فيه القلق بعناء التفكير و بالمشاكل المتعلقة بولادة الفكرة ، ثم باللذة و المتعة. بالوصول إلى فكرة معينة نقطع مع آلام و معاناة مرحلة التكوين و التكون. باكتشاف فكرة ما نفرح فرحة الانتصار ، فننسى أو نتناسى ما فرش لهذه اللحظة، لان هذا التراكم من القلق و المعاناة تحول نوعيا إلى نقيضه بعد ولادة الفكرة/ ثمرة البحث و إضاءة لمسافة طويلة من الطريق ، على أن يولد مرة أخرى في فكرة جديدة. الكتابة قلق ليس كالقلق البدائي و خوف ليس كالخوف الغريزي. هناك أسئلة تخيف إذا وجدتنا غير مؤهلين لخوض غمارها إن هي أرادت أن تحطم فينا شيئا ما.و لأننا غير مؤسسين لا نملك ضمانة بناء ما سيدمره السؤال، فإننا نخاف فنتجنبه و نتفادى "حريق الرأس". إن الكتابة هي السلاح الوحيد ضد الخوف من السؤال ، لأننا لا نكتب حتى يكون لنا رأي، ولا نؤسس هذا الأخير إلا بعد مواجهات متكررة و متنوعة مع السؤال. على هذا يجب أن ننتج السؤال كي تربطنا به علاقة ألفة و رفقة دائمة. فهو لا يخيف سوى من تخيفه الحقيقة. تأخذ الكتابة معنى، و هي تدافع عن مسائل و قضايا عادلة و مشروعة، لهذا تختلف أساليبها و أنماطها. فإذا كان هم الكاتب هو إنجاح المؤسسة ، فان الأمر يمر عبر تحقيق اكبر عدد ممكن من المبيعات و توظيف متخصصين في التدبير المقاولاتي و التنسيق، فتتحول الكتابة إلى منتوج للتسويق بوسائل تستهدف القارئ كزبون ، ويصبح المبدع المفترض ،أي الكاتب، الرئيس المدير العام لمؤسسة الكتابة. ما معنى أن نكتب يوميا، ليس بشكل تلقائي، و لكن نكتب و نحن مستعدون لذلك، و نعرف أن هذا الوقت بالضبط مخصص للكتابة ، باعتبارها عملا و شغلا و مصدرا للعيش ؟ لا اعتقد أن الإبداع يأتي كل صباح على الساعة الثامنة و النصف ثم يذهب ليتغذى فيحضر ثانية بعد الزوال. ليس الإبداع شخصا منضبطا و مهذبا ،إنما هو متمرد كما اعرفه . قد يأتي متأخرا فيدق عليك الباب و أنت بين النوم و اليقظة، فترحب به. فنجان قهوة و سيجارة و يمشي. لاستيقظ على كلمات كتبتها بين جميع الأوقات. فهو لم يأتني في أوقات الشغل ،لان لا شغل لي ، و لم يأتني قبل أو بعد الأكل، لأنني لا انضبط لأوقات الوجبات ، ولم أجده ينتظرني في الغرفة ، لأنني لا اسكن مكانا محددا. ربما أتعبه حين يبحث عني. ولكن فهمت انه استوعب الأمر، لان ما يوحي به من كلمات و أفكار هو دليل على انه حر غير مقيد، لهذا لا يذهب ابدآ ليأخذ مكانه في الطابور كي يسحب رخصة التجول و البحث عن ذوات يتقمصها. هو حين يريد أن يبدأ رحلته لا يدق على الأبواب، وإنما ينبت كما تنبت الأزهار و يحلق كما تحلق العصافير و لا يدق إلا على أبواب الذين رموا بالمفاتيح، و هي أصلا أبواب لا تغلق و لا توصد في وجه الإبداع لأنه حرية. الكتابة سؤال و إبداع و حرية ، ثم هي ليست مهنة ، إنها خارج و ضد رهانات السوق ، أو هكذا يجب أن تكون. حين أتحدث عن الكتابة فأنني اقصد الكتابة النافعة، تلك التي تدفع الإنسانية إلى الرقي و النضج و التحرر. الكتابة لا تحضر إلى السوق و ليست لديها أسهم في البورصة، أو هكذا يجب أن تكون. الكتابة اثر للإبداع الذي أينما وليت وجهك تجده سباقا للمكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة