الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيالات الأمل

وليد الفضلي

2008 / 3 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أوشكت فوضى الأحداث اليومية أن تحجب الأبصار عن رؤية حقيقة المشهد في العالمين العربي والإسلامي، والتي توارت خلف قيم إنسانية مجزئة ومشوهة، وإحصائيات موت وتدمير الإنسان والوطن، وأزمات وصراعات متجددة، بالإضافة إلى احتقانات سياسية ومذهبية دفينة. كما تضافرت تفاصيل نشرات الأخبار، وتحاليل الساسة المتقاعدين، ومزايدات “بازار” الإعلام، في بناء مدن من أصنام اليأس في العقول والنفوس، وتثبيت الصورة عند مشهد الانكسار وهزيمة الإنسان، والوطن، ليكون مشهداً نمطياً متكرراً من دون أدنى استشعار بالألم والحزن. فإليكم أربعة من رؤوس الموضوعات التي نراهن على أنها سوف تبقى حاضرة في وسائل الإعلام، ولكن بتفاصيل وشخوص مختلفين ومنها:

مازالت صفحة الرسوم المسيئة لرسول الإنسانية “محمد” (ص) مفتوحة لم تطو، بل إن نيرانها تسعرت من جديد في صحف السوق الأوروبية، تحت مسوغات حرية التعبير، ولنا أن نتساءل: هل أن مشكاة الحرية لا تنير إلا بانتهاك أنوار الآخر؟ والتعدي على رموز ديانات، وثقافات الآخر؟ أوليس هذا النوع من الإساءة هو تفخيخ، ونسف لكل جسور الأمل بمشاريع الحوار، والتعارف المنشود بين الحضارات الإنسانية؟. ومن بعد ذلك، أي ردة فعل نتوقعها إزاء هذه الإساءات، غير تلك الردود التي لا تقل عنفاً عن انتهاكات الآخر؟

أما “غزة” فهي لم تتوقف عن تسيير مواكب الشهداء، وأفواج الأطفال الضحايا الذي سلبوا حلمهم، فتراكمت استغاثة إنسانها على جدران الصمت، والعزلة، والخذلان.

في غزة أمّ تريد أن تلملم ضفائر مستقبل أطفالها، وإنسان يريد أن يتنفس ذلك الأمل، ولوحة خالية من ألوان الحياة وأطيافها، كل تفاصيل ذلك المشهد القديم لم تحرك ساكناً فينا؛ لأن الأحاسيس والأمل قبرا منذ زمن ليس بقريب.

حتى شجرة الأرز اللبنانية غطتها سحابة سوداء من الخارج، فلم تعد كما كانت تظلل فسيفساء الداخل، فلُوثَت حريتها ببكتيريا مهددة من الشرق، وفيروسات من الغرب، ولم تعد كما كانت مشربة المبدعين العرب الأولى من ماء الحرية المتدفق من بيروت والبقاع. لقد بحّت المبادرات من المناداة على رئيس للجمهورية اللبنانية، الذي غاب في ما بين جموع المشجعين والمشعلين من جهة، والموالاة والمعارضة من جهة ثانية.

كما نعيش حالة القلق من الاحتقان المذهبي، والاقتتال الطائفي في العراق، وامتداد دخانهما الخانق إلى دول المنطقة وبالأخص الى دول الخليج، فالمفخخات في العراق لم تحصد المئات من القتلى والجرحى فقط، بل إن جريرة جرائمها أصابت بقايا الأمل، بعد زوال النظام الطاغوت في العراق، ويشارك في هذه الجريمة جميع المتخندقين باسم المذاهب الدينية، أو الأحزاب السياسية التي أشعلت شرارة الاحتراق الكبير بين فئات المجتمع، وبررت سلوك التكفير والعنف.

فهل هنالك متسع للكتابة في هذه الكيمياء البائسة؟ وماذا عسى أن يسكب القلم الواعي؟ هل يعيد صياغة الجراحات كرّة بعد كرّة، ويدعي أن هنالك أملاً؟ هل يرتل أسفار ومشاريع إنقاذ وتحرير الإنسان العربي، ومن ثم يهدي الكلمات إلى أرواح من دفنوا تحت الركامات المتحركة؟ هل يستنجد بالسحرة والعلماء ليعيدوا عقارب الساعة للوراء، فيكحل العيون بصورة قديمة نسيناها، ويدهن الروح بدهان الحب وقيم الإنسان بعد نفادها من وسائل الإعلام؟ أم يترك الدخان القاتم يلتهم عطر المستقبل، ويغيب إرث الوطن، وبصمت متآمر يبحث عن حضن يخبئ فيه يأسه؟ أتراني أترك معصية الكتابة، وأستيقظ من كابوس التفكير والسؤال وأتحالف مع فوضى الأحداث والأفكار، فأندد وأرعد بالكلمات؟ هل بقي ثمة أمل؟.

نحن في حاجة إلى القليل من الأمل ليعيد لنا الأمل، ويفضح التبرير الذي لطالما قرأناه على أنه هو التفسير، ويكشف اليأس المعيق لخطى الحاضر، والقادر على قراءة خيوط المستقبل. وأن نضبط بوصلتنا الإستراتيجية، التي يمكنها أن تعبر الأزمات وتذهب بنا إلى أية نقطة نريد. فلا قيمة للهاث خلف فوضى الأحداث، لأنه خير دعم ومساهمة في زيادة رصيد الفوضى.

إن الاعتقاد أن نصرة تلك القضايا الأربع ومؤازرتها يكون عبر سلسلة من الإدانات والبيانات الاستنكارية لهو سذاجة إستراتيجية، فالإدانات والخطب لا تحقق الشرط الحضاري للتغيير والإصلاح، فهي أشبه ما تكون بحقن التخدير التي تنسي المريض لساعات معدودة المرض، ليستيقظ صباحا ليجد المرض وقد اشتد واستفحل توغله في الجسد.

بالإضافة إلى أن غالبية قراءتنا ومعالجتنا لتلك القضايا تقع في منطقة البديهيات الأولية لجهة نيل الحقوق، فأضحت نوعا من اجترار، وتسويق لدواء يعالج بعض الأعراض من دون يداوي الجسد العليل. كما أنها لم تخرج من المنطقة الخضراء الآمنة في بحثها وتمحيصها عن حوامل الداء، وطرح الأسئلة، وخلق البديل الحضاري القادر على مواجهة داء الفوضى الذي يمتد ويصيب بالعدوى بقية مجتمعاتنا ودولنا.

خلاصة القول، إن مشروع الفوضى الذي تعيشه أكثر من بقعة في العالمين العربي والإسلامي مرشحة للتزايد والتمدد إلى مناطق جديدة، والمعالجة لا تكون إلا عبر مشروع حضاري يطول بمشرطه النقدي المناطق الأكثر حساسية وثباتاً في تفكيرنا وحراكنا في الواقع. حري بنا أن نبحث عن ذلك الذي يتنفس دخان حرائق الفوضى والفتنة، ونكشف مصدر حركته؟ وإلى أين تتجه بوصلته التدميرية. وتبقى علامة الاستفهام معلقة... هل هنالك ثمة أمل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خيم اعتصامات الطلبة تتوسع في بريطانيا | #نيوز_بلس


.. أعداد كبيرة تتظاهر في ساحة الجمهورية بباريس تضامنا مع فلسطين




.. حركة حماس: لن نقبل وجود أي قوات للاحتلال في معبر رفح


.. كيف عززت الحروب الحالية أهمية الدفاعات الباليستية؟




.. مفاوضات للهدنة بغزة مع تحشد عسكري إسرائيلي برفح