الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلطة السياسية واحترام المثقف

مهدي النجار

2008 / 3 / 23
المجتمع المدني


بداية نستبعد من حديثنا أولئك المثقفين الذين شاءوا الانخراط في اجهزة السلطة والتماهي في خطابها ومفردات سلوكها واخلاقيتها، مستبعدين من انجازهم الثقافي العقل النقدي والتساؤلي؛ اولئك الذين يشبهون السمكة الدنيئة التي تلتهم اي طعم يُرمى لها، واضعين نصب اهدافهم فحوى: من اين تؤكل الكتف؟! يستهويهم البحث الخلاق عن فرص اصطياد المغانم والعطاءات لعلهم يقتنصوا حزمة اوراق نقدية من هذا السياسي او ذاك، من خلال قصيدة او كلمة تُعلي من شأن مقام الرمز السياسي الذي ما انفك يمارس دور الحاكم المستبد الذي ينتفخ وينتشي اثناء توزيع مكارمه وعطاياه، يتدافع المثقفون الخُدج ويتغامزون فيما بينهم وتتناقل الاخبار في اوساطهم بلمحة "موبايل"، حتى يصل الامر الى التنافس الحاد من اجل الفوز ببطاقات الدعوة الى المؤتمرات والمهرجانات والاجتماعات...تراهم في كل الازمنة يشكلون جوقة ثقافية يصعب اختراقها او التفاهم معها او الاطلاع على اسرارها، فاحدهم "يبشبش" بأذن الآخر، خاصة فيما يتعلق بالصيد الدسم،إذن ماذا تبقى لهذا المثقف من أرصدة ليُحترم صوته حتى لو كان من طراز المبدعين؟! ماذا يتبقى للمثقف اذا لم يستوعب موروثه وواقعه في آن فيتعاطى مع الحياة والمجتمع والسلطة السياسية انطلاقاً من عقله وقلبه وفطنته وضميره، نتحدث هنا بالذات عن هذا المثقف الإشكالي الذي ينبغي ان تحترمه السلطة السياسية التي تزعم انحيازها الكامل للعقل والحرية وتحولات العالم الجديد، عليها ان تُشرع قوانين فعلية لحمايته وصيانته ورعايته واذا لم تفعل ذلك فستلتهمها نيران الاستبداد والفساد، على السلطة السياسية الجديدة ان تهئ نفسها اذا ما ارادت ان تكون فعلاً من البناءين، للاصغاء جيداً لنداءات ذلك المثقف الذي يفضح التمويه والعسف والهوان، عليها ان تنتبه لذاك المثقف الناقد الذي يجد نفسه دائماً في مواجهة التسلط الذي يُذل الآخرين ويبرُّح بهم، المثقف الذي تراه [ يطيع القانون غير المكتوب - القانون الاخلاقي المنقوش في اعماق الكائن الانساني - الذي يستعلي عن قوانين المجتمع ويقتضي أحترام حقوق كل انسان، وفي الدرجة الاولى حقوق المقموع والمُهان والمستعَبد ] . ولا ضير ان ينخرط هذا المثقف في مؤسسات السلطة شرط ان يظل راشداً، لا يحركه في فضاء عمله ونشاطه غير عقله وضميره، وكم ستبدو هيئة السلطة بديعة وبهية اذا ما احترمت اصوات المثقفين الحقيقيين وانتصرت لاراداتهم، وكم رائعاً اذا ما احاطت نفسها بهم، ويلفت نظرنا بهذا المعنى مثال ينبغي التأمل به واستلهامه، يعود تاريخه الى القرن الماضي في فرنسا الجنرال ديغول الذي احاط نفسه بمثقفين مرموقين كالروائي والفيلسوف أندريه مالرو 1901 – 1976 ( وزير الثقافة) والسياسي المثقف جورج بومبيدو 1911 – 1974 (رئيس الوزراء)، ويروى عن الجنرال ديغول انه جاءه ذات يوم، إبان الاضطرابات الطلابية والعمالية التي اجتاحت بلاده في أيار 1968، قائدُ شرطة باريس ليخبره بأن الفيلسوف جان پول سارتر انضمَّ إلى المتظاهرين يرمي الشرطة بالحجارة ويستأذنه لاعتقاله، فرفض رفضًا قطعيًّا اعتقال سارتر "المعارض" ووبَّخ رئيس الشرطة قائلاً: "هل تريد أن يقال عنِّي إنِّي اعتقلت ڤولتير؟!" – ما يعني الاحترام الفعلي للمثقَّف الحقيقي، حين يكون في السلطة، لنفسه ولذلك الآخر الذي يُخالِفه ويُعارِضه، فيتعامل معه بكلِّ احترام ونِدِّية – إذ ذاك، وإذ ذاك فقط، يصبح من الممكن جدًّا أن تتجسد على أرض الواقع تلك العلاقةُ المثاليةُ المرجوةُ بين المثقَّف والسلطة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص


.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة




.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر


.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ




.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا