الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبو العلاء المعري والمقابر الجماعية

صبيحة شبر

2008 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من يقرأ في شعر أبي العلاء المعري ، ذلك الإنسان الذي جرب الدنيا ، وعرف انه لاشيء يجدي ، ضحك المرء أو بكى ، النتيجة واحدة في الاثنين
غير مجد في ملتي واعتقادي × نوح باك ولا ترنم شاد
ما الذي يدرينا إن غنت الحمامة على غصنها المياد ، أم بكت ؟ الألحان نفسها ، تنطلق من الطائر وقت الفرح والحزن ، فيأخذ بالإنشاد معبرا عما يشعر به من شجن يهز النفس ، ويثلم الفؤاد ، فلماذا يصرخ الإنسان ، ويلطم الوجه حين يأتيه الناعي مخبرا إياه عن فراق إنسان حبيب ، قد عز له المثيل ، جاء شاعرنا النبأ حزينا ينقل له فراق من يحب من بني البشر ، وكان المعري قد أعتزل الناس ، ولم يخالط الكثير من العباد ، فيستقبل المعري الخبر الحزين بحكمة كبيرة ، مفادها ان صوت النعي يشبه صوت البشير ، فنحن نسمع الصوت عاليا دون أن نفهم ما المراد منه
وشبيه صوت النعي اذا قيـ ××ـس بصوت البشير في كل ناد
وبالحكمة العالية التي اكتسبها المعري ، من حياته الغنية بالعلوم والآداب يتساءل أين قبورنا الكثيرة التي هبط إليها أناسنا الأعزاء، الذين حنوا علينا وأطعمونا الحب والرحمة ، والقبور كثيرة تملآ الرحب من عهد عاد الى أيامنا هذه ، التي زادت حدة الموت فيها ، فلم تقتصر على الموت الطبيعي ، او ذلك الذي يحدث جراء المرض العضال الذي لابراء منها ، وإنما أصبح عدد الموتى المغادرين هذه الحياة ، بلا شعور بالأسف أكثر أضعافا عما كان في عهد المعري ، حيث تكالب البعض من اجل وضع حد ، لحياة الكثير من الناس الطيبين ، الذين آلوا على أنفسهم مساعدة الآخر والذود عن حياضه ، واذا بهم يتلقون جزاء سنمار
هل كان المعري يملك من النظرة الثاقبة ،ما يجعله يتوقع ان الحياة تتدهور باستمرار ، وان الأمس أفضل من اليوم ، كما أن الغد اشد بشاعة من اليوم ، ما الذي جعل حياتنا بهذا السوء ؟ أليس عدم احترامنا للآخرين ، واتصافنا بصفات تنفر المرء منا حين لانجد في الغير حسنا او جمالا ، لاسيما في اختلافهم بوجهات النظر ، فلماذا يتكبر المرء على من وهبه الحياة ، ومن منحه الحب السامي ورعاه
خفف الوطء ما أظن أديم ااــ××أرض إلا من هذه الأجساد
هل يكفي قدم الآباء والأجداد ، وارتحالهم الى الحياة الأخرى ، ان نتناسى ما أضافوه إلينا ، وما جادت به أياديهم من عظيم الهبات
وقبيح بنا وان قدم العهـــ ×× ــد هوان الآباء والأجداد
ما الذي يدعونا الى الاختيال والعجب ، بما فعلناه ونحن لم نستطع ان نفعل ما يستحق الفخر ، فلماذا نضر بمن استقر في جوف الأرض
سر ان اسطعت في الهواء رويدا ×× لااختيالا على رفات العباد
فأين ذهبت القبور ؟ هل اندثرت ؟ وهي كثيرة من عهد عاد الى الآن ، أليس القبر يشاد على موضع قبور أخرى قد سبقته ، وضمت رفات الملايين من الموتى ، بعد ان أودعهم ذووهم في الثرى ، وهي تحمل الأضداد الذين تقاتلوا في دنيا البشر ، وإذا بهم يقطنون اليوم لحدا واحدا ، يضم الأسود والأبيض والمسالم والمتحارب والهاديء والصاخب ، أليس القبر يضحك من تقلب الناس من حالة التناحر الى حياة الوئام ،
رب لحد قد صار لحدا مرارا ××× ضاحك من تزاحم الأضداد
كم ضمت قبورنا من أجساد بشرية ، بعضها يعود الى مذنبين ، بحق الناس والبعض الآخر ، يعود الى أبرياء لم يذنبوا بشيء الا انهم كانوا يملكون قلوبا ناصعة ،أحبت كل الناس وتمنت الخير لهم
ماذا يمكن للمعري ان يقول ,، في هذا الزمن الذي تراكمت فيه الجرائم بحق البشرية ، وأضحى الناس متحاربين من اجل قضية غيرهم ، يسيرون معصوبي الأعين من بؤس الى آخر اشد ايلاما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | عمليات نوعية وغير مسبوقة للمقاومة الإسلامية في


.. «توأم الروح والتفوق» ظاهرة مشرقة بخريجي 2024




.. تغطية خاصة | إيهود باراك: في ظل قيادة نتنياهو نحن أقرب إلى ا


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع مستوى الإسناد




.. لماذا تخشى الكنيسة الكاثوليكية الذكاء الاصطناعي؟