الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى إعادة تشكيل القيم من أسسها الحقة : (المصالحة مع الذات وتحرر الإنسان)

يوسف بن الغياثية

2008 / 3 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ربما كان من الوثوقية أن نقول إننا في حاجة ماسة إلى إعادة تشكيل قيمنا، ومنا من ينادي بـ"التجديد"، أو "الإصلاح"، وكأنهما عملية ترقيعية. ذلك أن التباس المفاهيم على أصحابها وتشابكها بين المصدرية أو "الأسس الحقة" ؛ والمفاهيم المستوردة من قبيل [Reform]. و سيكون هدفنا في المقالات التي ستأتي، كما كان في السابقة، هو أننا نسبر أغوار المفاهيم التي يؤسسها القرءان، مستأنسين بالثانية، حيث لا نرى عقدة أن نأخذ بالثانية في إطار الأولى. فالمهم هو أن نتجنب الترقيع عند اتخاذ قرارات تهدف إلى إصلاح الوضع وتقويمه عن الاعوجاج الذي طال أمده، فقست معه القلوب.
ويكون من النتائج أن القطيعة مع الماضي الحضاري غير مجدية، وكذا اعتناق الطروحات الأجنبية، وكذا المزج بين الاثنين. فهذه الخيارات ليست مجدية لا لنا ولا لمن نجاور. ولقد أشرنا في مقال سابق إلى ضرورة المسارعة إلى "المصالحة مع الذات". وحفظ الذاكرة حفظا جيدا. وهو جهد ينبغي أن يعرف انخراط القوى الفاعلة كافة ؛ كل من موقعه لهدف مشترك هو إعلاء شأن المعرفة وتحويل العلم إلى ثقافة مجتمعية وفي ذلك رفعة لشأن الأمة وخصوصا ما تعلق بإعلاء شأن الفرد وحريته التامة غير الممنونة.
وللقيام بهذه المهمة الشاقة، وجب أن نجري نقدا ماسحا ومقارنا لتراثنا الفقهي وإراثنا الفكري في عملية رائدة شجاعة وبدون عُقـد. وذلك حتى نتحرر من العقل الفقهي الجاثم على الصدور والإبداع. ولينتبه أولئك الأكلة من القصاع أنهم أشد خطرا على الأمة من أعدائها الخارجيين. لأنه إن كان من أهدافهم – كما يدّعون بهتانا – محاربة التطرف، فإنا نقول لهم إن التطرف لا يحارب بالتطرف ولا يقاوَم بمحاصرة الفكر الحر في الزاوية.
بيْد أن المعاناة التي يعاني منها هؤلاء هي كونهم لا يعون خطورة فقدانهم لمبادرة النقد الذاتي، وفقدانهم شجاعة تسليم الأمر إلى أهله. ولا يدرون أين وصل التردي، ولا يعلمون كيف استفحل الوضع الفكري بسبب غياب الروح النقدية لدى الأمة عموما. ومن ثم، فقدوا كل مصداقية ؛ إذ نتساءل : كيف يوافقون على ما نقول في المجالس الخاصة، إلا أنهم يكونون أول من يحاصر الفكر النقدي ؟ ولا نرى لهم موقعا خيرا مما اختار لهم القرءان الكريم حين قال : "هُمُ اَلْعَدُوُّ، فَاحْذَرْهُمْ ! قَاتَلَهُمُ اَللهُ، أنَّـى يُوفَكُونَ." وقال فيهم : "وَإِذَا لَقُواْ اَلَّذِينَ ءَامَنُواْ، قَالُواْ : ءَامَنَّا. وَإِذَا خَلَوِاْ إِلَى شَيَطِينِهِمْ، قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ، إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ. اَللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ."
ونجزم بأن أمثال هؤلاء يعرقلون الإصلاح اللازم أكثر من أية فئة أخرى من فئات الضغط، فهم يخيطون للأمة المذهب والفتوى والقياس الذي لا يحيد عن إدامتهم لسلطتهم وقداستهم المستمدة من قداسة النص المؤسس نفسه. ما ندعوا إليه هو إشاعة الحوار وفرض الاحترام بكل الأشكال الحضارية واغتنام وسائل التواصل قطعا للطريق على أي تطرف، فالحرية الفردية مقدسة في القيم الإسلامية. لكن السؤال الذي يمكن أن نطرحه إلى أي حد يتشابه الفكر اليهودي والفكر الإسلامي في التسليم للعقل الفقهي والبقاء أسرى للاعقلانية في مقابل العقل المسيحي المتحرر من الفقه ؟ بمعنى آخر، هل إلى تحرر العقل الإسلامي من الفقه ومخيال الفتوى والقياس من سبيل ؟ فرأينا – بكل وضوح – هو أن العقل الفقهي ليس أهلا ليطلق نهضة مرجوة وآن له أن يتقاعد، بل عليه أن يعتذر إذ أصبح الإنسان المسلم أسيره وموجها في الصغيرة قبل الكبيرة واستحال إنسانا موجها مثل الإنسان الآلي بتحكم عن بعد. هذا، ولم يستفد العقل المسلم من كوارث العقل اليهودي الذي يعد هو الآخر أسير التلمود الفقهي الذي هيمن على النص التوراتي الذي يعد رسالة نور وهدى وبرهان. فألواح صغيرة تاهت وسط ركام الفقه والتأويل مما أهّل اليهود لأن يكونوا "كَمَثَلِ اَلحِْمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً، بِيسَ مَثَلُ اَلْقَوْمِ اِلَّذِينَ كَذَّبواْ بِئَايَتِ اِللهِ وَاللهُ لاَيَهْدِي اِلْقَوْمَ اَلظَّلِمِينَ." ومعهم المسلمون الذين تحولوا هم الآخرين إلى حمار يحمل أسفارا، ووصموا بالصفات اليهودية نفسها لأنهم لم يحملوا القرءان (الكتاب) كما أُمِروا، فكانوا سواء.
إن المصالحة مع الذات تبدأ بنقدها، وتبدأ بالتحرر من العقد الأساسية وهي التعالي الإيماني على غير من يحمل ديننا، أو فكرا غير الذي نحمل. إن التراث الإسلامي يزخر بلآلئ كما يزخر بمناطق مظلمة وجب الاعتراف بها دون تبرير، فالجرائم الحربية والعدوان وقع من قبل الفاتحين لكن وإن بدرجات أقل من جرائم فاتحين من حضارات أخرى من قبيل الرومان أو الأوروبيين في أمريكا القرن السادس عشر وما تلاه على سبيل المثال – لكن وبدون خجل وجب الاعتراف بما حدث إن أثبتته الوقائع التاريخية والحفريات. وليس في هذا تسليم ورقة إلى أعداء الأمة لكي ينالوا من دينها وتاريخها، بل، على العكس من ذلك، سيجعلنا نتحرر من عقد التاريخ شيئا فشيئا، كما سيسمح للآخرين باحترامنا أكثر وجعلنا شهداء على الناس كما تجب الشهادة. ومن ثم، فالمصالحة مع الذات تقتضي إسراعا في المبادرة واتخاذ المستقبل أملا وعقيدة بدلا من اتخاذ الماضي ذريعة للبقاء منطوين على ذواتنا، وإذا ما انفتحنا فلتغيير دين الآخرين بدلا من فهمه.
وأخيرا، إن ما نشهد من تردّ وتراجع وانحدار لم تشهده الأمة في تاريخها البعيد والقريب. إننا نشهد تفككا للمجتمعات العربية والإسلامية وانهيارا لدولها الواحدة تلو الأخرى. ولا ندري ما يكون بعد هذا الانهيار ولا الوجه الذي سيكون عليه الوضع العربي والإسلامي. فقد ألف الناس الاستعباد ولم يستسيغوا أن يكونوا أحرارا. فلم يكن لهم غير التيه بضعة عقود وأزمنة يتيهون في الأرض حتى يحملوا الكتاب بقوة، وحتى يتحرروا من وضع الحمار الذي يحمل أسفارا. علينا أن نعيد النظر في كل ما تلقيناه من معارف ومهارات. هو عمل جدي ورهان لا يستطيعه إلا من يملك إرادة قوية وله همّ الأمة أما من كان له همّ نفسه فقط فلا بشرى يمكن أن نزفها إلى أجيالنا القادمة إن استمر تفريخ البشر في منطقتنا العربية والإسلامية بشكل مضطرد كما هي الحال اليوم.
... يُتبَع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج