الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخجل طبيعته وهل يمكن مقاومته

جمال الشمري

2008 / 3 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة
لانجد شخصا سويا لم يختبر الخجل في حياته، فالخجل انفعال طبيعي في الإنسان وطاقة ينتجها الجسم لوظيفة حياتية هي الحفاظ على توازنه الداخلي وانسجامه مع الجماعة التي ينتمي اليها، والمعلوم ان البيئة الإجتماعية تشكل ظرفا اساسيا لديمومة حياة الفرد، وبما ان الإنسان كائن لا يستطيع العيش الا بين جماعة من بني جنسه لذا اصبح توافقه مع بيئته الإجتماعية شرطا لديمومته، وينشد الإنسان بدافع غريزي الإنسجام مع تلك البيئة الإجتماعية. نحاول في هذا المبحث توضيح طبيعة هذا الإنفعال وما هو دور العوامل الإجتماعية والثقافية والأخلاقية والعقائدية في تحديد معالمه واسلوب التعبيرعنه، وكان الدافع المباشر في الكتابة في هذا الموضوع هو الإجابة على اسئلة كثيرة وجهها لي احد الأصدقاء يطلب فيها تسليط الضوء على جوانب اساسية من هذا الإنفعال منها، هل الخجل صفة موروثة ام مكتسبة؟ ، وهل هو حالة مرضية ام حالة طبيعية؟ وان كان حالة مرضية هل يمكن علاجه ام لا؟ وبناء على هذه الأسئلة وغيرها سيتولى هذا المبحث شرح طبيعة الخجل، و يبين متى يكون الخجل انفعالا طبيعيا، ومتى يكون عرضا لإضطراب نفسي، وما هي وسيلة التعامل معه في الحالتين .

الخجل انفعال غريزي
الخجل هو واحد من الإنفعالات الطبيعية والغريزية في الإنسان مثل الخوف والحزن والإرتباك والغضب والمتعة والقلق الخ ، ويؤدي وظيفة ذات طابع خاص هي الحفاظ على نوع من التناسق والتناغم الداخلي للإنسان مع بيئته الإجتماعية والثقافية والأخلاقية والعقائدية .
للخجل ثلاثة مكونات مثل جميع الإنفعالات الاخرى وهي : الفكرة ، والشعور وما يرافقه من تغيرات بدنية وفسيولوجية ، والسلوك الذي ينتج بسبب الإنفعال ، وله بعدان، غريزي واجتماعي .
ولتوضيح الأمر اعلاه، فإن الخجل لا يحصل إلا عندما يكون الإنسان في موقف معين يدرك فيه ان سلوكه او موقفه هو خرق وتخطي وتجاوز لما هو مقبول اخلاقيا او ثقافيا او اجتماعيا او عقائديا في المجتمع الذي ينتمي اليه، وان سلوكه مرفوض من الأخرين ويجلب له الخزي والعار وشجب الأخرين وادانتهم . ويكون هذا الإدراك للموقف وما يترتب عليه سببا لحالة شعورية يختل فيها توازن الشخص الداخلي وترافقه اعراض بدنية وفسيولوجية ، فيحمر وجهه او يتورد، ويعض شفاهه او لسانه ، ويخفض نظراته، ويعمل على اخفاء عيونه، وتظهر عليه ابتسامة متكلفة ، وتململ عصبي ، وانزعاج واضح ، وشعور بالعجز والدونية . ويؤدي الإدراك للموقف المخجل والحالة الشعورية التي نتجت عنه الى انماط سلوكية يلجأ اليها الشخص عند الخجل وهي، الإبتعاد من نظرات الناس، والشعور بأنه مراقب من الأخرين، والإختفاء عن الأنظار والإعتزال، وعدم القدرة في الدفاع عن نفسه، وقد يصدر عنه سلوك عدواني تجاه الأخرين، او قد يقدم على الإنتحار.
وفيما يتعلق بالبعد الغريزي للخجل، يتمثل في كون هذا الإنفعال هو شكل من اشكال الطاقة، كما هو الحال في الإنفعالات الأخرى، ينتجها الجسم لمجابهة اي مؤثر خارجي قد يهدد الشخص او يفقد توازنه الداخلي، فعندما يخجل الشخص يدرك تماما انه حصل امر ما افقد توازنه الداخلي، وجعله غير منسجم مع جماعته التي ينتمي اليها، ويصبح الإنفعال وسيلة لإسترداد توازنه الداخلي وتصحيح الإختلال مع بيئته الإجتماعية، بذلك يؤدي الخجل وظيفة غريزية حيوية تتيح للإنسان التعايش مع الأخرين في بيئة اجتماعية محددة، والذي هو شرط لديمومة حياته ككائن اجتماعي . وهكذا فإن منشأ الخجل هو غريزي، ليس للإنسان قدرة على الغائه او استبعاده نهائيا، كما هو الحال في الأنفعالات الأخرى، ويصبح الخجل من خلال الخبرة الشخصية والممارسة المستمرة عنصرا من عناصر شخصية الفرد، وبغض النظر ان كانت شخصية سوية او شخصية مضطربة .
اما البعد الإجتماعي فيتمثل بمجموعة القيم الأخلاقية والإجتماعية والعقائدية وعناصر الثقافة بمفهومها الواسع للمجتمع الذي ينتمي اليه الفرد، وتشكل مجموعة القيم وعناصر الثقافة هذه بيئته الإجتماعية. وتصبح هذه البيئة بجميع مضامينها معايير يقارن بها سلوك الأفراد ومواقفهم للحكم عليها بالقبول الإجتماعي او بالرفض ، وبما ان الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع العيش خارج التكوين الإجتماعي لذا اصبح التناسق والتناغم مع تلك المعايير واحترامها شرطا لإستمرارية بقائه وانتمائه لمجتمعه . ولما كان ايضا لكل مجموعة انسانية طريقتها في الحياة لذا تعددت تبعا لذلك ثقافات الشعوب وعاداتها وقيمها وعقائدها واشكال التعايش الإجتماعي فيها. وهكذا عندما يقارن الشخص سلوكه او موقفه بتلك المعايير الإجتماعية والأخلاقية والعقائدية والثقافية يتبين له إن كان سلوكه صحيحا ام يسبب شجب الناس له او يجلب الخزي والعار له او قد تتسع دائرة الخزي والعار لتشمل ايضا افراد اسرته اوقبيلته كما هوالحال في المجتمعات العربية والإسلامية . يتعدى تأثير القيم الأخلاقية والإجتماعية والعقائدية والثقافية كونها معايير للحكم على سلوك الأفراد الى امراخر لايقل اهمية عنها، اذ تتحكم تلك القيم بأساليب التعبير عن الخجل، وقد نسمع من بعض الناس يتمنون الموت ولا الخجل المترتب على فضيحة ما، وفعلا قد يقدم بعض الأشخاص على الإنتحار هربا من الفضيحة، اويقدم على تغيير اماكن سكناهم هربا من سلوك مرفوض يجلب الخزي والعار لهم، اوقد يلازم الشخص منزله ولا يغادره خجلا وخلاصا من نظرات الأخرين .
تختلف الخبرات في التعبير عن الخجل من بيئة اجتماعية الى اخرى فعلى سبيل المثال ان الخبرة الإجتماعية واسلوب التنشئة والتربية في بيئة عربية واسلامية تحدد المواقف والسلوك التي تسبب الخجل وتحدد ايضا اسلوب التعبير عنه فما هو مخجل في بيئة عربية قد لا يكون مخجلا في بيئة اوربية وتختلف طريقة التعبير عن الخجل في كل منهما.
والخجل من حيث تكوينه هو انفعال مركب من: الخوف، والإرتباك، والشعور بالذنب، والشعور بالندم ، والإنحطاط، والإحتقار.
وعندما يخجل الإنسان يشعر بعذاب داخلي يلوم فيه نفسه عن سلوك صدر عنه او فكرة صدرت عنه ، وقد يخجل الإنسان عن سلوك اوموقف لم يكن هو مسؤولا عنه، بل صدر عن شخص اخر او مجموعة من الناس ينتمي اليهم، ومثال ذلك شعور جميع افراد الأسرة بالخجل نتيجة سلوك مخزي لأحد افرادها . والخجل شكل من اشكال العقاب الذاتي، يؤنب فيه الشخص ذاته ، ويتداخل الخجل مع الشعور بالذنب بقوة عندما يخرق الشخص قيمة اجتماعية او اخلاقية او دينية بسلوك او موقف مرفوض يثير انتقاد الأخرين له، ويأتي الخجل كرد طبيعي على ادانة الأخرين ورفضهم له . ان هذا الإختلال بين الرغبة الغريزية للإنسان في قبول الأخرين له والتعايش معهم وحقيقة رفضهم له ( وما يتضمنه الرفض من مضامين الإدانة والشجب والخزي والعار) هو السبب المباشر لأنفعال الخجل، وقد يشعر الشخص بالخجل بمجرد التفكير بالسلوك او الموقف المخجل، وحينئذ يصبح الخجل مانعا احترازيا يعيق الشخص من الإقدام على السلوك المشين، حفاظا على سمعته واحترامه بين الأخرين . وقد يحصل الخجل ايضا عندما يتضمن السلوك او الموقف دلالات خاطئة غير مقبولة اخلاقيا وتتدنى بموجبه تقدير الذات وقيمته بنظر الشخص نفسه حتى وان كان السلوك او الموقف لا يعرف به إلا الشخص نفسه .

الخجل عرض لإضطرابات نفسية
وقد يكون الخجل عرضا من اعراض بعض الإضطرابات النفسية والشخصية، حينئذ يكون الخجل انفعالا مؤلما عندما يعتقد المضطرب انه منبوذ وغير مقبول من الأخرين ، وتظهر هذه الحالة بصورة جلية في اضطراب الشخصية الإجتنابية Avoidant Personalty Disorder APD ، يعاني المضطرب من انماط سلوكية اضطرابية مثل الرهاب الإجتماعي، والخجل المبالغ فيه، والشعور بالدونية، والشعور بعدم المساواة مع الأخرين، والحساسية المفرطة نحو انتقادات الأخرين ورفضهم له ، ويكون الخجل احد الأسباب الرئيسية في الهروب من الأخرين، وتفضيل العزلة خلاصا من نظرات الأخرين وانتقاداتهم .
ويكون الخجل احد اعراض الشخصية الحدية Borderline Personality ، يتصف فيها المضطرب بميله الشديد الى ايذاء الذات، وميله للسلوك العدواني والإنتحاري والغضب، نتيجة شعوره بأن لاقيمة له ولا تقدير له، ويلازم الخجل هذا الشعور الإضطرابي .
يقترن الخجل ايضا بإضطراب القلق الإجتماعي او ما يسمى بالرهاب الإجتماعي ، الذي يعاني فيه المضطرب من قلق مرضي عند الإحتكاك بالناس، ويلعب الخجل دورا كبيرا في شدة هذا الإضطراب بسبب تخوف المضطرب من انتقاد الناس اليه، او ان ينظر اليه بإحتقار ودونية، او نظرة تقلل من قيمته الإجتماعية والشخصية .
ويكون الخجل ايضا عرضا من اعراض اضطرابات الأكل مثل اضطراب الشره المرضي ( بوليميا )، او اضطراب الإمتناع القسري عن الطعام ( انوريكسيا )، او اضطراب الإحساس بوجود عيب في قوام الجسم .
ويقترن الخجل ايضا بإضطراب الصدمة النفسية الناتجة عن حادث Post Traumatic Stress Disorder PTSD . يمنع الخجل في هذا الإضطراب من ان يكوّن المضطرب قيمة ذاتية ايجابية لنفسه، بل يؤدي الى ان يشعر المصاب بانه اقل قيمة، ويشعر احيانا انه سيئ اوشرير ، فمثلا يشعر الشخص الذي تعرض للإغتصاب ( وخاصة ان كان في مجتمع يفتقر الى ثقافة دعم إجتماعي لمن يتعرض لهذا النوع من الحوادث ) بخجل شديد يبعده من الإتصال بالناس ، ويعّقد الخجل عملية علاج المصاب بهذا الإضطراب .

ملاحظات ختامية
استنادا الى ماتقدم من توضيح لطبيعة الخجل في الحالة الطبيعية اوفي الحالات الإضطرابية، يمكننا تسجيل الملاحظات الأتية :
1- الخجل انفعال غريزي يؤدي وظيفة غريزية ، وهو انفعال لايستطيع الشخص الغائه او استبعاده في اللحظة التي يشعر فيها بالخجل، بغض النظر عن مدى ادراك الشخص للموقف المخجل، او مدى خبرته الشخصية في كيفية التعبير عنه، اي عندما يشعر الشخص ان الموقف مخجل فلا سلطان له على ايقاف هذا الإنفعال الغريزي .
2- تتباين كيفية التعبير عن الخجل من شخص الى اخر، ومن مجتمع الى اخر، استنادا الى مدى ادراك الموقف او السلوك المخجل، ومدى خبرة الشخص في التصرف في مواقف مخجلة سابقة .
3- ان كان الخجل عرضا من اعراض اضطراب نفسي فلا يمكن حينئذ منع حدوث الإنفعال مادام الإضطراب مستمرا ، وعلاج الشخص من الإنفعال يعتمد اساسا على علاجه من الإضطراب النفسي الذي يعاني منه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة