الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة المثقف بين السلف والخلف

سامي العباس

2008 / 3 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل تتطابق التخوم ؟
أبو حيان التوحيدي عينةٌ للمقارنة :
*"إن العلم يراد للعلم كما إن العمل يراد للنجاة فإذا كان العمل قاصرا عن العلم,, كان العلم ِكّلا على العاِلم, وأنا أعوذ بالله من علم عاد ِكّلا وأورث ذلا, وصار في رقبة صاحبه غلا(.... )ثم اعلم علمك الله الخير إن هذه الكتب حوت من أصناف العلم سره وعلانيته,, فأما ما كان سرا فلم أجد له من يتحلى بحقيقته راغبا وأما ما كان علانية فلم اصب من يحرص عليه طالبا,, على أني جمعت أكثرها للناس,, ولطلب المثالة منهم,, وتعقد الرياسة بينهم ولمد الجاه عندهم,, فحرمت ذلك كله, ولاشك في حسن ما اختاره الله لي, وناطه بناصيتي,, وربطه بأمري..."..هذا شيء مما كتبه أبو حيان التوحيدي للقاضي أبي سهل علي بن محمد ,عندما لامه على إحراقه كتبه ..لقد مرت على عصر أبي حيان –القرن الرابع الهجري – وعصرنا ألفية غير منقوصة ..وما زالت محنة التوحيدي تتفاقم بتفاقم أعباء المثقف المعاصر . واتساع رقعة تأثيره على المعضلات التي يطرحها تطور الاجتماع البشري ..قد تخفت المحنة إلى المستوى الذي تحدده تخوم الضمير عند المثقف الملتحق باستراتيجيات هذه النخبة الحاكمة أو تلك .لكن المحنة تتأوج عند مثقف العالم الثالث الراديكالي .. . في الحالة العربية , لوعاش أبو حيان أوضاع حفيده"المثقف العربي" الراهنة لصغرت في عينيه مصيبته..لم تواجه أبا حيان مشكلة الوعي بالتأخر, ولا ازدواجية الإحساس بالزمن التي تتفرع عنها ..والتي شخّصها عبد الله العروي** "بمرض المثقف الألماني" .
أفلت أبو حيان كما أفلت بعده بقرون المثقف الإنجليزي والمثقف الأمريكي من إشكالية الوعي بالتأخر . فلم تتضخم لديه الأ نا إلى المستوى المرضي الشائع في الأوساط الثقافية العالم ثالثية ..و أفلت أبو حيان من التورم الثقافي الذي يشبه الََحبَل الكاذب عند النساء وما يشيعه من إحساس بالرضا عن النفس يسد الشهية ويضعف الفضول المعرفي ..بقيت مشكلة أبي حيان خارجية , تتصل بموقف المجتمع الذي لا يعير ه اهتماما فكان رده أن أحرق كتبه انتقاما * "وكيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين سنة فما صح من أحدهم وداد؟ ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ, ولقد اضطررت بينهم بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء والى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة,, والى بيع الدين والمرؤة والى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق, والى مالا يحسن بالحر أن يرسمه بالقلم, ويطرح في قلب صاحبه الألم." لقد نبت على الإحساس بالتأخر الحس الرسالي..فراح المثقف يرى نفسه ضحية للمجتمع ومنقذه في آن واحد .ويعترف بمسألة التأخر ويهّون من شأنها.ويرفض التأخر ويمجد فيه الحفاظ على القيم الجوهرية للإنسانية .. من شرط الإحساس بالتأخر ولدت كما يقول العروي الأيدولوجيا الألمانية :بصبغتها المثالية ونزعتها التاريخانية ومنطقها الجدلي .ومن المركز إلى المحيط الذي يفتح عينيه تباعا على الوعي بالتأخر : بدءاً من روسيا القرن التاسع عشر ,تشكل الميدان المفتوح للتنافس بين أيديولوجيتين للتغيير , نبتتا في شمال أوربا العجوز:الليبرالية وريثة عصر الأنوار, والماركسية وريثة الأيدولوجيا الألمانية .. وفي ميدان السباق هذا تكرر المشهد :
ينفتح الطريق أولا للماركسية بصيغها المبطنة أو الصريحة ." اشتراكيات قومية ..و وطنية أو الشيوعية ". وبمقدار ما تتراكم شروط الخروج من التخلف ,يتقلص الإحساس بالتأخر ,وتتقلص المسافة بين الأيديولوجيتين المتنافستين. وتتراكم حظوظ السبق الليبرالي .. في الحالة العربية. قد يفسر هذا استعصاء التنوير نظرا لإرتطا مه "أي التنوير"بإشكالية لم يجربها..أقصد "الوعي بالتأخر " أو بما يسمى "التاريخ المعاق" .
وبغض النظر عن القطيعة المعرفية التي أجرتها الماركسية مع الأيديولوجية الألمانية- والمختلف حول حجمها - إلا أن من الواضح الآن, أن ما تمتعت به الماركسية من جاذبية في عين مثقف العالم الثالث, كانت بفضل تكرّر الشروط التي إستولدتها,والتي يعاد تأويلها " أيديولوجياً " في كل بلد يستيقظ على الفروق التي تفصله عن غيره, ولا يقنع بالدور المفروض عليه في عالم اليوم, لأنه يفتخر بماضيه, فيتشكل من هذا الكوكتيل ما يسميه "هاينة " البؤس الروحي ..أين بؤس أبي حيان التوحيدي من هذا البؤس المركب ؟..

*-الصداقة والصديق –ابوحيان التوحيدي

**العرب والفكر التاريخي – عبدالله العروي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا