الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الأصنام في المجتمعات المقهورة

صاحب الربيعي

2008 / 3 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حين يتعرض المجتمع إلى موجات متتالية من العنف والاضطهاد وتفشل مساعيه المتكررة للتخلص من مسببات الاضطهداد يلجأ الى البحث عن القائد المنقذ. هذا القائد (الصنم) يبرز من صفوفه فينجز عملاً ما فيه شيء من البطولة أو السحر أو الغرابة عجز الآخرون عن إنجازه فينصب بطلاً (صنماً) تطيعه الجماعة وتضفي عليه صفات وسمات غير حقيقية.
وتختلق القصص والأحاديث والمعجزات عنه، لوضعه في منزلة أعلى من منزلتها لتعلق آمالها عليه في الخلاص من واقعها المزري وحياتها المستباحة. فإن تمكن هذا القائد من أشباع عواطفها بالوعود والشعارات الكاذبة لن تستبدله الجماعة بصنم آخر، وفي حال فشله في حقن وجدانها بالتبريرات لعدم تحقيق وعوده تعمد الجماعة على إزاحته أو التأمر عليه أو قتله (هدم الصنم) لتخلق صنماً آخراً يحقق رواسبها الوجدانية.
يقول ((محمد زيعور))"إن البطل الشعبي هو أبن الجماعة، يخرج من أكثر فئاتها تواضعاً وغُبناً، نشأته يحيط بها الغموض وكأنه يخرج من ضميرها أو كأن الجماعة بأكملها هي الأم التي أنجبته. وهو يبرز ليقوم بوظيفة محددة هي الدفاع عن الجماعة المهددة أو المستباحة وبالتحديد عن أضعف الفئات فيها فهو إذاً أملها في الخلاص".
إن عجزت الجماعة عن خلق صنمها (بطلها) الشعبي بشكل عفوي في منطقة جغرافية ما، تلجأ إلى الانتماء إلى منطقة جغرافية أخرى نجحت في خلق بطلها لتقدم الولاء والطاعة إليه، فكلما كانت المظالم كبيرة ومتشابكة وقسرية تطال الجماعات المتضامنة وذات الصلات القرابية أو العشائرية أو الدينية كلما زادت أهمية الجماعة (الجماعات) في المجتمع. وحين تشحن الجماعة المستباحة بأفكار وآراء مضادة للطغمة الظالمة يزداد استعدادها للتضحية بغرض الانتقام ورد المظالم عنها.
في أغلب الأحيان تعمد نخب الجماعات الظالمة والمظلومة لشحن وجدان أفرادها بآراء وأفكار مضادة، تسعر مشاعر الخوف والتهديد المتواصل لإبقاء حالة الصراع قائمة ومستعرة لتحقيق مصالحها، حيث تعمد الجماعة الظالمة على اتباع المزيد من آساليب العنف والاضطهاد لقسر الجماعات المضطهدة على الانصياع، مما يدفع الأخيرة على اتباع آساليب مضادة لمقاومة الظلم والاضطهاد وشحن النفوس بالاضافة إلى التنظيم السري لتحقيق حلمها في الانتقام والتشفي لإنهاء مظالمها.
وفي مراحل متقدمة من هذا الصراع بين الفئات الظالمة والمظلومة تنطمر مسببات الصراع الرئيسية، حيث يسعى كل طرف لإقحام مسببات أخرى لتأجيج الصراع. فقد تسعى السلطة الظالمة لإقحام عشائرها أو طائفتها في الصراع السياسي لحشد المزيد من القوى ضد الفئة المظلومة التي تسعى هي الأخرى لاعتماد ذات الأساليب لتأجيج الصراع.
وبذلك تختفي الأسباب السياسية الحقيقة للصراع على السلطة لتبرز الأسباب والدوافع غير الحقيقة القادرة على حشد المؤيدين من كلا معادلة الصراع، أي أن القائد (الصنم) الذي يبرز في الجماعة الظالمة والجماعة المظلومة لم يعد يمثل كياناً سياسياً يسعى للاحتفاظ أو الاستيلاء على السلطة وإنما زعيماً (صنماً) لطائفة عشائرية أو دينية يُهمها بالدفاع عنها.
يعتبر ((محمد زيعور))"أن الشخص الذي يقوم برئاسة حزب أو طائفة ليس قائداً فعلياً للجماعة، وإنما هي قيادة منبثقة عن شكل من أشكال التنظيم أي أنه القائد المفروض على الجماعة والذي يعد زعيماً لها"
عند هذا المستوى من الصراع تفرض كلا الفئتين المتصارعيتن مواصفات وسمات خاصة على القائد (الزعيم، الصنم للعشيرة أو الطائفة) فالفئة الظالمة تفرض على زعيمها أن يكون حازماً، عنيفاً، فاشياً، عديم الرحمة، قاسياً...للحفاظ على امتيازاتها على صعيد السلطة أو المجتمع. وبالمقابل فالفئة المظلومة تفرض على زعيها العشائري أو الطائفي أن يكون حازماً، ذات شخصية قوية وجذابة، ووزن إجتماعي، وخصال حميدة، ومتواضعاً ليعبر عن شخصيتها المظلومة.
وهذه السمات الجديدة التي تفرضها كلا الفئتين على زعيمها أو صنمها الجديد تزيد من حدة الصراع الدموي ليتخذ شكلاً من أشكال صراع الوجود وفرض الإرادة على الفئة الأخرى. حينها قد تقلب معادلة الصراع لتصبح الفئة المظلومة، ظالمة وساعية الى الانتقام والتشفي بتوجيه وشحن مستمر من نخبها وبالمقابل تسعى الفئة المضادة للعب دور الفئة المظلومة وتكون مهيئة لشحن مضاد من نخبها بدافع استعادة السلطة. لتتكشف حقيقة ومسببات الصراع على السلطة وتسقط المسببات المزيفة التي اعتمدتها كلا الفئتين في صراعها، ويكون الخاسر الأكبر المجتمع الذي زيف صراعه وقسم إلى فئات وجماعات أثنية وعرقية وعشائرية لتحقيق مصالح نخب متصارعة على السلطة.
وفي مراحل متقدمة من الصراع الدموي وتحديداً حين تتعاظم الخسائر والكوارث التي تعصف بالمجتمع ينتاب المجتمع حالة من الصحوة تجعله ينبذ قياداته وأصنامه، ويعمد للبحث عن نخب جديدة، نخب متعقلة تعيد الصلات والوشائج بين فئات المجتمع وتكشف زيف الوافع وأجندة نخبها المتصارعة على السلطة.
وهذا الاصطفاف الجديد أما أن يؤدي لهدم أصنام الشر وانبثاق نخبة وطنية جديدة، تعمد على تضميد الجراح وإعادة اللحمة الوطنية وتحقيق السلم الاجتماعي، وإما البحث في السطورة عن قائد (منقذ، صنم) يأتي من غياهب التاريخ ليفرض على الجميع نظم العدالة والمساواة ولحين ظهوره يستمر الصراع الدموي بين الفئات المتصارعة لصالح نخبها الصنمية لتحقيق الأجندة الخفية، وبالمقابل تدفع الفئات الجاهلة والمُغيبة عن حقيقة الصراع الثمن باهضاً وحين تصاب كافة الأطراف بالوهن تصبح سهلة الانقياد من أصنامها المرتبطة بأجندة خارجية فيقسم الوطن إلى أوطان بحجة إنهاء حالة الاقتتال وفرض السلم الاجتماعي، فجميع الأطراف المنهكة حينها تكون مهيئة نفسياً لقبول حل التقسيم المخطط له خارجياً.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم