الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانيون و الإسلاميون: قوة الحق و قوة العدد

أحمد عصيد

2008 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتناقض مواقف الإسلاميين بين اعتبار العلمانيين شرذمة من الشواذ المعزولين عن المجتمع و الذين لا تأثير لهم، وبين اعتبارهم خطرا داهما و الدعوة إلى مواجهتهم و تـأليب السلطة و العامة عليهم بالأساليب ذاتها التي سادت في المجتمعات القديمة.
و الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها هي أن هذا الإرتباك يعكس خللا جوهريا في أطروحة الإسلاميين يتمثل في وعيهم المضمر بتناقض مساعيهم مع اتجاه التاريخ و الواقع، فرغم كل الحشود التي يوفقون في استغفالها و تهييجها بمداعبة الوجدان الجماعي و سيكولوجية الجمهور التي تعطّل العقل الفردي و ملكة النقد، فإنهم يشعرون في قرارة أنفسهم بأنّ شروط إقامة دولتهم و مجتمعهم ـ أو بالأحرى استعادة دولتهم و مجتمعهم القديمين ـ غير متوفّرة، بل بالعكس، ففي عمق الواقع و ما وراء المظاهر الخارجية الخادعة تحدث أشياء تدفع بسيرورة التحديث نحو الأمام بشكل حتمي تتحكّم فيه موازين قوى تتجاوز الإطار الوطني أو الإقليمي، و هذا ما يفسر المفارقة التي تجعل أن الإسلاميين هم القوى السياسية الأولى في عدد من المجتمعات ، دون أن يوفقوا رغم ذلك في الوصول إلى أهدافهم.
يبرز هذا بأن العبرة ليست بقوة العدد و إنما بعدالة القضية، فالحركة الأمازيغية التي هي علمانية الطابع كانت تقريبا حركة نخبوية، و لم تكن قط حركة للتهييج و الشعبوية، غير أنها استطاعت بفضل قوة خطابها و وجاهة مطالبها أن تفرض مفاهيمها على جحافل الإسلاميين و القوميين العرب من اليمين و اليسار، بل نجحت في أن تجعل من عدد من مفاهيمها و شعاراتها نصوصا رسمية تجسدت في الخطب الملكية و المذكرات الوزارية و عدد من القوانين، كمثل مفاهيم "التنوع الثقافي" و "التعدد اللغوي" و "الحق في الإختلاف" و "الخصوصية الثقافية" و " الأمازيغية مسؤولية وطنية" إلخ.. في الوقت الذي فشل فيه الإسلاميون في إقحام عدد من مصطلحاتهم و توجهاتهم السلفية إلى الوثائق الرسمية، بل حدث العكس تماما إذ تطال التعديلات العديد من النصوص ـ رغم مقاومة قوى التقليد ـ لصالح الطرح الحداثي و الديمقراطي كما حدث في تعديل مدونة الأسرة و تعديل بعض الكتب المدرسية.
من جهة أخرى يعتقد الإسلاميون أنّ عودة التدين هو من مظاهر نجاحهم، و هو تقدير خاطئ، لأن الأمر في الواقع يتعلّق بظاهرة عالمية، لكنها لا تمثل بالضرورة العودة إلى نماذج مجتمعية سابقة، إذ من المستحيل العودة إلى الوراء، فالتديّن الجديد يأتي في سياق يطبعه انتشار الحقوق و الحريات أكثر من السابق، و تطوّر الحضارة الإنسانية و مراكمتها لمكاسب لا رجعة فيها، و كمثال على ذلك ظاهرة ما يسمى بــ "الحجاب" أو غطاء الرأس الذي انتشر في السنوات الأخيرة بشكل ملموس، فهذا الصنف من اللباس الذي أصبح نوعا من الموضة التي لا علاقة لها بالتدين في معظم الحالات، لم يكن له في المغرب أي تأثير سلبي على تطور وضعية المرأة نحو النموذج الحداثي، فنشاط المرأة و عملها و شخصيتها في المجتمع و القوانين المحدّدة لوضعيتها تتطور جميعها في اتجاه أفضل مما كانت عليه رغم استمرار بعض قوانين الميز التي تظلّ موضع إدانة دائمة إلى أن تزول، كما أن السلوكات و العلاقات بين الجنسين مستمرّة في التطور في اتجاه مزيد من الإنفتاح، فقد أصبحنا نرى اليوم فتيات محجبات داخل الملهى الليلي ترقصن كغيرهن، و كذا في المهرجانات الموسيقية، كما نشاهد الذكور و الإناث في مواقف غرامية في الحدائق و الأماكن العمومية، و فيهن المحجّبات و المسفرات على السواء، مما يعني أن وضع غطاء الرأس لا يعني بالضرورة تكريس ممارسات أو سلوكات تيار ديني معين، بل إنني فوجئت مؤخرا بعد زيارة إحدى المناطق القروية بجنوب المغرب بتفشّي العلاقات الجنسية بين الفتيان و الفتيات بشكل لم يكن له نظير من قبل، هذا مع العلم أن معظم الفتيات أصبحن يضعن غطاء الرأس بالطريقة الوهابية المعروفة، بعد أن كنّ قبل سنوات قليلة يرسلن شعرهن وراء ظهورهن في ضفائر طويلة، و لم يكن يسود وقتذاك إلا العلاقات العذرية و كلام الغزل الرقيق.
إن هذا الأمر لممّا ينبغي التفكير فيه، فمع كل خطوة يحققها "الحجاب" تزداد العلاقات انفتاحا مما يكذب التوقعات السطحية للإسلاميين، و يظهر بالملموس بأن مجتمعنا، إضافة إلى تطور الجانب الحقوقي بشكل إيجابي، سائر في اتجاه مزيد من الإنفتاح تحت قناع المحافظة و التديّن السطحيين، و هذا أمر ذو عواقب لأنه يتم في غياب التربية العقلانية السليمة و المطلوبة، كما أنه يخلق هوة بين اتجاه تطور الواقع و اتجاه الوعي العام السائد في المجتمع مما يؤدّي إلى شيوع المواقف و السلوكات السكيزوفرينية التي يطبعا النفاق و التصنّع.
يتضح من هذا أنّ أخلاق الإنفتاح التي يدافع عنها العلمانيون في إطار الحريات الفردية، و كذا نموذج العلاقات التي يطمحون إلى إشاعتها لا تعني الإنحلال الأخلاقي أو التقليد الأعمى للغرب، بل تعني قبل كل شيء التربية على أساس الحرية و المسؤولية، و اعتمادا على قيم النسبية و العقلانية و احترام الآخر، و التمييز في الأفعال بين الخير و الشر وفق معايير إنسانية انطلاقا مما بلغته البشرية اليوم من تطور في الوعي و السلوك و القيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري