الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعامل مع التراث ومتغيرات الواقع

علي قاسم مهدي

2008 / 3 / 30
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


للتراث تأثير واسعا لامتلاكه عوامل ومقومات، شكلت مساحة واسعة ومهمة داخل بنية الفكر الإنساني ، ومنها المعارف العقلية ،التي مصدرها الحس والتجربة ، معتمدة أساسا على الخبرة الفردية والاجتماعية، ومعارف نفسانية كما يصنفها الكثير، مصدرها الوحي الذي يلقى في صنف خاص من البشر تعتريهم حالة إلهية خارجة من منازع البشر وأحوالهم فتغلب الوجهة الربانية فيهم على البشرية في القوى الادراكية والنزوعية والغضبية وسائر الأحوال البدنية وهم الأنبياء والرسل. إضافة إلى معارف المتصوفة ومعارف الكهان والمعارف الناتجة عن الرؤيا الصحيحة ، إضافة على ما يحتوي من سلوكيات وحوادث تاريخية ارتبطت بحياة رجالاته . كلها مجتمعة تعطينا الصورة النهائية لمجمل ما يقع تحت مسمى التراث .ومما لاشك فيه أن المحتوى- علوم ومعارف وشخصيات - الذي يمتلكه التراث ضخم جدا، وواسع وهذا لا يختلف عليه اثنان،فما لدينا من نصوص كافية إذا ما تناولناها على أنها وسيلة وليست غاية، لتمكنا من تجاوز الكثير من معرقلات واقعنا ، وان نحل أزماتنا حلا يوافق ويتوازى مع القدرات المعرفية الكامنة في تراثنا ، لكن الذي حصل وما زال يحصل هو أن تعاملنا مع ما نملك، جاء استعمال معرفيا لا استعمالا وظيفيا . فنحن ولليوم ننتمي إلى إشكاليات غير مباشرة، حيث نروم إيجاد حلول لإشكاليات أسلافنا، وحري بنا توظيف تفكيرهم في استلهام الحلول لاشكالياتنا . وما زال تعاملنا مع التراث يأخذ صفة المقدس على أساس امتداده امتداد للدين على الرغم من ضعف ذلك لان الفلسفات الإسلامية،
((ابتداء من القرن الخامس الهجري استعانة بالمنطق الارسطي . وما محاولة الفلسفة التوافق بينها وبين الدين إلا لتقدم لنا صورة لحاجة المسلمون في ترجمة بعض العلوم والمعارف التي احتاجوا إليها في حياتهم العملية والدينية كالفلك والكيمياء ، ثم ترجموا المنطق للاستعانة به في مجادلاتهم الكلامية،فقادهم ذلك إلى الفلسفة الإلهية والطبيعية والسياسية وبما أنهم وجدوا أنفسهم أمام فكر يتعارض في كثير من قضاياه الأساسية مع الإسلام ، فلقد لجأوا إلى التوفيق وقد ساعدهم على ذلك الشروح والكتب المنحولة التي كتبت في العصر الهيلينيستي والتي ألبست الفلسفة اليونانية الأصيلة رداء الافلاطونية الحديثة المشبعة بالفكر الشرقي الذي يعتبر الفكر الديني الإسلامي جزاءا منه أو امتدادا له)) مصدر ( نحن والتراث- محمد عابد الجابري )،
وحتى لا نقع في أخطاء فهم التراث وتفسيره تفسيرات غير منطقية قاصرة لا توافق الواقع،ونأخذ منه ما يلاءم المزاج والأنانية ،يجب فهمه على انه جزء من تكوين الأمة الحضاري ،ومنجزا من منجزات امتدادها الحيوي الفكري، ويشكل منطلق يحقق إبعاد راقية يمكن الاستفادة منه في بلورة رؤاها اتجاه واقعها ومستقبلها..وخلاف لهذا الفهم لا يمكن لنا تخطي حدود واقعنا المقيد بأوهام الماضي المنصبة على رؤوسنا بسبب تعطيل قدرات الوعي على النمو. لقد أصبح التراث في بعض ما فسر به وبالا على مجتمعاتنا. والكل يعيش تحت رحمة التأويل الخاطىء والفهم القاصر لمضامينه . وبات اخذ الملائم منه انحراف وكفر وفق أفكار رسخها جمود وقصور بعض العقليات الرجعية السلفية وغيرها. مستفيدة منه في تغيير وتعطيل سبل الحياة، مغلقة ومانعة الحق على من يخالفها أو يختلف معها في ما تفرضه من تفسيرات قسرية من أن يتمتع مثلها بالحرية في فهمه وقراءته من منطلق واقعي يحدده ويمليه التوافق مع ما يدور من صراح حضاري. وهذه مشكلة تعاني مجتمعاتنا بسببها الويل والتهميش والإقصاء ، وستبقى دون حل مادام أسلوب تفكيرنا يدور بمساحات ضيقة،خضوعا إلى سلطة المتخلف والمتعصب المحتكر للتراث بجهلة،إن إضافة مساحة جديدة من التفكير بمعطيات عقلية وبدماء جديدة تحرك وعي المجتمع نحو الانعتاق والتحرر من مسلمات خاطئة خضع لها منذ فترة طويلة. وإذا أردنا أن نتحرر من جمود وعينا علينا الانشغال به(أي التراث) أكثر من غيره وإحيائه واستثماره في إطار قراءة واعية كي نستلهم من محاوره الرئيسية المتعلقة بنظام إقامة علاقات بالحضارات الأخرى قراءات تخدم مجتمعاتنا وتنمي لديها القدرة على الإبداع ومواصلة رقيها وتطورها الحضاري، وان مثل تلك التحديات يتطلب عملية اختراق جديدة للتعامل مع التراث وقراءته قراءة أيديولوجية واعية. ستكون الرافد المعنوي والمادي على تصحيح علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية