الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات الضبط والسيطرة في المجتمع

صاحب الربيعي

2008 / 4 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الرواسب الغريزية السيئة في ذات الإنسان تطغى في ظروف محددة على سلوكه وممارساته في المجتمع، فتسيطر ذات الإنسان الفطري على ذات الإنسان الاجتماعي فيختل السلوك عن أحكام المجتمع.
ونقص التربية من وجهة نظر علم الاجتماع تعني عدم حصول الإنسان الفطري على التوجيهات اللازمة والصحيحة لتحوله من إنسان فطري إلى إنسان اجتماعي يصلح للعيش والتعاطي مع اقرانه من البشر الاجتماعيين، بما لايخل بالنظام الاجتماعي العام.
إذاً خروج الفرد الاجتماعي على قيم المجتمع في ظروف محددة يعني ارتداده الى طبيعته الغريزية كأنسان فطري لايصلح للعيش في المجتمع. فعند قيام الأسرة في حقن قيم وعادات وتقاليد المجتمع في ذهنية أبناءها وتحت يافطة التربية تعني ترويض أبناءها الفطرين على العيش في المجتمع.
لكن هذه التربية الأسرية تبقى غير كافية (وناقصة) كونها لاتلم بكافة متطلبات التربية الاجتماعية، حينها أما أن يكتسب الفرد من خلال حراكه الاجتماعي قيم وسلوكيات جديدة يضيفها إلى تربيته ليكون مقبولاً اجتماعياً. وأما أن تعمد الدولة من خلال أجهزتها التعليمية و الثقافية على إعادة تربية الإنسان الفطري أو الذي يعاني من نقص في تربيته الأسرية والمكتسبة (تحديث تربيته) عن طريق غرس مبادئ وقيم التربية الصحيحة في ذهنيته ليكون إنساناً اجتماعياً وابناً صالحاً للدولة.
يقول ((روسو))"إن على الدولة تربية وتنشئة الإنسان وفقاً لقيمها الأساسية (ثقافية أم دينية) لإعادة تشكيل الطبيعة البشرية للمحافظة على السلم الاجتماعي".
ليس لجميع الكائنات البشرية نفس آلية الاستيعاب لصنوف التربية الاجتماعية سواء الأسرية أو الاجتماعية المكتسبة أو تربية الدولة، لذلك تتصرف بعض الكائنات البشرية بسلوكيات متعارضة مع قيم المجتمع فيتعرض السلم الاجتماعي للخطر.
يفترض بالدولة أن تتوفر على أجهزة الضبط والسيطرة في المجتمع (أجهزة قمعية وعنفية) لردع الممارسات والسلوكيات الشاذة للكائنات الفطرية ناقصة التربية وغير المنسجمة مع قيم وسلوكيات المجتمع. وبغية عدم خروج أجهزة الضبط والسيطرة للدولة عن مهامها المفترضة لتلحق الأذى بالكائنات البشرية السوية في المجتمع، أُطرت أفعالها ومماراساتها بأحكام القانون لتكون أجهزة منضبطة للدولة وليست أجهزة قمعية بيد السلطة ضد السكان الآمنين.
لكن حين يكون الجزء الأكبر من أفراد المجتمع ناقص التربية ولاينسجم سلوكهم وأفعالهم مع قيم المجتمع المتحضر فإن العيب لايكمن في المجتمع وتربيته وإنما تصبح الدولة ناقصة التربية لأنها فشلت في برامجها التربوية فسادت الفوضى وزادت الممارسات والسلوكيات غير السوية بين أفرد المجتمع وتخلخل السلم الاجتماعي.
وتعد هكذا دولة وفقاً لمعايير الدول الحديثة دولة فاشلة لأنها لاتمتلك أجهزة ضبط وسيطرة لحماية المجتمع وتعاني من نقص تربيتها أي أنها غير مؤهلة للقيام بدور الأب والراعي والمربي والحامي للمجتمع.
يرى ((سان سيمون))"أن تربية الناس وتعليمهم مجموعة من القيم الأساسية التي ينبغي الالتزام بها، هي أحد عوامل الضبط الاجتماعي".
إن استخدام العنف المفرط ضد السكان المدنيين يؤشر لحالة انحدار الدولة لتصبح دولة ارهابية تمارس العنف والاضطهاد ضد سكانها بحجة حفظ النظام وتحقيق السلم الاجتماعي. وهذا الأمر يتعارض مع أحكام التشريعات القانونية التي تقيد حالات استخدام العنف الشرعي ضد السكان للحفاظ على النظام.
لأن ماتطلبه الدولة من مواطنيها لاينسجم مع مساعيها في تربية الإنسان ليكون مواطناً صالحاً مع توجهاتها، فالخلل ليس في المواطن وإنما في ماهية الدولة أو في ممارسات السلطة غير الشرعية. فردود الفعل عن استخدام العنف المفرط ضد السكان له آثار سلبية جداً على استقرار وأمن المجتمع.
يعتقد ((دوركيم))"أن الضمير الجمعي يبقى له قوته مادام لايسمح بالتناقضات، وحين تضعف أجهزة الضبط الاجتماعي فإن أنماط السلوك السوي تتراجع. فأحترام النظام يتوقف على تأسيس الحق الذي يمنح المواطن الآمان والاستقرار".
إن الدولة الناجحة هي الدولة التي تتوفر على أجهزة ضبط وسيطرة قوية للحفاظ على السلم الاجتماعي على شرط وجود تشريعات قانونية فعالة تحكم آليات عملها. فإستخدام العنف الشرعي لضبط سلوكيات وممارسات الكائنات الشاذة الساعية للعبث في النظام وإشاعة الفوضى في المجتمع يعد ضرورياً. لكن حين يتعدى العنف حدوده الشرعية ليصبح عنفاً مفرطاً يطال السكان دون استثناء يستوجب محاسبة ومساءلة القائمين على الأجهزة القمعية.
إن استخدام العنف الشرعي لأجهزة الضبط والسيطرة للمجتمع يتوقف على: مسوغ قانوني، وتحديد الجهة المسؤولة عن إشاعة الفوضى وتعريض السلم الاجتماعي للخطر لمعاقبتها. فليس بالضرورة أن يكون دائماً المجتمع على خطأ وإجراءات السلطة العنفية صحيحة.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم