الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا دعوة جدية لاسلمة الحياة السياسية

عماد صلاح الدين

2008 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ فترة ليست بالقصيرة يشغلني في الصراع العربي الإسرائيلي وارتباطاته الإقليمية والدولية الموضوع السوري تحديدا . والموضوع السوري المقصود به في العمق والجوهر هو ذلك الشق المتعلق بمرجعية التحرك استراتيجيا وسياسيا وعسكريا من قبل النظام السياسي الرسمي السوري الذي يتزعمه اليوم الرئيس بشار الأسد . والمرجعية هنا هي الايدولوجيا أو الفلسفة الفكرية العقدية للنظام ، ومعروف أن النظام السوري إنما يتحرك ككل في سياق الفكرة البعثية القائمة على مزيج من الاشتراكية والقومية العربية ، وهي في سياق الحزب الناظم لها تتبنى المبدأ العلماني الذي تتعامل به جميع دساتير العالم الغربي والمنادي بالدين لله والوطن للجميع استنادا للمفكر الليبرالي البراغماتي الأميركي جون ديوي حيث نادى بعدم تغليب احد الأديان على دين آخر في مجال السياسة العامة ، وان تكون الأديان مصدر تشريع للطبقة السياسية من خلال المجالس التشريعية والتنفيذية.

ويعود سبب انشغالي وخوفي فيما يتعلق بالجانب السوري من مجمل الصراع العربي الإسرائيلي ، هو أن سوريا جزء من محور المقاومة والممانعة في المنطقة العربية الإسلامية ، وكل أطراف هذا المحور من إيران حتى حماس تتبنى الإسلام فلسفة ومرجعية في سياق الصراع مع إسرائيل والقوى الداعمه لها باستثناء النظام الرسمي السوري ، مع انه يعتبر ركن أساس ومهم جدا في تركيبة وبنية المحور المقاوم والممانع بشكل عام . ومعروف بالتجربة والبرهان الناصع أن المنطقة العربية الإسلامية كتب عليها إلهيا ودينيا وفي سياق فلسفة التكليف الرباني لها بكونها تحمل خاتمة الرسالات العالمية وهي شرعة الإسلام ، أن لا انتصار ولا تقدم حقيقي في مناحي الحياة عموما إلا بالإسلام ، وتاريخ المنطقة القريب والبعيد يشهد على ذلك بوضوح .

سوريا وأطراف أخرى في محور المقاومة والممانعة على أبواب حرب إقليمية شاملة وحتمية في سياق الصراع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة ، سجل حزب الله وحماس والجمهورية الإيرانية الإسلامية نقاطا مهمة في سياق الصراع مع التحالف الأمريكي الصهيوني ، وهي نقاط في الانتصار الاستراتيجي والتكتيكي لم تشهده المنطقة في صراعات نظم وحركات مقاومة عربية أخرى لم تتخذ الإسلام خيارا ومرجعية لا مستوى الروح والفلسفة ولا على مستوى التشريع والنظام ، ولذلك فاني أرى أن سوريا في أية مواجهة إقليمية قادمة وضمن فلسفة النظام وتوجهاته البعثية الحالية لا يمكن أن تحقق انتصار أو تقدم على صعيد الحرب المتحركة من جهته ، بمعنى محاولة الحسم البري لتحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي ، لان عملية الحسم البري في هذه الحالة تحتاج إلى عقيدة إيمانية وروحية منبعها ومصدرها إسلامي في إطار الفهم العام الفلسفي التكليفي للمنطقة العربية تحديدا الإسلامية عموما، حتى وان كان لدى السوريين إمكانيات عسكرية وتقنية متطورة على صعيد الدفاع الجوي المحكم وعلى صعيد القدرة على توجيه ضربات صاروخية للعمق الإسرائيلي . السلاح والقوة العسكرية المتطورة مطلوبة ، لكن في هذه المنطقة وبحكم التجربة تبين أنها ليست الحاسمة في المعركة مع الأعداء ، والمفارقة الصارخة بين مشهدي حرب حزيران 67 وحرب تموز 2006 بالنسبة للعرب وإسرائيل واضحة وليست بحاجة إلى تدليل بالتفصيل . من الممكن للنظام السوري في سياق الإحاطة والرعاية الداعمة له من قبل قوى المقاومة والممانعة الأخرى التي تتخذ الإسلام مرجعية كلية للتحرك الكلي أن يخرج بنتيجة صمود في المواجهة القادمة ، أي ليس رابحا ولا خاسرا في الآن نفسه ، أما فوق ذلك ، فلا ، واقل من ذلك فممكن . وهذا ما أخشاه بكل صراحة وموضوعية أيضا .

قبل أكثر من أسبوع على كتابة هذا المقال وجه لي الصحفي الأردني عادل محمود من موقع العرب اليوم الالكتروني دعوة صحفية إلكترونية لمحاورة الدكتور عماد شعيبي رئيس مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية في دمشق وهو بالمناسبة رجل الإعلام الأول في النظام السوري ، وذلك عبر زاوية ضيف تحت المجهر حيث هو مخصص للنقاش والتحاور بين المواطن والمسئول وبين المثقف والقارئ ، ومن خلال رد الدكتور عماد شعيبي على سؤالي الذي وجهته إليه ، ازدادت قناعتي بحقيقة الخوف والهم الذي احمله تجاه مآل الوضع في سوريا تحت قيادة النظام ألبعثي الحاكم في أية مواجهة ستضرب أطنابها في المنطقة . واليكم السؤال الذي طرحته عليه ،وجواب الدكتور شعيبي عليه أيضا .

السؤال كان : عماد صلاح الدين – كاتب فلسطيني
في مجمل النظر إلى محور المقاومة والممانعة والصمود، فان المرء ينظر بأمل وتفاؤل باتجاه تحقيق التقدم والانجاز لصالح الأمة العربية والإسلامية في وجه السياسة والغطرسة الأمريكية الصهيونية ، ولكن لست أخفيك خوفي على سورية من الإخفاق أو التراجع كجزء من هذا المحور ، والسبب أن سورية هي الوحيدة في هذا المحور ، كنظام رسمي، لا تتبنى الإسلام كفلسفة ونظام حياة للتقدم والانجاز ، وأنت تعرف أن فلسفة المنطقة تقدما أو تراجعا مرتبطة بطبيعة العلاقة مع الإسلام إيجابا أو سلبا ، والتجربة أثبتت أن خيار الإسلاميين قد أجدى في تجربة حزب الله وحماس وإيران ، برأيك لماذا لا يبادر النظام السوري القائم إلى العمل على أسلمة الحياة السياسية تحديدا كقدوة للمجتمع السوري ؟ إن لسان حال المنطقة برمتها يقول : " نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله " . إنها الحقيقة التي يجب أن تلتفت إليها القيادة السورية لا سيما ونحن على أبواب صراع كبير وصعب مع أمريكا وإسرائيل . هذه فكرة تعتمل كثيرا في خلجات صدري ، وكنت ولا زلت انوي كتابة مقال في قالب رسالة أناشد فيها الرئيس الدكتور بشار الأسد كي يعلن أن الخيار في سورية هو العزة والصمود بمرجعية النبع والمنهج الإسلامي الصافي والقويم .

الرد على السؤال كان
د. عماد فوزي الشعيبي
رد على سؤال السيد عماد صلاح الدين مع احترامي وتقديري لدور الأديان في صناعة وجدان الفرد وقيم الأمم ، إلا أنها من اخطر الدعوات تلك التي تسعى نحو اسلمة الحياة السياسية، وذلك لعدة اعتبارات أولها أنها تقيم شرخا دينيا بين المسلم السياسي والمسيحي غير المرخص سياسيا في الوطن الواحد وبهذا يمرر المشروع الأمريكي ( بحسن النوايا طبعا ) القائم على ذرير المنطقة ( تحويلها إلى ذرات ) متنازعة دينيا ثم إن مثل هذا الأمر يشرعن إقامة دولة إسرائيل على أساس ديني ويضيف لبنة من حيث لا يقصد في مشروع إسرائيل دولة لليهود الذي أطلقه مؤخرا الإسرائيليون ودعمه الرئيس الأمريكي جورج بوش .إن كل مشروع لتديين دولة ما يلغيها كدولة معاصرة ويفسح في المجال أمام تدميرها بسبب التنوع القائم فيها وهو من طبيعة الحياة والإنسان .

وأما تعليقي على ما جاء من رد على السؤال من الدكتور الشعيبي في هذا المقال هو أن الشعيبي نفسه انطلق في رده من فلسفة وطبيعة الفكرة البعثية التي أشرت إليها في مقدمة المقال . وأما تفنيد ما جاء في رده من أن الدعوة إلى اسلمة الحياة السياسية من اخطر الدعوات باعتبار أنها تقييم شرخا بين المسلم السياسي والمسيحي غير المرخص سياسيا في الوطن الواحد ( حسب رأيه)، فهو أن مجمل المنطقة العربية هي إسلامية بتفوق وامتياز على صعيد جغرافيتها وديمغرافيتها المنشرة في الأولى ، وبالتالي فإن الغالبية هم عرب مسلمون وليس مسيحيين أو غيرهم . لكأن المنطقة ديمغرافيا في نظر الأستاذ شعيبي هي مناصفة بين المسلمين من جهة وبين المسيحيين مثلا ، أو أن المسلمين فيها أقلية والمسيحيين وغيرهم من الديانات الأخرى هم الأكثرية ، ثم إن قوله بأن تديين أو اسلمة سوريا والمنطقة العربية يساعد في تمرير مشروع التذرير الأمريكي لها وكذلك في مساندة ادعاءات ومطالبات إسرائيل بيهودية الدولة ، فهذا الكلام غير صحيح ، لان الإسلام هو نظام حياة كامل ومتكامل في مختلف تنوعات الحياة الإنسانية الدنيوية وهو دين بشريعة تشمل الحياة الأخرى تعريفا وتوضيحا ، ودعوة وهداية وإرشاد، وتنبيها وتحذيرا ووعيدا لطبيعة المآل إليها فيها خيرا للإنسان أو شرا بحسب انضباط الإنسان بقواعد السلوك دنيا أو عدمه بحسب ما جاء في هدى التقنين الإلهي الأخير روحا ونصا . والإسلام على هذا دين للعالمين ولأهل المنطقة العربية التي وقع عليها التكليف بشخص محمد صلى الله عليه وسلم بجغرافيتها وسكانها ، وهو عامل توحيد وتجميع وليس تفرقة وتذرير ، وما تفرق العرب قديما ومعاصرا إلا لان الإسلام مرة لم يكن حاضرا بين ظهرانيهم ومرة لأنهم استبدلوه بخيارات الأرض الوضعية الوافدة الأخرى . والمشروع الأمريكي الغربي الاستعماري لتفتيت وتشتيت المنطقة وتحويلها إلى حالة فسيفسائية معقدة إنما جاء وتشجع على العمل في صياغة وتنفيذ هدف هذا المشروع بسبب تغييب الخيار الإسلامي الجامع . وأنا لا اعرف إن كان يغيب عن ذهن المفكر العربي المعروف السيد شعيبي أن غالبية محور المقاومة والصمود هو إسلامي التوجه ، مع بالغ تقديرنا واحترامنا لدور سوريا في الممانعة والصمود . وأما أن المسألة في تبني الخيار الإسلامي سياسيا في سوريا وفي المنطقة العربية يعمل على شرعنة المشروع الإسرائيلي القائم على فكرة دولة لليهود ، فهذا لا علاقة لها بدين في الأساس ، فالمشروع الإسرائيلي هو مشروع استيطاني استعماري ، يستخدم اليهودية كدين لتبرير مشروعه ، علما أن اليهودية كدين لا تلتقي مع المشروع الصهيوني السياسي ، ولعل وجود جماعات يهودية في العالم تعارض المشروع كجماعة" ناطوري كارتر" اكبر مثال على ذلك .

الإسلام دين حياة ، هو ليس كالمسيحية أو اليهودية يغلب في جلها الكهنوتية والروحية ، هو دين خاتم بشريعته للبشر جميعا ، هو دين يجمع في الأساس كلمة الناس من كل لون وجنس وعرق ، فكيف هو لا يكون عامل وحدة للعرب ، وما توحد العرب يوما إلا تحت رايته ، فكيف تنقلب الأمور عكسيا جدا في نظرة التصور للإسلام بان تبنيه وجعله خيارا ومرجعية يساعد في تقسيم الأمة والعمل على شرخها، ويبرر مشاريع الاحتلال والاستعمار ، الإسلام يحترم التنوع في الحياة والإنسان ، ويحترم الأديان الأخرى ، ويعطي أهلها حقوقهم بشرط واجباتهم جنبا إلى جنب بالتساوي مع المسلمين في إطار الدولة الجامع .

حقا ، غريب هذا الرد منك يا دكتور شعيبي ، ولكن استغرابي هذا تشتته معرفتي بطبيعة وفلسفة الفكرة البعثية التي تُنحي الإسلام جانبا من حياة الناس وأمورهم بشكل عام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa