الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تستعصي منطقتنا على الاندراج في الحضارة

علي ديوب

2008 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل تستعصي منطقتنا على دخول مدارج الحضارة؟

وكما غطى سيد المقاومة الدمار الذي فاض على العاصمة بيروت، في تموز 2006، إلى واسع البراري و الوديان، التي كانت يوما طبيعية، بيافطة خرافية الحجم و التأثير، في عيون المساكين، مكتوب عليها نصر إلهي( على ما في هذا من تنصل خفي من الإثم)؛ كذلك حاول معاونه و تلميذه في غزة أن ينسخ تفسيره( النصر اللهي) و يغطي به على الدماء و العذابات هناك. متنصلا من كل مسؤولية أو محاسبة أو مساءلة.
بضربة صولد للمقامرين بالقضية الفلسطينية، حصدت عصابات حاكمة منافع شتى، و بررت المتناقضات، على مدى عقود: فهي ذريعة صالحة لكل الأمراض الواقعة من الفقر و حتى القمع، مرورا بتعطيل التنمية. صارت الكلمة السحرية، التي خبروا فعاليتها من الأجداد، الذين لم يجدوا غير القتال و الغزو( أخذ لاحقا عنوان الجهاد)، ضمانا رابحا لديمومة التسلط على رقاب أمة تسكن و تستكين لحكامها فقط، إذ يبقون عليها في حالة الشعور الغريزية بالخطر الغريب الداهم، أو المتحفز، أو الكامن في غيابات النفوس الكافرة المعادية.
يرى يوسف بزي تاريخنا: " تاريخ علاقاتنا العربية ـ العربية، والعربية ـ الايرانية، والعربية ـ الافريقية، والعربية ـ الغربية، تاريخ من حروب باردة، نارية، مضمرة، علنية، خاطفة أو مديدة، محدودة أو واسعة النطاق.".
كما لو انها تراجيديا شكسبيرية، أو ملحمة يونانية، تتصرف بها الأقدار، لقد أنشئ للحرب هنا، في دار السلم(!)، منهجا للحرب، و آلية اشتغال ذاتية، يجعلها قابلة لأن تجدد موتها قرونا طويلة أخرى، حتى لتبدو أنها صارت في غنى عن أي افتعال أو إدارة. بما فيها إرادة آلهة الألب، أو افتعالات و أحابيل ياجو شكسبير. صارت الحرب في حالة وعي ذاتي، و حركة ذاتية، تستعصي على نظريات الفيزياء و الطاقة. هي المستحيل الحادث، الذي يستحيل جعله مستحيلا على الحدوث.
و اليوم، و كما في كل يوم لابد من مواجهة تشكل مجتمع مدني، على هذه الرقعة( الرخوة السائبة- بتعبير يوسف)، يهدد بتغيير معادلة سلام القبور، التي تظلل المجتمعات العربية و الإسلامية، و تميزها عن سواها.
و من هنا تعرض لبنان( كأس الحرية الذي يسمم محيطا من الشموليات، يسوره كما يسور البهموت الحياة) لما يمكن أن يفتت إمبراطورية قوية. و تبدو كل محاولة جديدة لاستقلاله و سيادته، و ازدهاره كنموذج للحرية و التحضر و السلام الاجتماعي، عملا ليس عبثا فحسب، بل شديد الخطورة و كبير الكلفة؛ تكاد تكون كلفته مساوية لترسيخ واقع الحال المرفوض، و عملا في صالح الدمار و التدميريين الذين يحاربون بشراسة لتطبيق المخطط الذي رسموه للبلد، كي يكون مكتبا يدار بالأبواط العسكرية لقطعان استمرأت جنته. و كتيبة متقدمة لنموذج دولة الملالي، في رسالة مباركة إلى البشرية، من ولاية الفقيه المعصومة، للأمة المعصوبة.
سحنة بيروت الدّرّّية، في الستينات و السبعينات، لم تنقلب في غضون عقد واحد من السنين، فيصار إلى مسخها و تسخيمها سريعا، هكذا بجهود بسيطة، و ذكاء ضئيل. يكفي أن نتأمل في تحول وضع المرأة، و لو على مستوى الشكل، حتى نرى أنه هكذا بقدرة قادر، خدمتها ظروف مواتية- من الحرب الدائرة، إلى تحكم الشقيق بردع من يراه و دفع من يحب، و خلق ما يشاء و إفناء ما و من يريد- فتحولت المرأة في الشياح التي كانت تخالط البشر، و تزهو بجمال خلقتها.. تضحك و تشرب البيرة، إلى كائن حزين مقبوض و ممتقع البشرة، تنقطع داخل شادورها عن الضوء و الهواء و الفرح. أو مخلوق ضئيل متحفز للشك و الرفض: لا تقدر قيمة التفاهم، سواء بينها و بين الآخر، أو بين أولادها و الآخرين. مستعدة فقط للدفاع ضد الناس، بوصفهم أعداء معروفين أو محتملين.
يكفي أن أقنعك بأن الآخرين أعداءك حتى توقن بأنني ملاذك الوحيد: شفيعك و حاميك!
ثمة رسم كاريكاتيري لسعد حاجو يظهر شخصا ينصح آخر قائلا: إعرف عدوك. فيرد الثاني عليه: و لكن الإنسان عدو ما يجهل. هي عملية صراع بسيطة، رغم جوهريتها، بين المعرفة و الجهل. بين التواصل و التجاهل. بين التفاهم و التخاصم. فحتى العدو الصراح يمكن للعلاقة معه أن تتحول إلى علاقة إنسانية طبيعية، عبر التفهم و التفاهم، و تجنب الكيدية و ردات الفعل ، و الانسياق إلى التباغض معه.
الإنسان كائن تسووي- على ما يكشف لك سلوك الطفل الرضيع- و العاقل الرابح أخيرا هو من ينجز التسويات الأسلم لكل الأطراف، و يستطيع أن يرتقي بنفسه و بنده إلى الأحسن و الأسلم. أما ثقافة الشحن فتقوم على تجديد الحقد و تعليم الكره و تمتين اليقين بثنائية الحق و الباطل، الحق هو نحن و الباطل هم الآخرون؛ و إنها لمعركة بتكليف إلهي، لا تنتهي إلا مع حلول اليوم الموعود، حين يرد المؤمن التكليف لصاحبه، الذي سوف يحسم أمر كل مخلوق مرة واحدة. ثقافة الشحن العقائدي هذه( و العقائديات الدنيوية و الآخرية سواء) لا تنتج سوى العبيد في طرفنا و الكفار في الطرف المستهدف.
ثقافة المقاومة تجل من تجليات اللغة القاطعة، التي تقسم العالم إلى شطرين، و تحشرك في زاوية المع و الضد، فأنت إما مقاوم لك أن تفتخر و ترفع رأسك، أو خائن عليك أن تطأطئ رأسك- بل و أن تسلمه للمقصلة العادلة.
أليست المقاومة واحدا من أخطر المسكوت عنه في ثقافتنا؟
منذ بضع سنين( 3-6-2005- الحوار المتمدن)، نشرت ما يشبه السجال مع مقالة للرئيس الحص، يدافع فيها عن المقاومة و سلاحها، و رغم استخدامي في الحوار مع الكاتب لغة السؤال كما يلي( هل يستطيع أن يعلن اعتراضه على مبرر استقلال المقاومة عن سيطرة الدولة؟)، إلا أني بدوت لأحد الأصدقاء كما لو اني أمد يدي للشجرة المحرمة. و كلفني موقفي الصريح صداقة كنت أعتز بها، مع شخص لا أزال أحترمه. و قد يزداد الأمر غرابة أو مرارة حين نعلم أن الصديق يعيش معي في بلاد الغربة، و يتمتع بالمواطنة التي تنطوي على حقوق تؤمنها له ضرائب المواطن الأصلي، و كل يد أخرى عاملة في بريطانيا.
مرة أخرى أجدني مدفوعا لمشاركة يوسف قراءته للحرب بأنها: تحدث في كل مكان: من تشاد الى السودان والصومال، إلى غزة والقدس وجنوب لبنان وزواريب بيروت إلى بغداد والحدود التركية، إلى المياه الاقليمية المتوسطية ومضيق هرمز وميناء البصرة، إلى افغانستان وشوارع نيويورك، وإلى أي محطة قطار في أوروبا.".
الصراع بين البشر بات ثقافيا على نحو مضطرد، و باتت حقوق الإنسان، و ما سواه من الكائنات الحية، و البيئة تاليا، هي النقاط التي تجمع و تفرق. و تلون خارطة الاصطفافات، الآن و صاعدا، رغم الجهود المستميتة لمرضى التدين التكفيري، و عصابيي العقائد و العرقيات التي تدافع عن وجودها ضد الانفتاح الهائل الذي حققته ثورة الاتصالات و التكنولوجيا الرقمية اللتين تمددتا و بسطتا مفاعيل العولمة على رقعة واسعة من الكوكب، كما لم يقيض لأي منجز بشري أو لأي إمبراطورية أن أحرزت مثل هذا التمدد و التفعيل من قبل. فلا يوفر أولئك المتأدبون بالخضوع و التبعية، و المتلقنون ثقافة التفرقة و النفور من الآخر، و القمع و القطع ضده و معه؛ لا يوفرون الجهد و المال و الوقت، و سلوك أشد أنواع الصراع الهمجي ضراوة و انحطاطا، بما فيها تحزيم الأطفال بالمتفجرات، ثم الإفتاء بأنهم شهداء!)، و غير ذلك من طرائق حشد الأتباع، و أشكال تأجيج الحماس الجاهلي في الصدور، و تخويف المجتمع من الأغراب لإدامة خضوعه للحالة القطيعية، و تمثله غريزة الانتماء ما قبل العاقلة، التي تدفعه إلى اللوذ في ظلهم، و طلب حمايتهم و الانصياع لتحكمهم. كما لو انهم فعلا موقنون أن المعركة- في أي اتجاه أو مستوى- هي معركة فناء أو بقاء. أو معركة "وجود لا حدود"، باللغة الثورية القومجية الموروثة من لدن عقائد شقيقة- دينية هذه المرة- في حركة عود أبدي تجعل هذه البقعة من الكوكب مستحيلة على الاندراج في مدارج التطور البشري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية