الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعب من الزهرة .. والحكومة من المريخ !

طارق قديس

2008 / 4 / 4
المجتمع المدني


في عام 1992 استقبلت الأسواق العالمية كما السوق الأمريكي كتاباً بعنوان (الرجال من المريخ .. والنساء من الزهرة) تأليف الطبيب النفسي الأمريكي الدكتور جون جراي ، يهدف منه تحسين أساليب الاتصال بين الرجل والمرأة للوصول إلى علاقات صحية في ما بينهما. وسرعان ما لاقى الكتاب استحسان القراء ، فحقق مبيعاتٍ مذهلة، مما دعا إلى ترجمته للغة العربية على وجه السرعة ، فلم تخب آمال مترجميه، إذ حقق ذات الصدى الذي حققه في بلد المنشأ.

وأنا بدوري قد قرأته مرتين، الأولى عابرة لم تُحدث إزاحة في موروثي القديم، غير أن الثانية قد أتت بثمارها، خاصةً أني وقفت على تشابهٍ مذهلٍ بين علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة الحكومة بالشعب. فالكاتب يوضح في بداية كتابه بأسلوب هزلي أن الرجل والمرأة قد جاءا من كوكبين مختلفين، وهو عين ما نراه في واقعنا السياسي العربي، وذلك عندما نرى أن الحكومة – غالباً – ما تكون أمام كثيرٍ من المواقف في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وكأنها لم تأتي من رحمه في يومٍ من الأيام.
وفي فصلٍ آخر يَظهَرُ في العلاقة الثنائية بين الرجال والنساء أن النساء لا يتوقفن عن تقديم النصائح والتوجيهات للرجال مما يتسبب لهم بإحساس من عدم الثقة، فما يحتاجونه بالعادة هو التقبل وليس إسداء النصائح، وهو أيضاً شبيهٌٌ بواقعنا، حين تشعر الحكومة بجرح في كبريائها حال تقديم النصيحة لها بالنقد والتحليل عبر الصحف المتنوعة والمقالات المتكررة، وهي التي تشعر دوماً بحاجتها إلى ثقة المواطنين لا نصائحهم ومقالات على صفحات الجرائد.

شبهٌ آخر يطفو على السطح عندما نرى – بحسب الكتاب – أن تعامل المفرد المذكر السالم مع الضغوط يأتي بذهابه إلى الكهف – أي الانعزال عن المفرد المؤنث السالم – لحل مشاكله بنفسه. أما هي فتلجأ لعلاج مشاكلها بالحديث مع الأخريات، وطق الحنك، وهو أيضاً ذات ما يتم في الواقع عندما تنفرد الحكومة بعلاج المشاكل الاقتصادية بفكر اقتصادي مجرد عن العواطف والمشاعر بعيدا عن المواطنين وما يلائمهم من علاجات ، والذين هم بدورهم يلجأون فيما بينهم إلى القيل والقال للتنفيس عن همومهم وطموحاتهم في الهواء الطلق.

وقائمة التشابهات لا تنتهي هنا، لكنها تطول ، ويطول معها الحديث حتى ننتهي بالوصفة السحرية، والتي يراها الكاتب مهمة لتجاوز الفروقات بين كلا الطرفين ، وهي أن تقوم العلاقة بينهما على المكاشفة والحوار اللذين يُبنى عليهما التفاهم ، لا الجدال الخالص، فالجدال – غالباً - ما يتحول في آخره من نقاش هادئ إلى معركة ساخنة مؤلمة حامية الوطيس. رغم أن الاختلافات في وجهات النظر لا تسبب بطبيعتها الألم، وإنما الطريقة التي نعبر بها.

وهذا ما نتمنى أن يحدث في واقعنا المعاصر ، بأن يقوم التفاهم محل الجدل السقيم بين الحكومة والمواطنين، وأن تكون المكاشفة بصوتٍ هادئ هي سيدة الموقف، لا الجدل في الغرف والأروقة البرلمانية بنبرة مرتفعة.

لذا – وإن كنت قد قرأت الكتاب من زاوية مختلفة ، بإسقاط ثنائية الرجل والمرأة على الواقع السياسي – فإني أرى أن الكتاب بعيداً عما ذكرت ، وبهيئته الطبيعة هو محاولةٌ قيمة تستحق الوقوف عندها في العلاقات الاجتماعية، حتى وإن لم يتقبلها الكثيرون منا في مجتمع ما زال يقتات على مائدة الموروث القديم.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة يمزق ميثاق الأمم المتحدة قبل


.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا يوصي مجلس الأمن بإع




.. ماذا بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم العضوية الك


.. -بآلة لتقطيع الورق-.. سفير إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة




.. ماذا يعني تصويت الأمم المتحدة على الاعتراف بفلسطين كدولة؟