الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفيقٌ غادرنا قبل الأوان في ذكرى رحيله العاشرة الرفيق النصير أبو سلمى (سلام صالح جبر) مثال للشيوعي الغيور

محمد الكحط

2008 / 4 / 6
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


ولد الرفيق سلام صالح جبر- أبو سلمى- سنة 1956 في مدينة العمارة، ورحلت عائلته إلى بغداد وهو طفل صغير، حيث نشأ في كنف عائلة بسيطة، فالأب معلم ربى العديد من الأجيال، والأم ربة بيت مليئة بالطيبة العراقية الأصيلة حيث بنيا معاً أسرة نموذجية في حبها للوطن وللقيم الإنسانية وللثقافة والعلم، أسرة كبيرة في عطائها وتميزها، نشأ فيها أساتذة أكاديميون وأطباء ومهندسون، ونشط معظمهم في صفوف الحركة الوطنية وتحملوا المطاردات والمضايقات من السلطات الدكتاتورية البائدة، فأضطر بعضهم إلى مغادرة الوطن وتحمل معاناة الغربة، وغادر هو كذلك سنة 1980 بعد إكماله الخدمة العسكرية، ولكنه سرعان ما عاد ليكون في صفوف الأنصار الشيوعيين مقاتلاً ضد الدكتاتورية في كردستان العراق.
تعرفت على سلام في بداية التحاقنا في كلية الزراعة في أبو غريب/ جامعة بغداد عام 1974، كنا زملاء وأصدقاء، ومن ثم من الطلبة النشطاء في صفوف إتحاد الطلبة العام، مما وطد علاقتنا أكثر. دعاني يوماً إلى منزلهم، استقبلت هناك بالترحيب الطيب وبنكهة الحنية العراقية الأصيلة من قبل عائلته، وخصوصا الوالدة التي أعدت لنا الطعام، وقبل أن نتوجه إلى المائدة همس الفقيد سلام في أذني قائلا: "محمد تره أحنه صابئة مندائيين"، فقلت له نعم أعرف ذلك ولماذا تخبرني الآن، فكان جوابه: لأن البعض لا يأكل أكلنا، فضحكت من رده وعاتبته وقلت له أنك تعرفني جيدا وما كان بك أن تظن بي ذلك، ومنذ تلك الزيارة أصبحت عائلته هي عائلتي الثانية، ولازالت حتى اليوم هي عائلتي التي لها فضل علي في ظروف صعبة لم تستطع عائلتي أن تقدم لي العون مثلما قدمت لي هذه العائلة المفعمة بالتربية الشيوعية والأفكار التقدمية الأصيلة، كان سلام ذا خصال جميلة، شاب مليء بالطيبة، لا تفارق الابتسامة وجهه، ذكي، لماح ،كريم النفس، محبوب، ذو علاقات اجتماعية ومواهب متعددة منها الرياضية، ولدية جوائز في كرة المنضدة. أتذكر كيف كان فرحاً جدا يوم رشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي، حيث كنت معه والفرحة لا تسعه، تعرض في الجامعة حاله حال كل الشيوعيين إلى المضايقات في فترة هي من أشد الهجمات الشرسة ضد الشيوعيين سنة 1978 وما تلاها، حيث كنا نؤدي خدمة العلم ولكننا أخذنا الأحتياطات اللازمة والصيانة والحذر الشديدين، فأكملنا خدمة العلم وغادرنا الوطن بسلام، وعاد هو قبلي إلى كردستان حيث كان من أوائل الرفاق المتطوعين للالتحاق بفصائل الأنصار، ثم تبعته لكننا لم نلتق بسبب بقائي في بهدينان وكان هو في سوران، وواظبنا على تبادل الرسائل، إلى أن التقينا يوماً، حيث جاء لزيارتي ضمن مفرزة لبضعة أيام، كان لقاءاً عاصفاً، وجدته فيه متعباً وآثار الظروف الصعبة بادية عليه، فاستغربت ذلك وفهمت سبب تعبه بعد أن ناولني رسالة وصلته تبلغه بوفاة والده ذلك الأب الطيب، والمعلم الرائع الذي أنجب وربى تلك الكوكبة الجميلة من الأبناء، كما أنشأ تلك الحديقة المزهرة في بيته الدافئ الجميل. فشاركته المشاعر والآلام وتذكرنا ذلك الأب وخصاله الكبيرة.
بعد الأنفال وانسحابنا من كردستان افترقنا، ولم أعرف أين حل به الدهر، وبقيت أسأل عنه دون جدوى، حتى حطت بي الرحال في الغربة هنا في السويد لأستمر بالبحث عنه، إلى أن صدمت بخبر وفاته في نيويورك يوم 8 يناير سنة 1998م، بسبب مرض اللوكيميا الذي كان نتيجة تعرضه إلى الغازات السامة في كردستان تاركاً أبنته الوحيدة سلمى.
اليوم إذ تمر ذكرى فقدانه المؤلمة نستذكر مواقفه الشهمة وروحه الأبية المعطاءة، سلام الذي ترك مغريات الحياة المدنية ليختار الحياة النضالية بين صفوف رفاقه الأنصار، متحملاً الكثير من المصاعب، أحبه الجميع وافتقدناه رفيقاً رائعاً غادرنا بهدوء مبكرا، تاركاً ذكرى عطرة وأرثاً نضالياً مشرفاً ستذكره الأجيال يوماً عندما يعود العراق معافى ويستذكر أبناءه البررة ومنهم أبو سلمى. لك أيها الرائع سلام في ذكرى رحيلك أجمل الزهور العطرة وستبقى ذكراك خالدة في نفوس رفاقك وأهلك وأصدقائك وسنواصل دربك الذي اختطته ما حيينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليمين المتطرف في فرنسا يعتزم منع مزدوجي الجنسية من شغل مناص


.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح




.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال


.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي




.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين