الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!

نذير الماجد

2008 / 4 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما تناهى إلى مسامعي خبر مؤتمر حوار الأديان المزمع إقامته في الرياض أنقدح إلى ذهني على الفور التوصيف الرائع للشاعر والكاتب المصري فرانسوا باسيلي حين تحدث عن أن السعودية بمثابة لغز عصي على الفهم، هذا البلد اللغز لا يمكنه فهم نفسه فكيف يفهم العالم؟! وقد بلور هذا الوصف نتيجة المعاينة لا الكتابة والتحليل عن بعد كما اعترف هو بنفسه، إذ سبق له أن عاش بعض السنين في كنف هذا البلد الذي يحمل من العجائب و النوادر والخصوصيات بحيث يتعذر على المرء الحاذق تماما أن يفسره ويحلله بشفافية وحيادية.

ولعل أبرز مصاديق هذا اللغز هو الكم الهائل من الاستثناءات التي تميز هذا البلد، فلا أحد يمكنه معرفة السر وراء حظر السينما في الوقت الذي تزدحم فيه الأطباق الفضائية اللاقطة فتغلف سقوف البيوت في كل المدن، وليس من السهل تحديد هدف الرقابة الصارمة على الكتب والثقافة والفكر ليس لكتاب أجانب عن هذا البلد وحسب بل أيضا لكتاب سعوديين يضطرون في تسويق أعمالهم لاستجداء عطف المؤسسات الثقافية خارج الحدود، فبأي جدوى يمكن تبرير هذه الرقابة ونحن نعيش في عصر الاتصالات والمعلومات، وهو عصر شهدنا فيه ثورة كبيرة في المعلومات التي من مخرجاتها شبكة الانترنت حيث توفر أكبر قدر من السرعة للوصول إلى المعلومة من أي مكان أو ثقافة، هذه القدرة على استخراج المعلومة تمتد في المكان والزمان بحيث تبدو معها كل عمليات الرقابة على الفكر والثقافة والتأمل بمثابة جهد عبثي لا جدوى منه.

وعلى امتداد هذا السياج الحديدي الذي يحد من انطلاقة الفكر وحرية الإبداع، ثمة رقابة من نوع آخر تزيد من وقع الأحجية السعودية هي ملاحقة النشاط الوجداني واختبار الإيمان من خلال ممارسات الشرطة الدينية التي تتفرد السعودية في منحها صلاحيات واسعة، لا تقف عند حد فرض حالة فريدة أشبه بحظر التجوال تتكرر خمس مرات في اليوم هي مواقيت الصلاة، بل تتعدى ذلك للتضييق على المرء في أكثر خياراته حميمية وخصوصية، فكأن هذه الشرطة الدينية قد سمحت لنفسها بالتوغل والحيلولة بين المرء وبين أبسط حقوقه في الحرية والخيار الشخصي، فليس للمرء حتى أن يختار سحنته ومظهره الذي يرتضيه، و ليس له إلا أن يكون وفق النموذج الذي ترتضيه و تباركه "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" !

هذا الواقع الحافل بالألغاز والأحجيات يترسخ شيئا فشيئا باتخاذه سيرورة معاكسة لكل الشعوب المتمدنة والتي تمكنت من احتلال مواقع مرموقة في سجل الحضارة و التقدم البشري. العادة أن تكون الثروة مقدمة للتنمية وإحراز التقدم ومن ثم ولوج الحداثة من أوسع الأبواب، ولكن في حالة السعودية فإن العكس –ويا للأسف الشديد- هو الذي حدث، فالتراجعات والتناقضات التي يحفل بها المجتمع لا تنسجم إطلاقا مع كون هذا البلد يحمل في أحشائه أهم مورد للطاقة في العالم، هذا لغز آخر لكنه في ذات الوقت بمثابة الشفرة التي ستفك كل الأحاجي التي حيرت العقول، لكن الأحجية الأكثر تعقيدا وتشابكا والتي تحتل بلا منازع الصدارة بين كل تلك الأحاجي والألغاز هي دعوة الحوار بين الأديان التي أعلنها مفتي السعودية مؤخرا، هذا الخبر الذي شاع في أبريل الجاري يصلح تماما لأن يكون أكذوبة ابريل و مزحا ثقيلا يمتاز به هذا الشهر!

أن تكون هذه الدعوة تنطلق من بلد لا يتمتع بأبسط الحريات و لا يوفر أبسط الشروط الأساسية التي توفر المناخ اللازم للتعددية الفكرية وحتى الدينية يعني أن النتيجة لن تكون سوى الفشل، إذ لن تتمكن من توفير المقدمات الضرورية لمثل هذا الحوار، والسبب ببساطة هو: فاقد الشيء لا يعطيه!

هذه الدعوة "الطريفة" ذكرتني بأخرى مماثلة حدثت في القرن الثامن عشر برعاية نادر شاه في النجف الأشرف، يقول أحد المؤرخين أن البنود التي اتفق عليها في المؤتمر قد نقضت و تبخرت تماما قبل أن يجف الحبر الذي كتب بها! والسبب هو ذاته، أي عدم توفر مناخ موات لروح الحوار والتسامح بين الطوائف والأديان. وفي تاريخ المسلمين الكثير من الشواهد المؤيدة التي تؤكد أن التسامح والتعددية شروط أساسية للحوار الفكري والديني بين الطوائف المتصارعة، وبنظرة سريعة على التاريخ نجد أن أكثر الفترات التي أخصبت روح التلاقي بين المتنازعين هي المراحل الانتقالية التي تتميز بانحسار السلطة و تراخي الاستبداد، مثل ما حدث عقب سقوط الدولة الأموية، أو في حالة تشكيل صيغة تعددية لأنظمة الحكم كما حدث حين تقاسم الحكم العباسيون والبويهيون في القرن العاشر الميلادي.

لا تستقيم إذن هذه الدعوة قبل أن تعاش كثقافة على أرض الواقع، و قبل أن تتوفر مقدماتها الأساسية وهذا مازال مستبعدا في العقل السعودي، وقبل أن نخوض في مسألة الأديان الأخرى نجد الواقع سوداويا قاتما على مستوى الدين نفسه، فليس سرا أن هنالك أقلية كبيرة من الشيعة لازالت تعاني صوفا شتى من التمييز والرفض المنهجي أو القبول المشروط..

يتواجد الشيعة في مناطق على قدر كبير من الأهمية الإستراتيجية، كالمنقطة الشرقية الغنية بالنفط، والمنطقة الجنوبية المتاخمة للحدود والغنية بالثروات الزراعية و في المدينة المنورة حيث تتواجد المقدسات الإسلامية، و غني عن القول أن الشيعة في المدينة المنورة لا يحق لهم بناء المساجد والحسينيات ، في انتهاك صريح لحقوق الإنسان التي التزمت بها السعودية بانضمامها للدول الموقعة على ميثاق حقوق الإنسان، ولازال الواقع حافلا بأشكال مختلفة من التمييز ضد المواطنين الشيعة، كتدني نسبة التمثيل في مؤسسات الدولة كالجيش ومجلس الشورى ومجلس الوزراء.

و من جهة أخرى لا يحق لأكثر من ثلاثة مليون أجنبي مسيحي ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وحتى هذه اللحظة يحظر بناء الكنائس في السعودية، هذا إذا لم نتحدث عن الديانات الأخرى كالهندوسية والبوذية وغيرها، فالسماح في بناء معابد لهؤلاء لازال مستبعدا بل مستحيلا في الذهنية السعودية، وهو كمن يطالب ببناء حدائق خاصة بالدينصورات التي لا وجود لها! فهؤلاء الأجانب الذين يملئون شوارع مدن البلاد بلا استثناء هم بمثابة الديناصورات التي ليس لها وجود إلا بين صفحات الكتب التي تتحدث عن تاريخ السلالات المنقرضة أو الأفكار والأديان المهرطقة والضالة!

الدول الخليجية الأخرى قد حققت تقدما في سماحها بالحريات الدينية، كان آخرها قطر التي احتفلت مؤخرا بافتتاحها أول كنيسة كاثوليكية في مارس الماضي لاحتواء 500 ألف مسيحي هم عدد الأجانب المسحيين من جميع الطوائف الذين يقطنون هذا البلد الصغير، أما في البحرين فلها شرف بناء أول كنيسة خليجية في العام 1906م، و ثمة كنائس ومعابد لأتباع الديانات الأخرى في كل دول الخليج إلا السعودية التي لازالت تفرض حظرا يحرم الأجانب من مزاولة الطقوس الدينية بحرية، إنهم يمارسون عباداتهم بالسر والخفاء، و إن أكتشف أمرهم فيا لهم الويل من ذلك الجحيم التعسفي للذهنية السلفية المسيطرة و المهيمنة على هذا البلد.

هذه الظروف وهذا الواقع الذي لا يسمح بحرية الاعتقاد ولا يتمتع بالتعددية الدينية والتسامح وحرية الفكر لا يمكن أن ينشأ عنه حوار ناجح، وأي دعوة للحوار مع هذه الحيثيات ستموت ، و هو المصير ذاته الذي لاقته فعلا هذه الدعوة المزعومة، فلقد ماتت قبل أن تولد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي


.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية




.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا