الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العقلانية العربية ومشكلات الحداثة
رمضان الصباغ
2008 / 4 / 14الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إذا كانت بعض سمات الفكر القديم لا تزال راسخة في عقول العديد من الناس ممن لا يطرحون الأسئلة الجديدة على أذهانهم ، فإنها أيضاً تلقي ببعض ظلالها على أفكار من يشتغلون بالبحث عن الجديد ، وهذا يشكل عائقاً جوهرياً أمام كل معرفة جديدة 0 وإذا كان الفكر الحديث يرتكز بالدرجة الولي على التفكير العلمي ، حيث يعدّ العقل هو الحكم الأول على أفكارنا ، فإن التفكير العلمي الذي يقوم على التجربة والممارسة إنما يؤكد على نفي كل قديم ، ولا يتصالح معه بل ينهض على أنقاضه 0 فكل تفكير جديد هو في صراع مع التفكير القديم ، فالجديد يقوم على ما هو نسبي متحرراً مما هو قبلي ومطلق 0
وعلى هذا الأساس فإن الفكر العقلاني بما هو فكر علمي – أو لكي يكون هكذا – فإنه في سجال مع الفكر السّلفي بما يرتكز عليه من القبليات والبديهيات ، ولا عقلانية ، وأساطير ومسلمات ، لا تقبل النقد 0 بل تجرّمه ، وتكفّره 0
وقد نشأت العقلانية وترسخت عندما تحرر العقل الإنساني من الاعتماد على الماضي وتقديسه ، وتخلّي عن النقل ، وانطلق بعيداً عن سيطرة فئة من اللاّهوتيين إدّعو امتلاك الحقيقة المطلقة 0 وكان انفلات العقل من هذه السيطرة متزامناً مع بدء ظهور نوع من الحياة المدنية تقوم على أسس جديدة يحكمها العقل والمنطق ، وينتهي فيها دور التعصب العرقي والديني والعلاقات القبلية والعشائرية 0 وتتحول فيه الحياة ، إلى حياة يمتلكها الإنسان ، يجددها ويتجدّد معها 0
والجدير بالذكر أن ظهور النزعة العقلانية وتطورها قد تزامن مع التخلص من العلاقات الريفية والبدائية ، وظهور الإنتاج الصناعي الذي غير إيقاع الحياة ، واستبعد القيم الريفية والبدائية ، وأحلّ محلها قيما تتوافق مع المجتمع الصناعي 0 وكان كلما تقدّم المجتمع الصناعي ، إزدادت العقلانية ازدهاراً ، وتقلّص دور اللاهوتيين ونمتْ الفلسفة العقلانية والتفكير العلمي 0 وكان الإنسان إذ يطور من أدواته الإنتاجية (في الاقتصاد) وأدواته في العمل الذهني ، يتطور معها ، يثريها ، وتثريه 0
وهكذا صارت القيم السائدة قيما اجتماعية مدنية تقوم على العقل 0 فالتطور الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن التقدم في العلم والتكنولوجيا وتطويرهما لأدوات الإنتاج أدّي إلى طفرة في العلاقات الاجتماعية ، ومن ثم إلى تغيرات عميقة في القيم ، وإيجاد قيم جديدة لم تكن ذات بال في المجتمعات القديمة 0
وإذا كانت العقلانية ترتكز على النسبية ، هذه النسبية التي صارت واضحة جلّية في كل ميادين الحياة المعاصرة ، نظرية وتطبيقية ، من المعرفة إلى القيم ، ومن السياسة إلى الاقتصاد 00 إلخ فإن هذه العقلانية لا تعني الجمود والتحجر ، أو التمذهب والتحول إلى لاهوت ، بل إن ما يجعلها عقلانية بحقّ هو ممارسة النقد تجاهها لأن ذلك هو الذي يسمح بتجدّدها ، وتطورها واتسّاع مجالاتها 0 كما أن الاعتقاد السابق باليقين المطلق ، وعجز العقل لن يصححه في الحقيقة – سوى سلاح النقد ، والصراع الفكري الذي بوسعه توضيح الخطأ من الصواب على أسس عقلية وعلمية
وإذا كنا في مجتمعاتنا العربية ندرك بوضوح الجنوح بعيداً عن العقلانية ، والتعلل بالأساطير والخرافات ، والتمسك بالماضي ، ومحاولة إيجاد حلّ لكل مشاكلنا في ماضينا ، أو القياس على حلول لبعض المشكلات التي حدثت في الماضي وكيف حاول السلف حلّها 0 كل هذا ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين بكل ما فيه من تقدم علمي وفكري وفني واجتماعي 0
فإن المشكلة الأساسية تكمن في استدعاء حلول من أزمنة مغايرة تماما لزمننا الحالي 0 فلم تكن المجتمعات القديمة بهذا التعقيد الذي نراه الآن ، وكانت حياة الأسلاف بسيطة ، وبالتالي مشكلاتهم مختلفة وأبسط من توجد الآن 0
لقد كانت خواص التفكير البدوي والريفي ، هي نتائج لأنماط الإنتاج السائدة آنذاك ، وللظروف التاريخية ، والعلاقات السائدة داخل هذه المجتمعات ، وبينها وبين المجتمعات الأخرى ذات العلاقة 0 وبالتالي فإن ظروف هذه المجتمعات كانت تجعل الفكر السائد فكراً سحرياً وأسطورياً ، إنه فكر ينطلق من عقل يمثل طفولة الإنسان ، وقد استقاها من العلاقات الريفية والبدوية ، والتي ترسخّ السكون والاستاتيكية ، والتمسك بالماضي ، وتقديس الأسلاف 0 فالإنسان الريفي ، أو البدوي ، يرفض كل جديد ، لأن هذا الجديد سوف يدمرّ مصالحه ، ويقلق ذهنه ، وهو المشغول دائماً بالماضي ومارتّبه له من استقرار ، وما حققه له من فوائد ، سواء كان من المستغلّين الذين ينعمون بكدّ الآخرين ، أو كان من الشعب الذي يعاني الجهل والأمية ، وبالتالي لا يعرف حقوقه فيركن إلى الاستكانة والطاعة والرضا بالأمر الواقع ، والهروب إلى الغيبيات والخرافة 0
ومن هنا فإنه عندما بدأت مع القرن التاسع عشر تهب رياح العقلانية – على بلادنا رغم أن شروطها لم تكن مكتملة – كانت المقاومة لها ، وما زالت ، على أشدّها ، وكان المفكرون الذين حاولوا نشرها وتطبيقها في أعمالهم ، يعانون من الاضطهاد ، والقهر ، كما أنها تعرّضت على أيدي معارضيها لكثير من التشويه والرفض 0
ولقد كان لتشوّه العقلانية – في بعض الأحيان – أسبابه الجوهرية التي ترجع إلى نشأتها في بلادنا 0 فقد كانت العقلانية الأوروبية تعبيراً عن تطور اقتصادي جوهري أدي إلى قطيعة مع العصر السابق على المستويات الاقتصادية والاجتماعية ، ومن ثم المعرفة 0 فقد نشأت الرأسمالية الأوروبية في تضاد مع الإقطاع ، وبالتالي كان الفكر الحديث في قطيعة مع الفكر القديم 0
وقد كان الشكّ هو الأساس الذي قامت عليه الأفكار الحديثة في مواجهة يقين الفكر القديم وكان العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين البشر - على حد تعبير ديكارت – فكانت حرية الإنسان ، والاعتراف بحقوقه الطبيعية وحقه اختيار أنظمة حياته السياسية والاجتماعية وغيرها أي أن الإنسان هو صانع القيم وباني الحضارة 0 وكان النقد للماضي هو جوهر العمل الذهني 0
أما في مجتمعاتنا فإن الرأسماليين خرجوا من بطن كبار الملاك – الطبقة القديمة – وبالتالي لم يكن الصراع بين الطبقتين موجودا ، بل تم على جميع المستويات التوفيق بين القديم والجديد 0 وفي نفس الوقت كانت هذه الطبقة الرأسمالية الجديدة طبقة (رثة) ، فهي تعمل في التجارة ، وتقوم على التوكيلات للرأسمالية الغربية ، أي أن علاقتها بالإنتاج ليست سوي علاقة هشة أو معدومة 0 وقد أدي ذلك إلى عدم القطيعة مع الماضي ، وما يمثله من أفكار ، بل انتشار الفكر القديم إلى جانب الجديد ، مع الأفكار التوفيقية والتلفيقية ، كما أنه أدي أيضاً إلى تشوّه في العلاقات الاجتماعية ، والقيم ، فنجد القيم الجديدة تحاول التوافق مع القيم القديمة 0
لقد استمر المجتمع التقليدي الذي ما زالت العلاقات البدوية في بعض المجتمعات ، والريفية في البعض الآخر قائمة به جنبا إلى جنب مع مجتمع صناعي يعيش على الاستهلاك ، وينتج نخبة ، تحاول قطع جذورها مع المجتمع التقليدي ، بل وتجد في آليات هذا المجتمع حفاظاً على مكتسباتها ، وعلى تحيزّها 0 لقد أصبح المثقفون العصريون هنا أشبه بالكهنة في بعض الأحيان 0 فقد حالت أصولهم الأرستقراطية ، والأمية التي تسيطر على جماهير الشعب من وصول الأفكار التحررية والعقلانية إلى الأغلبية ، كما حالت الظروف الاقتصادية والمعيشية المتردية للشعب ، وفترة الاستعمار دون اندماج أو اقتراب المثقف من المواطن العادي 0 وفي أغلب الأحوال كانت تصل الإنسان العادي الأفكار الرجعية التي تدعوه إلى الاستكانة والسكون ، وترسخ عجز العقل ، والفوارق الطبقية والعقلية ، وكذلك ترسخ العنصرية بين البشر 0
وإذا كانت الأفكار هي نتيجة لما يدور في المجتمع يؤثر فيها وتؤثر فيه ، فإن ما نتج من أفكار في مجتمعنا كان بالضرورة يحمل سمات ما يدور في مجتمعنا 0 فنجد الفكر العلمي والعقلاني بدءاً من "شبلي شميل" "وفرح أنطون" ، "وطه حسين" ، "وفؤاد زكريا" ، وغيرهم 00 الذي يواجه انتشاره عقبات كثيرة ثم الفكر اللاهوتي السلفي الذي ينتشر بشكل أوسع بين الناس ، وأخيراً بعض الاتجاهات التوفيقية والتي كانت تجد صداها في بعض الصحف ، وفي الجامعات0
لقد عاني العقلانيون في بلادنا من سيطرة العقلية التقليدية وانتشار الفكر القديم ، وسيطرته على كثير من العقول ، وذلك بما قام به مروجوا الفكر التقليدي من تسطيح للأفكار الجديدة ، ومهاجمتها بعنف ، ودون قراءة أو فهم ، ولإدعاء بأنهم أصحاب الحق في الخوض في كل المجالات العلمية والإنسانية والحياتية متسلحين بفكر ما ضوي يدافع بشراسة عن نفسه معتمدا على الأمية والجهل المنتشرين في المجتمع 0 وقد عمد أصحاب هذا الفكر إلى استخدام كل الوسائل فهم يستخدمون الدين ، والخرافة والأسطورة والأمثلة الشعبية الدراجة – والتي جاءت من الماضي لتعبر عن ظروف وعلاقات عفي عليها الزمن ، وتقاوم كل جديد 0
لقد ادّعو أن أفكارهم هذه عابرة للأزمنة ، ويقينها مطلق ، وتعارض كل فكر نسبي ويرفضون أحكام العقل والتجربة والممارسة العملية ، كما يرفضون تعدد الآراء ، ويجعلون من المفاهيم النظرية أساساً يمتحنون به الواقع ، مع أن الواقع والتجربة العملية هما المحك الحقيقي لصواب أو خطا الأفكار النظرية 0
وإذا كان التقليديون يجعلون مرجعيتهم في النصوص ويعبدون الأجداد على أساس أن هذا يحافظ على الهوية ، فإن ذلك يتنافي مع واقع الهوية الذي لا علاقة له بما هو ما ضوي ، أو بنصوص محنطة في المتاحف ، بل تعدّ الهوية تعبيراً عن الذات وعلاقتها بالآخر في ظل ظروف اجتماعية وسياسية ودولية محددّة ، وهي – أي الهوية – متجدّدة بتجدّد وتغير هذه الظروف فالتراث يجب ألا يكون عبئاً على الحاضر ، أو سلاحا تواجه به الحداثة والتقدم ، بل يجب دراسته في إطار عصره ، والظروف الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات الدولية التي اتبعتهُ والتي هي بالضرورة مختلفة جذرياً عما هو كائن الآن 0 أي أن التشدّق بالتراث كبديل عن الفكر المعاصر ليس إلا هروباً ونكوصاً من العصر ومشكلاته 0
إن القول بالأفكار المستوردة ، أو الغزو الفكري ليس إلا محاولة للتقوقع على الذات ، والتكلّس وعدم طرح السؤال الأساسي الذي يدخلنا في العصر الحديث 0 كما إن القول بأن لنا قيمنا ، وأن الغرب بلا قيم ، ليس إلا قولاً مرسلاً لا علاقة له بالعلم ، ذلك أن القيم موجودة في كل المجتمعات ، وفي كل الطبقات والفئات 0 وهذه القيم ليست مطلقة – كما أوضحنا – بل هي نسبية ، وذات صلة وثيقة بالمجتمع وتطوره ودرجات الوعي الاجتماعي والسياسي والثقافي للأفراد والجماعات 0 وكلما تقدم المجتمع ، كلما كانت قيمه ارقي وأفضل 0 فالمجتمع الصناعي يهجر القيم الكائنة في المجتمعات الإقطاعية والقائمة على علاقات ريفية والمجتمعات البدوية القائمة على علاقات عشائرية وقبلية 0 فلا وجود لمجتمع بلا قيم ، وإنما الموجود هو مجتمعات مختلفة بقيم مختلفة 0
وكما أن الفرد الذي يستوعب أفكار الحداثة يرفض القيم التي لا ترتبط بها – أي القيم القديمة ، كذلك في المجتمعات المتخلّفة يرفض أفرادها وجماعاتها قيم الحداثة 0 وإذا كان من المنطقي أن نربط الفكر والقيم بالمجتمع الجديد ، وننحو باتجاه التجديد ، فإنه من غير المنطقي أن نربط نهضتنا الثقافية والاجتماعية بالتراث ، لأن التمسّك بالتراث – كتراث – ومحاولة جعله أيديولوجية حاكمة لنا إنما يعوق ، بل يقوض ، دخولنا إلى الحداثة ، وبالتالي يجعلنا خارج العصر ، ومجرد كائنات فلكورية تعيش على هامش التاريخ 0
إن الفكر التقليدي إذ يتعلل بالأساطير ويقع تحت سيطرة التراث فإنه يصور الجديد في الفكر والفن والعلم 00 إلخ 00 كعدو له ، وتدمير لوجوده ، مستنجدا في ذلك باللاهوتيين والقوي الظلامية التي تحول الحوار بين الجديد والقديم إلى اغتيالات وقهر وإرهاب 0 والتي تلغي قانون العقل ، وتلجأ إلى النصّ وتؤكد على الطاعة العمياء والاستجابة المستكينة 0
إن الموقف0000 الذي ينبع منه العداء للفكر المعاصر بتطوراته وتعقيداته ، والرفض الدائم لإنجازات العلم والعقل ، إنما يقوم على أساس من الجهل وعدم القدرة على استيعاب الإبداع نتيجة للخضوع المستمر للقهر الفكري ، وعبادة الأسلاف والعنعنة ، والعمل دائماً على إيجاد مبرّرات للحاضر في الماضي ، واستمرار مخاطبة الغرائز لا العقل ، والاعتماد على الانفعالات والعواطف ، والركون إلى لغة بدائية ترسّخ التفكير الفطري والبدائي 0
ولذا فإن النهوض بالمجتمع سواء كان في مجالات الفكر أو العلم أو الفن أو السلوك الاجتماعي ، إنما ينهض بالدرجة الأولى على التفكير العلمي ، واستخدام العقل كحكم في كل شئ 0 وبذلك كان أول ما يجب أن يقوم به الإنسان الراغب في الحياة الحقيقية هو إزالة العقبات التي تقف في طريق التفكير العلمي ، والعقلاني ، ثم الولوج إلى عالم العلم والعقل متسلحاً بالأدوات والآليات الضرورية لذلك 0
وإذا كانت اللاعقلانية تعتمد على الأساطير والخرافة ، فإن أول ما يقاومه الإنسان يجب أن يكون هو التخلص من سيطرة وقوّة هذه الأساطير وتلك الخرافات التي عايشها سنوات وسنوات 0 كما يجب عليه التخلص من سيطرة الأشخاص سواء كانوا أجداداً أو معاصرين وذلك على أساس أحترام العقل ، وجعل كل فكر ، وكل سلوك قابلاً للنقد ، وتشغيل ملكة النقد هذه دائماً هو الضمان للتجديد والتغيير ، واستعاب الحداثة 0
وإذا كان المجتمع القديم يجمع بين أنماط مختلفة من العلاقات الإنتاجية ، وبالتالي فإنه يجمع أنماطا متباينة من التفكير ، بعضها في صراع مع البعض الآخر ، وفي أحسن الأحوال يلجأ إلى التوفيق بين هذه الأتجاهات المتباينة ، فأن هذه التوفيقية تعد عائقاً أصيلا في فكرنا العربي ، ولذا يجب اجتثاثها والتخلص منها لأنها تمسخ كل جديد وتحوله إلى كيان ميّت لا حياة فيه كما أنها تعوق الإبداع والتقدم ، وترسخ فكرة أنه ليس في الإمكان إبداع مما كان هذه الفكرة التي تصادر على التجديد والتغيير 0
ومن هنا فإن القطيعة الابستمولوجية هي الأساس الذي يمكن أن تقوم عليه عملية التغيير والإبداع 0 وذلك لأن المعرفة الجديدة هي تدمير للمعرفة القديمة ، كما أن المجتمع الجديد ، هو تغيير جذري ، أو نفي للمجتمع القديم وعلى هذا الأساس فإننا نرى أن لكل عصر فكره وقيمه وعلاقاته الاجتماعية 0000 إلخ ، وكذلك فإن المحاولات التي يقوم بها البعض لاستدعاء بعض الأفكار أو القيم أو الحلول للمشكلات معتمدين على التراث ليس إلا نكوصا وهروباً ، وفي أحسن الأحوال مغازلة لأصحاب الفكر التقليدي ، والوقوع في براثنهم والخضوع لآلياتهم 0
ولذا فإنه إذا كان الأصوليون يقدّسون النصّ ، ويرجعون إلى الماضي في كل شئ ، ويلجأون إلى الكتب الصفراء ، والنصوص شديدة التعصب والتزمت والتي جاءت نتيجة لعصور الانحطاط والتدهور 0 سواء كان ذلك من الأحاديث الموضوعة ، أو أعمال أبو حامد الغزالي ، أو فخر الدين الرازي والأشاعرة ، أو ابن تيمية وغيرهم ممن يؤكدون على ضرورة الانصياع للماضي والتواكل ، والركون إلى الأساطير ، واللامنطق ، والجبرية 00 إلخ فإن من يلجاون إلى الماضي أيضاً من بعض دعاة العقلانية التوفيقيين – إلى عصور ازدهار الفكر العربي في بداية العصر العباسي ، في عصر الترجمة ونقل الفكر اليوناني ، أو في فترات متأخرة ظهر فيها الجنوح أحياناً إلى العقلانية ، إنما يفعلون نفس ما يقوم به الأصوليون ، وذلك يرسخ فكر الماضي ويقلل من فرص الإبداع ويؤكد أن الماضي يحتوي كل شئ 0 وهذا ينفي النظرة التاريخية ، والتفكير النسبي والعقلاني ، ويؤكد على سطوة التراث وجبروته 0
إنهم قد يفعلون ذلك حتى لا يقال بأنهم بلا جذور ، أو بلا ماض ، وإنهم يغازلون اللاّعقلانيين الأصوليين في زمن ليس هو زمن الغزل ، بل الصراع 0 وهم بذلك يتناسون أن الفكر يعبر ويعكس أوضاعاً اجتماعية واقتصادية وعلاقات محلية ودولية محددة ، وموسوم بمسيم عصر محدّد ، وهذا يجعله لا يصلح لكل زمان ومكان 0 إنهم إذ يفعلون ذلك يتضح أنهم لم يتخلصوا من العديد من الأمراض الفكرية السائدة في فكرنا العربي ، مثل التوفيقية ، وعبادة الماضي والأجداد 0 ويتناسون الأسس التي يقوم عليها الإبداع الحقيقي 0
إن المأزق الأساسي الذي يعاني منه الفكر العربي هو هذا الفقدان لروح المغامرة – عند الكثيرين – وعدم القدرة على التخلص من سطوة الماضي (أي التراث الفكري) والأجداد 0 والوقوف ضد عجلة الزمن وعدم إدراك التغيّرات المذهلة التي حدثت في الحياة منذ كان الإنسان في طفولته الفكرية إلى يومنا هذا 0 هذا التغييرّ الذي يحدث الآن في طفرات ، ويأتي كل يوم بجديد 0
ولكي نعيش العصر ونشارك في صنع ما يعتمل به من أفكار ، وإبداعات ، فانه يجب علينا التخلص من كل أساليب القهر الاجتماعي والتي تؤدي إلى تغييب الوعي ، وتضليل الإنسان وحرفه عن الطريق الصحيح للمشاركة في صياغة الواقع والتأثير في كافة المجالات الحياتية ، وهذا بدوره سوف يساعد على تحرير الإنسان من الحاجة وضغوط الضرورة ، فيكون بالوسع تحرير عقله من بعض القيود ، ثم يجئ دور نشر الوعي العقلاني والتفكير العلمي ، والتأكيد على حرية النقد ، وإيجاد أساليب حضارية للحوار واستشراف المستقبل 0
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بشار الأسد في روسيا التي كان يزورها باستمرار وحيث يعيش نجله
.. وزير الخارجية الأيراني: الأسد -لم يطلب أبدا- مساعدة طهران ضد
.. الدبلوماسي السابق مسعود معلوف: إسرائيل هي الشريك الإقليمي ال
.. بعد طرده أمام ريال بيتيس.. برشلونة يفتقد جهود مدربه الألماني
.. أوكرانيا تدعي تدمير منصات الغاز الروسية بالقرب من شبه جزيرة