الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة والمواطن

صاحب الربيعي

2008 / 4 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هناك علاقة طردية بين رقي وتطور الدولة وثبات واستقرار المجتمع، فالدولة القوية تستمد شرعيتها الدستورية من المجتمع، والمجتمع يستمد أمنه واستقراره من الدولة وبالعكس فإن ضعف الدولة يعكس هشاشة المجتمع.
وتحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع المصالح المشتركة، أي تلاقي مصالح الدولة مع مصالح المجتمع أو بالمعنى الأدق أن تسعى الدولة إلى تحقيق رغبات المجتمع في الرفاهية والعيش الكريم بما يضمن حقوقه المشروعة مقابل أداء المواطن لكامل واجباته تجاه الدولة,
إن إرتقاء العلاقة بين الدولة والمجتمع إلى حالة الأنسجام المتبادل يعكس أوجه التطور والتقدم على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا الأمر لايتحدد بمرحلة زمنية من عمر الدولة فقد يستغرق عشرات أو مئات السنيين تبعاً لتعدد المخاضات السياسية والاجتماعية التي مر بها المجتمع فتؤدي إلى الإرتقاء بمستوى وعي المواطنين لتنبثق عنهم نخب علمية وثقافية وسياسية متعقلة تعي مهامها في إدارة شؤون الدولة والمجتمع.
يقول ((هيغل))"إن تماسك الدولة وقوتها يعود إلى إلتقاء المصالح الخاصة للمواطنين مع المصلحة العامة للدولة، حيث يتمكن كل منهما تحقيق رغبات الآخر وتؤدي هذه الحالة من الإنسجام إلى فترة أزدهار وتقدم للدولة".
إن إنبثاق الدولة من المجتمع يعد حاجة وضرورة يفرضها الواقع الاجتماعي وأنعكاس عن حالة الإرتقاء بالوعي الإنساني وسعي المجتمع لتنظيم شؤونه الحياتية وتحشيد طاقاته في إطار موحد يحقق العدالة والمساواة بين أفراده.
وهذا الأمر يتطلب نخب متعقلة قادرة على إيجاد القواسم المشتركة بين المصالح الذاتية للأفراد وتحويلها إلى مصالح عامة تحقق الفائدة والمنفعة للجماعة، ومن المفترض أن تؤمن الدولة مساحة من الحرية لأفراد المجتمع للتعبير عن آرائهم ومساعدتهم التعرف على النخب المتعقلة في المجتمع من خلال تحديد الشروط والمعايير الخاصة للمتصدين للعملية السياسية والاجتماعية.
فالمجتمع المُغيب وغير الواعي لمصالحه يحتكم إلى عواطفه في فرز نخبه السياسية والاجتماعية وليس إلى عقله مما يؤدي إلى تغيب النخب المتعقلة وسيطرة الحثالات والجهلة على مراكز القرار في الدولة فتنهار مقومات الدولة ويتراجع الوعي الاجتماعي لمراتب متدنية.
لذلك فمن حق المواطن على الدولة أن ترشده إلى السُبل الصحيحة لإختيار ممثليه من خلال وضع الشروط والمعايير الخاصة بالنخب الراغبة في التصدي للعمل السياسي والاجتماعي ليكون أداؤها منسجماً مع متطلبات مؤسسات الدولة والمجتمع. ولابد أن تتدخل الدولة لإعادة تأهيل المواطن ليصبح قادراً على الاحتكام إلى عقله ومصالحه دون عواطفه وإلا فإن الدولة ذاتها تصبح عرضة لتحكم الجهلة والأميين والفاقدين للموهبة مما يعرضها للإنهيار.
يعتقد ((هيغل))"أن الدولة التي تحقق الحرية الملموسة للفرد من خلال الاعتراف بحقوقه وتحويل مصالحه الجزئية إلى مصالح عامة، تعتبر دولة عقلانية لأنها غاية يدعم وجودها الجزئي للأفراد وليست وسيلة تكتسب شرعيتها من أشباع حاجات ورغبات هذه الجزئيات".
إن الدولة هيكل مؤسسي لإدارة الشؤون العامة وليست الخاصة والجزئية التي يمكن للمواطن من خلال مؤسساته المدنية إنجازها وإلا فإنها تتحول إلى جهاز يتدخل في الشؤون الجزئية واليومية للمواطنين، فالدولة غير قادرة على إنجاز المهام الجزئية للمواطنين لكنها قادرة على تحقيقها ضمن إطار المصالح العامة.
فهي تساعد المواطن على إنشاء مؤسساته المدنية التي تبحث في الشؤون الجزئية أو تأخذ على عاتقها تحمل أعباء غير أساسية على المستوى العام والتي تفوق قدرة الدولة على تحقيقها من خلال مؤسساتها الكبيرة والمتخصصة في إنجاز المهام الكبرى، بل أنها تتعثر أن تدخلت بشكل مباشر في البحث عن المصالح الجزئية للمواطنين لتحقيقها.
لذلك في أغلب الأحيان تسعى مؤسسات الدولة لإشراك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني لإنجاز بعض مهامها لتحقيق الجدوى الاقتصادية والمنفعة العامة، فعملية زج نخب وكوادر متقدمة من مؤسسات الدولة في إنجاز مشاريع صغيرة وتحقيق مصالح جزئية يعني إشغالها عن تنفيذ مهام كبرى وهدر بالمال العام.
يرى ((دانيال بيل))"على الدولة أن لاتكون من الصغر بحيث تفقد القدرة على حل المشاكل الكبرى، وإنما على قدر من العظمة بحيث تفقد القدرة على حل المشاكل الصغرى".
وبما أن قوة الدولة من قوة المجتمع فإن ضعفها وإنهيارها يعود إلى هشاشة مؤسساتها وانحدار الوعي الاجتماعي نحو مستويات متدنية، فالدولة القوية، دولة مؤسسية-دستورية لاتسمح لمواطنيها بخرق تشريعاتها وأنظمتها ووضع شروط ومعايير خاصة للقائمين على إدارة مؤسساتها.
لأن الدولة تحكمها ثوابت وتشريعات لاتقبل المساومة، فوجود كيانات حزبية غير مؤسسية لاتنسجم مع مؤسسات الدولة لايعني بأي حال من الأحوال خضوع الدولة ومؤسساتها لمافيات حزبية وتحكم عينات وضيعة وجاهلة بمقدرات الدولة والمجتمع.
وحين تضعف الدولة تخرق تشريعاتها وبتدني وعي المواطن بمصالحه يؤدي لفرز نخب سياسية غير مؤهلة وجاهلة من حثالات المجتمع تفرض هيمنتها على مؤسسات الدولة وتضعف تشريعاتها فتتحول من مؤسسات نخبوية إلى ملكيات خاصة تهيمن عليها مافيات حزبية تسخر المال العام إلى منافعها الشخصية والحزبية فتضعف هيبة الدولة.
لذلك فإن المجتمع غير الواعي لمصالحه والمحتكم إلى عواطفه دون عقله، يستغل من الحثالات والجهلة المتصدين للعملية السياسية وتُرتهن حياته ومستقبل أجياله وتُجير مساعيه لتحقيق أجندة خارجية لأن تلك العينات الوضيعة تستمد حضورها على الساحة السياسية من قوى خارجية لها مصالح ذاتية في إضعاف مقومات الدولة.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم