الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيران فتنكم تحرق الأبرياء

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2008 / 4 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتعرض حرية الرأي مرة أخرى بعد عرض الفلم السخيف " الفتنة" إلى انتهاك سافر من قبل مختلف السلطات الدكتاتورية والديمقراطية والرجعية والهيئات الدولية ، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة ، وبذلك تمسي سيوف الدين والسلطة والثروة أشد تسلطا على ألسنة وعيون الناس وأكثر إرهابا للجماهير المسالمة والكادحة .
أئمة الإسلام السياسي وقادته ، و حكام الغرب السرسرية وإعلامهم التضليلي قد وحدوا خطابهم الموجه للجماهير المحرومة ، وقد ملت الآذان من ترديدهم شعارات مثل احترام الرأي بشرط أن تشعر مقدسات الآخرين.
لقد دفعت بنات وأبناء الغرب ثمنا باهظا في سبيل نيل حرية الرأي ، وحرية انتقاد حتى المقدس ، واليوم نرى الحكام الرأسماليين ، بعد أن وصلوا الرأسمالية مرحلة الانحطاط الخلقي والسياسي والفكري ، يساومون القوى الظلامية في كل مكان ، ويقايضون الحرية بالربح و المادة والسلطان. إن انتقاد اليسار الإشتراكي للاسلام السياسي يختلف كليا عن الهجوم الخبيث لليمين العنصري على المسلمين والجاليات الشرقية في أوروبا . الشيوعيون والاشتراكيون لسان حالهم أيضا يقول نعم للنقد و الاصلاح لصالح الجماهير و حرياتها الفردية والاجتماعية . إن مشكلة اليسار الاشتركي الماركسي ليست مع الدين والعقائد ، بل هي مع الرأسمالية والاستغلال واضطهاد الطبقات والشرائح المستضعفة.
فماذا يتبقى من حرية الرأي والتعبير إن جردت من حرية انتقاد المقدس؟ فمنذ وجود الطبقات، والاستغلال الطبقي والصراع الطبقي، ظهرت المقدسات لكي يكمم الحكام أفواه الرعية والمحرومين باسمها وبواسطتها أيضا. لقد كان دوما الملك ، أو القائد والزعيم ، والله والوطن والتراب ، والعلم والإمام و الشيخ و المرجع الديني مقدسا، وكذلك التوراة والإنجيل والقرآن والتقاليد والعادات مقدسة وفوق المساءلة والنقاش ، لأنها ببساطة شديدة مقدسة.
الطبقات الحاكمة حرمت دوما نضال الطبقات المضطهدة في سبيل حقوقها باسم المقدسات ، وبواسطتها، كفرت أي امرؤ يتجرأ على انتقاد الأوضاع الاجتماعية المجتمع الإنساني الحر لا يمكن أن يفرض المقدسات على بناته وبناته، بل يحقق لأجلهم الرفاهية والحياة الحرة الكريمة ، و يؤمّن لهم كرامتهم الإنسانية و كل الحريات الفردية والجماعية ، وليس فيه ما يقف بوجه حرية الإنسان وتقدمه وفق الشرع والقانون.
فلم الفتنة لم يأت بجديد عن الارهاب الذي تدخله المليشيات الاسلامية في قلوب " أعداء ربهم" وأعدائهم ، الا أنه المخرج واليمين المتطرف ينزع إلى ابتكار طريقة مختلفة تقوم وفقها الرأسمالية الحاكمة باضطهاد الجماهير المظلومة ، وبث الفرقة والشقاق بين الجماهير الكادحة الأوروبية و الشرقييين.
خيرت فيلدرز مخرج الفلم الذي لا تتجاوز مدته أكثر من 17 دقيقة هو السياسي اليميني وممثل حزب الحرية الفاشستي في البرلمان الهولندي. وقد تعودنا في مثل هذه الظروف ، مثلما يحدث كل مرة، الحكومات والثروات الإسلامية و جماعات الإسلام السياسي المنتشرة في العالم والتي تحظى بدعم اليمين والرأسمالية الجشعة في البلدان الصناعية الكبرى ، أن تنتهز الفرصة للتضييق على الحريات الفردية والاجتماعية ، وأن تفعّل سياسات استرجاع المكاسب التقدمية التي حققتها الحركة العمالية الاشتراكية.

فلم " الفتنة" ليس العمل الأول ولن يكون الأخير لليمين الغربي المتظاهر بالخروج عن ثوابت الحكومات الغربية الطبقية، إذ يحاول قسم من البرجوازية منذ سنوات عديدة على هامش سياسة الأنظمة الحاكمة ، التأسيس لحركة انتقادية للإسلام من منطلقات عنصرية ، تحرق في نيرانها أبناء الجاليات المهاجرة من البلدان المسلمة، بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية والسياسية و مواقفهم من الإسلام والأديان.
اليمين العنصري في الغرب يستهدف في هجومه على الدين الإسلامي بالدرجة الأولى القوى التقدمية والاشتراكية ، و زعزعة أسس الوئام و التضامن الأممي بين القوى اليسارية والعلمانية .
اليمين الغربي العنصري، مثلما يفهم المتابع لخطاباته الخبيثة ، يحاول إثبات أن سياسة منح الامتيازات والمسايرة التي تتبناها الأنظمة البرجوازية التقليدية في ما يسمى بالحرب على الإرهاب لا تجدي نفعا، ويجب البحث عن أساليب أخرى فعالة.
هذه التحركات الأخيرة لليمين العنصري الغربي تجد لها مؤيدين في النظام الإسرائيلي والمحافظين الجدد في أمريكا و حكام الدنمرك وألمانيا و انجلترا وهولندا وغيرها.

إنّ في الإسلام والمسيحية توجد نصوص مقدسة ، تحرض على الكراهية والقتل، وان كان يوجد في القرآن من مثل هذه النصوص ، أيْ آيات السيف، أكثر بكثير من العهد الجديد ، أو ما نطلق عليه بالأناجيل ، غير أن "العهد القديم" الذي هو جزء من الكتاب المقدس للمسيحيين أيضا، لا يُضاهى في الدعوة إلى القتل والإرهاب.
ومن يتبع هذه النصوص بدون تأويل فيقتل في سبيل دينه هو همجي متخلف، و ثمة مسلمون ويهود يفعلون ذلك اليوم ، أو يؤيدونه ، وهؤلاء فعلا همج متخلفون. ولكن يجب أن لا يحكم العاقل على الإنسان في ضوء النصوص ، بل الشعور اللاوعي ، والعقل الباطن الإنساني الذي يحركه إنسانيا وطيبة ، وإلا لما تعايشنا آلاف السنين في وئام و محبة رغم اختلاف العقائد و المذاهب والأديان واللغات والألوان . فالمنتمون لفكر ما يختلفون كثيرا عن بعضهم البعض، وكثيرون منهم لن يقنع بأن دينه هو همجي، لكنه يؤمن به بعد تأويله إلى حالة أفضل، بحيث لا يجرح مشاعر جاره وأصدقائه . فرغم العهدة العمرية كم رأيت من كنائس تبنى أو تجدد في قرى أكثر سكانها محسوبون على الإسلام ، وكم رأيت أبناء مختلف الأديان يدخلون دور العبادة لأديان مختلفة بدون أن يشعر أحد منهم بحساسية ، أو انزعاج .
وكذلك المسيحيون كان فيهم دوما من قتل وسفك الدماء ، وهنالك الآن حرب إمبريالية تقودها أمريكا بغطاء ديني يدعي رئيسها أنه يقودها بوحي الهي، وبتأييد اليمين المتطرف، لكن اليمين العنصري ومعه الكنسية يتبنون سياسة لا مساواة العالم الغربي مع العالم الشرقي في أيّ شئ حتى مساواة رجال الدين للدينين ، يحركهم في ذلك الاحتقان التاريخي من الأحقاد وروح الانتقام الضاربة جذورها.
وبينما يقوم اليمين العنصري العلماني بالتحريض على الجاليات المسلمة ، والشعوب غير الأوروبية ، تقوم الكنيسة و البابا بينيديكت السادس عشر ، قائد عصابة الفاتيكان ، ووارث محاكم التفتيش الدموية في القرون الوسطى، ورئيس جهاز ارتكب أبشع المجازر بحق اليهود والغجر و الشيوعيين وشهود يهوه ، وداعية قتل الشيوعيين والعلمانيين و التقدميين ، و الأداة الطيّعة بيد الرأسمالية الجشعة و الإجرامية بإطلاق الدعوات في فتح قنوات لحوار "الحضارات" و استخدام العقل فيه . فهذه الدعوات لا بد ّ من النظر إليها وتفسيرها في سياق التاريخ الشخصي اللا إنساني لقائد جهاز مافيوي مغلق معادٍ للتمدن و القيم الإنسانية النبيلة. والجدير ذكره هنا أن مفهوم العقل لدى شيوخ الأزهر والحركات السياسية الإسلامية لا يختلف عنه لدى البابا الحالي و أسلافه ، فكلهم يؤمنون بأن العقل ليس سوى أداة لتفسير إرادة قوة غيبية مفارقة للطبيعة، وأما طريقة التعبير عن ذلك التفسير فأن المسيحيين وسواهم من رجال دين آخرين لا يختلفون فيه عن المسلمين، وكل ما في الأمر أن الدولة المدنية استطاعت أن تكبح جمح الكنيسة والقوى الدينية المسيحية في ما تطلق عليه العالم المتحضر ، بعد أن لم يعد المجتمع البشري يطيق جرائم الكنيسة وراعيها الإقطاع ، وبعد أن أصبحت عائقا أمام التطور الرأسمالي، وبعد كفاح مرير لقوى التقدم والاشتراكية واللبرالية التقدمية في حينها ضد مؤسسات الإقطاع والكنيسة المتحالفة معه.

فاليمين العنصري الأوروبي ، والرأسمالية الحاكمة و الحركات الإسلامية كان على مر ّ العصور جزء من حركة أكبر معادية للإنسانية، وكانا دوما حائلا أمام طموحات البشرية وآمالها في الرفاه والسعادة والإخاء والحرية.وهذه الأطراف كلها تعلم قبل الآخرين أنها كانت أكبر أداة قمع وإرهاب سياسية تستخدمها الطبقات المتسلطة السائدة ضد الطبقات المحرومة في المجتمع البشري . اليمين العنصري الأوروبي و الإسلام السياسي حركات رجعية لإرجاع المجتمعات القهقرى إلى الوراء ، مثلما نشهده اليوم من تأييد الكنيسة لسياسة التراجعات عن القوانين التي ضمنت حقوق العمال والمرأة و المهاجرين . تلك الحقوق التي انتزعتها الطبقة العاملة في الغرب بكفاحها المرير . كما تتجلى اليوم رجعية الحركات الدينية المسيحية والإسلامية المدعومة من قبل الحكومات البرجوازية في إشاعة العصبيات الطائفية والقبلية والقومية في سبيل بث الفرقة والشقاق بين صفوف الطبقة العاملة والكادحين والمحرومين.
إنها أداة قمع وتضليل وأفيون بيد رأس المال والرأسمالية. فحوارها ، ومساوماتها ، وصراعها الدموي لا تخرج من دائرة خدمة أقطاب الرأسمالية العالمية، لأنها جزء لا يتجزأ من حوارها وسياستها وصراعاتها.
إنها حرب همجية على الحضارة الإنسانية، وهي حرب سياسية، وصراع المصالح والسلطات بين حركتين إرهابيتين عالميتين.


فالدين بحاجة دائمة إلى الاصلاح لأنه بدون الاصلاح يزرع بذور القلق والخوف في كل الدنيا ويسلب الناس راحتهم، وإن الحكومات الغربية تستغل الدين في سبيل بث الفرقة والشقاق بين المواطنين. اليوم يعود الدين بفائدة كبيرة للبرجوازية لإخافة الجماهير وإسكاتها و تعميتها عن رؤية حقوقها المهضومة، وإن البرجوازية لم تعد بقادرة على مواجهة الدين، والقوى الرجعية المرتبطة بل قامت بالمساومة مع رجاله، وتوزيع الأدوار الخبيثة عليهم، و العمل على تحقيق الأهداف المشتركة. لا خلاف إستراتيجيا ومبدئيا للدول الأوروبية مع الإسلام السياسي، وكل ما هنالك من مشكلة هو البحث عن السبل الناجحة للتعاون. وإن الدين مفيد للحكومات الأوروبية والقوى اليمينية العنصرية لتكريس الدرجة الثانية للمواطنين من أبناء وبنات الجاليات الشرقية ، وذلك بدعم ما التمايزات الدينية والقومية والطائفية لهم واحترام ثقافاتهم
وأخيرا أود القول إنني لا أريد قط المس بعقائد الناس الذين يتعايشون معا في وئام في السراء والضراء رغم تعاليم أديانهم الداعية للتفرقة و الكراهية والتكبر

الأنظمة القمعية والحركات الإرهابية لكي تستمر وتنجح و لكي تطبق برامجها السياسية ضروري لها أن تخلق للناس مقدسات ، وتؤكد عليها ليل نهار . فهذه الأنظمة والحركات السياسية الإسلامية تشكل أكبر إهانة للإسلام و القرآن و الرسول. فهي التي رسخت هذه الصورة المقززة للإسلام والمسلمين في العالم ، صورة القتل والذبح و التخلف و العبودية . وهي لا يمكنها البقاء في أجواء صحية من حرية الفكر والتعبير و الشعور.
إن الحركات الإسلامية و شيوخها يستغلون مثل هذه الفرص ، الرسوم الكاريكاتيرية والفلم ، وأشباهه، لابتزاز العالم، و انتزاع الإتاوات منهم بالسكوت على سجونهم ومقابرهم الجماعية و على جرائمهم ضد النساء و الحقوق المدنية و الحريات في بلدانهم التي يحكمونها بالنار والحديد وسفك الدماء.
إن الحركات الإسلامية السياسية تدين للغرب بوجودها ، و ثمة جمعيات سلفية و قوى ظلامية كثيرة لها منظماتها وجمعياتها في الدانمرك واسكندينافيا و الغرب وتحصل على معونات كبيرة لبث سمومها بين الجاليات الهاربة أصلا من الحكام المجرمين في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. و الجدير بالذكر أن القوى اليمينية والعنصرية في سكاندينافيا هي من أشد ّ المؤيدين لدعم جمعيات الظلاميين و الطائفيين و الرجعيين ، وفق مبادئ ما يسمى احترام تقاليد الجماعات البشرية وثقافاتاتها وعقائدها. من لا يتذكر كيف تم شحذ وتنشيط حركة المجاهدين في أفغانستان ضد الوجود السوفيتي في بداية ثمانينات القرن الماضي. واليوم يعمل على تشكيلها وفق مواصفاته التي تدعم مصالحه الاستعمارية. فإسرائيل التي تحتل فلسطين و تضطهد الفلسطينيين ، و القوات الأمريكية ومعها بعض الغرب تحتل العراق وأفغانستان ، ما تستمد منه الحركات الإسلامية الحياة به تديمها. فالدول الغربية تؤكد يوما بعد يوم أنها مستعدة للمساومة مع أية حركة ، مهما بلغت رجعيتها ودمويتها على حساب شعوبنا و الطبقات المحرومة في الغرب في سبيل الربح .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: يجب أن نقضي على -حماس- كما فعلنا مع -بن لادن-


.. يحيى سريع: نفذنا عملية مع المقاومة الإسلامية بالعراق ضد هدف




.. عشرات اليهود الحريديم يغلقون شارعاً في تل أبيب احتجاجاً على


.. بابا الفاتيكان يحذر من تشريع المخدرات ويصف التجار بـ-القتلة-




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: المسلمون خائفون واليهود منقسم