الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان والديمقراطية المغدورة

طارق قديس

2008 / 4 / 17
المجتمع المدني


كلنا يعرف أن أكثر ما يميز المجتمع اللبناني هو أنه مجتمع فسيفسائي ، متعدد الطوائف، متعدد الأعراق والانتماءات، مجتمع تتعدد فيه الاتجاهات السياسية والفكرية، اليمينية منها واليسارية، إلا أن هذا التعدد لم يمنع الفرقاء أجمعين من تكوين مجتمع يتمتع بالرقي والتعايش المشترك، وقد قاده ذلك التعايش لخلقٍ ديمقراطية فريدة في منطقة الشرق الأوسط – وذلك من وجهة نظر الكثير من المحللين وعامة الناس - تتميز عن سواها من الديمقراطيات من كافة الوجوه، حتى أصبحت تلك الحالة نموذجاً يُحتذي به يضرب به المثل.

إلا أن هذا التعايش المشترك الذي لم تؤثر به سنوات الاستعمار الفرنسي، والذي أفضى إلى تلك الحالة الديمقراطية، لطالما تعرض منذ نشأة لبنان الحديث لأزمات كانت تؤدي إلى انهياره، ولطالما حاول الطامعون في هذا البلد الصغير مساحةً أن يصيبوه في مقتل، حتى يتسنى لهم رمي شباكهم عليه، لعلمهم أن سرَّ جمالية لبنان وتميزه يكمن في ذلك التعايش المشترك.

وهذا ما يقودنا بالضرورة للقول بأن النموذج الديمقراطي اللبناني بدوره قد تعرض لأزمات عصيبة ، وهزات عنيفة ، آخرها أزمة الفراغ السياسي في السلطة منذ رحيل الرئيس إميل لحود، وأزمة الثقة في حكومة الرئيس السنيورة، والناتج عن الصراع بين السلطة والمعارضة المتمثل في فريق 14 آذار (الموالاة) و8 آذار (المعارضة). فالديمقراطية اللبنانية رغم أنها جزء من نسيج المجتمع ذاته إلا أنها هدفٌ سهل لكل من يرغب باللعب باستقراره، ولكل من يرغب بتحقيق مآرب شخصية على حساب الوطن، لذا فإننا نرى أن مصالح العديد من الدول في المنطقة تقتضي إشعال الفتنة بين أبناء هذا البلد، حتى يتسنى لها أن تجد فيها موطئ قدم، فنراها تصطف إلى جانب فريق دون الآخر، وتقوم بدعمه وتقويته بشتى الطرق، معمقة بذلك الهوة بينه وبين الفرقاء الآخرين بحجة الديمقراطية!

والغريب أن أغلب الفرقاء قد بلعوا الطعم، فمنهم من اصطف وراء الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على طول الخط ، ومنهم من رأى في إيران الورقة الرابحة على الدوام، ومنهم من فضَّل التحالف مع الجارة سوريا من منطلق (الأقربون أولى بالمعروف) !

ولعل النتيجة الوحيدة التي يمكننا أن نخرج بها مما سبق هي أن الديمقراطية اللبنانية، والتي تتمناها معظم المجتمعات العربية الأخرى، ما زالت جنيناً غير مكتمل النمو، مُهدداً بالموت في أية لحظة، ولعل السبب الأول في عدم اكتمالها هو أبناء المجتمع نفسه، وقد أعطوا الضوء الأخضر للأيادي الخارجية أن تتدخل في الشؤون الداخلية، وأن تلعب على الوتر الطائفي تارة، وعلى الوتر الإقليمي تارة أخرى، وعلى المصالح الفردية تارة ثالثة، فأصبحت الديمقراطية حجة للتلاعب باستقرار لبنان، ولخلق مشاكل بنكهات غريبة غير مألوفة في المجتمع.

ولعل عدم القدرة للتوصل إلى انتخاب رئيس للبلاد حتى هذه اللحظة خير دليل على أن الديمقراطية اللبنانية هي ديمقراطية منقوصة ، إن لم تكن في حقيقتها ديمقراطية مغدورة بكل المقاييس.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لم يتضمن عقوبة الإعدام.. قانون جديد في العراق يجرّم المثلية


.. غانتس: لا تفويض لاستمرار عمل الحكومة إذا منع وزراء فيها صفقة




.. شبكات | الأمم المتحدة تغلق قضية وتعلق 3 في الاتهامات الإسرائ


.. هيئة البث الإسرائيلية: الحكومة تدرس بقلق احتمال إصدار -العدل




.. الأمم المتحدة: هجوم -الدعم السريع- على الفاشر يهدد حياة 800