الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة والمجتمع

صاحب الربيعي

2008 / 4 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن المجتمع أحد العناصر الأساسية لنشوء الدولة فكلما كان المجتمع متماسكاً ومتجانساً كلما كانت الدولة قوية ومستقرة وبخلافه فإن المجتمع غير المتماسك والمؤلف من قوميات وأثنيات متناحرة تفتقد للصلات الإنسانية فيما بينها كلما تعرضت الدولة للتفكك والإنهيار. لذلك فإن مهمة الدولة الأساس إزالة المراتبية بالمواطنة بين أفرد المجتمع لتحقيق العدالة والإنصاف لتصبح راعية وحامية لكافة أفراد المجتمع دون تمييز بالعرق واللون والدين.
إن المبادئ الأساسية لنشوء الدولة قد تبدو فضفاضة (حامية، راعية، مواطنة، إنصاف، عدالة.....) لكنها لاتكون فعالة وجامعة على صعيد الواقع دون وجود وسيلة قادرة على فرضها على الجميع، أي توفر الدولة على سلطات قوية ومتعددة ومنها سلطة فرض القانون بالقوة على الجميع.
الردع القانوني، العنف الشرعي....وسائل تعزيز النظام الاجتماعي والحفاظ على الوحدة وإلزام الأفراد والجماعات بكافة الأنظمة والقوانين والأوامر التي تصدرها الدولة من خلال سلطاتها ومؤسساتها.
لذلك يسعى رجال الدولة الحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع وإيجاد الوسائل والصلات (الاقتصادية، الإنسانية...) بين فئاته المتعددة لتحقيق المصلحة والمنفعة المتبادلة، فكلما كانت المصالح والمنافع كبيرة بين الفئات الاجتماعية المختلفة كلما تعززت الأواصر والصلات الإنسانية فيما بينهم وبالمحصلة يصبح المجتمع أكثر تماسكاً وقوة فيتعزز حضور الدولة.
يقول ((ماركس))"إن انقسام الدولة في البلدان التي لم يكتمل نموها وتطورها ولاتزال تعيش حالة عدم توازن في سلطاتها وتعدد انتماءاتها. يعود بالدرجة الأساس لتعدد قومياتها وأثنياتها وأعراقها المبعثرة وعدم قدرة على أحدها فرض إرادتها على الآخرين".
إن تعدد الأعراق والأثنيات الدينية الصغيرة خاصة منها المتقوقعة على نفسها والتي تعيش حياة منعزلة ومنفصلة عن الآخرين على مساحة جغرافية ما من أرض الوطن، وتخشى الإنخراط وإقامة صلات (تجارية، اجتماعية، نسلية...) مع الفئات الأخرى تحسباً لإنصهارها وتأثر عاداتها وتقاليدها (ولربما معتقداتها) يضعف شعورها بالمواطنة وتتأصل المشاعر القومية والأثنية والعنصرية في وجدانها ضد الآخرين لتعيش حالة من الدفاع الكاذب عن نفسها ضد أعداء وهمين يخططون بشكل سري لصهرها في المجتمع.
إن وجود قوميات وأثنيات صغيرة في محيط من قوميات وأثنيات كبيرة يفرض على الأولى في اللاوعي شعوراً بعدم الأمان وزعزعة الثقة بالنفس وبحالة من التهديد المتواصل خاصة إن عمدت الدولة على استخدام العنف (الشرعي أو اللاشرعي) لفرض النظام عليها.
إن من أحد مهام الدولة ضمان حقوق الأقليات القومية والأثنية (حقوق المواطنة) وإيجاد السُبل والوسائل التي تتيح لها التواصل والإنسجام مع الدولة والمجتمع باعتبارها مكونات يتألف منها المجتمع وليست طوائف هامشية طارئة ووجودها رمزي قابل للانقراض مع الزمن.
فالمكون الإجتماعي في الدولة لاتكمن أهميته بعدد السكان وإنما بمساهمة أفراده في الحراك الاجتماعي الذي يعزز وجود الدولة ويساهم في تطورها، فالنسق الحضاري للوطن ليس نتاجاً يقتصر على أمة أو قومية بعينها على مراحل التاريخ وإنما فعل تراكمي لمساهمات الأمم التي تعايشت وتبادلت الأدوار القيادية لبناء الحضارات الغابرة، فالإرث الحضاري هو رصيد كافة الأمم والمكونات الإجتماعية على أرض الوطن التي تمثلها الدولة الحديثة.
يعتقد ((الياس مرقص))"أنه في الأمة-الدولة، والدولة-الأمة ثمة دائماً فعل بشري (وعي، قيادة) وثمة دائماً دور للإرادة، للفكر النظري والأيديولوجي، للسياسة، للملك أو الملوك...الأمة إلى الدولة، والدولة إلى الأمة لكن الغلبة للأمة إلى الدولة".
حين يشعر المواطن إنه ابن الدولة الراعية لشؤونه والضامنة لحقوقه، يولي إهتماماً أكبر في أداء واجباته اتجاهها. إن العلاقة التعاقدية بين الدولة والمجتمع يجب أن لاتؤطر بإطار تبادل المصالح البحتة، أي تقتصر على المنفعة لاغير.
فالعلاقة ليست بين كائن (الدولة) جامد وعديم الإحساس وكائنات عاقلة ذوات أحاسيس (فئات المجتمع) فالدولة كائن حي ينمو ويتطور، يولد ويهرم ويمرض كسائر الكائنات الحية الأخرى وكما أن للفرد روحاً يحيا بها ويموت عند غيابها فإن روح الدولة هي مجموع أرواح مواطنيها تحيا بها ولاتموت طالما هناك مجتمعاً ينمو ويتطور.
إن مبدأ المواطنة أحد أهم عناصر الدولة الحديثة ويعد القاعدة القانونية الأساس لمبدأ العدالة والإنصاف التي تحتكم إليها الدولة في تعاملها مع مواطنيها وبغياب مراتبية المواطنة في الدولة تسود المساواة بين أفراد المجتمع مما يعزز الأواصر والصلات بين أفراد المجتمع من جهة وبين الدولة من جهة أخرى.
يقول ((هوبز))"إذا أنت أقدمت على قتلي، فأني بالتأكيد لن أستطيع قتلك لأني سوف أموت لكن الدولة هي التي سوف تقتص منك. وهذا الاقتصاص لفعل الدولة هو الذي يردعك ويقلل من حماسك الإقدام على قتلي".
إن تعزيز وجود الدولة ومؤسساتها هو فعل لاشعوري للكائنات السوية في المجتمع للحفاظ على حياتها ومستقبل أجيالها وبالتالي الحفاظ على السلم الاجتماعي عن طريق مساعدة الدولة على ردع الأفراد والجماعات الخارجة على القانون.
إن الكائنات غير السوية في المجتمع تسعى لفرض شريعة الغاب على المجتمع، فالقوي يأكل الضعيف فينحدر المجتمع نحو الحياة البربرية. وعلى الضد من ذلك تسعى الكائنات السوية في المجتمع جاهدةً التمسك بدولة القانون ليحيا المجتمع حياة متمدنة ويسير نحو التطور والتقدم.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم