الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماس ومحاكمات الإخوان

محمود الزهيري

2008 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في القاهرة التي لايستطيع المرء أن يسمع فيها صوته حتي وهو يصرخ حسب وصف صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية , صدرت أمس أحكام بالحبس ضد قيادي وأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين والتي جاءت تلك الأحكام علي خلاف ظن مكتب الإرشاد , ومصدقة للحدس السياسي , فالبعض وصف هذه الأحكام بالقاسية , وآخرون وصفوها بالعادلة وهذا ليس من باب عدالة الأحكام القضائية لأن المحاكمات العسكرية للمدنيين شكك الكثير في مصداقيتها حال كونها تخالف قواعد القضاء الطبيعي بوصفها أحكاماً عسكرية تجري أحكامها علي مدنيين والغرض الرئيسي منها تصفية بعض الوشائج السياسية التي كانت تربط النظام السياسي الحاكم صاحب السلطة المطلقة والوحيدة في التصديق علي هذه الأحكام العسكرية والتي صدرت بإسمه بوصفه الحاكم العسكري , وبين مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين والذي أدي أدواراً ماكان يحلم بها النظام الحاكم من غير أن يستفيد الإخوان المسلمين من هذه الوشائج التي كانت تربط بينهم وبين النظام الحاكم , وهذه الوشائج تبدت في مظاهر عديدة منها إستخدامهم كفزاعة إجتماعية في وجه القوي السياسية الرسمية ممثلة في الأحزاب التي يطلق عليها مجازاً سياسية والتي غاب دورها بفعل وشرط النظام الحاكم , أو التيارات اليسارية والعلمانية ذات التأثير المحدود في المجتمع المصري , أو حتي كفزاعة مرهبة ومخيفة للأقباط المسيحيين ومعهم الأقليات الدينية الأخري كالقرآنيين والبهائيين , مما خلق حالات عديدة من العداءات بين الإخوان المسلمين وبين هذه الأحزاب والتيارات بدرجات متفاوتة بينها وبينهم حسب حدة الصراع السياسي المغموس في الصبغة الدينية , وهذا العداء وصل لدي البعض لدرجة الإبتهاج الشديد , ووصل بآخرين لدرجة الشماتة , بينا لاذ قطاع بالصمت رافضاً حتي مجرد إبداء الرأي في هذه المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين والتي جاءت علي عكس ماكان يتوقع الإخوان أنفسهم .
ولايمكن إغفال دور النظام الحاكم في تفعيل دور تلك الفزاعة المرهبة والمخيفة للغرب علي خلفية طالبان والقاعدة والمحاكم الإسلامية والمجاهدين الأفغان سابقاً وجماعة تحرير مورو والسلفية الجهادية والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وغير ذلك من التنظيمات الدينية التي تنتمي جميعها لمفاهيم إسلامية تستند إلي القرآن والحديث وتدعي أنها علي جادة الصواب بالمطلق .
ولكن الذي يهم الغرب شاملاً الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي وبعض الدول الأخري هو بروز دور حماس بإعتبارها الجناح العسكري للإخوان المسلمين كما يحب البعض أن يصف منظمة حماس بهذا الوصف ويصبغها بتلك الصبغة العسكرية الجهادية والتي تعتبر مؤرق خطير للوجود الإسرائيلي وبالتبعية للمصالح الأوروبية والأمريكية في مصر والمنطقة العربية بتخومها الإسلامية ذات الديانة الإسلامية التي يدين بها غالبية تلك التخوم المجاورة للدول العربية .
وكان وقوف الإخوان المسلمين في مصر بجانب حماس وتأييدهم لها بمثابة ضربة للنظام الحاكم في مصر والذي أصبح الأمن القومي المصري في حالة لم تتضح معها صفاء اللون الأحمر للخطوط الخاصة بالأمن القومي المصري والتي تتأرجح بين مشتقات اللون الأحمر ومتشابهاته ولكنها لم تصل إلي حد صفاء اللون الأحمر أو نقاؤه في حالة وجود حماس فيما يسمي تجاوزاً بسلطة الحكم في غزة , وتأييد جماعة الإخوان المسلمين لغزو الحدود المصرية وفتحها عنوة من جانب حماس في إشارة خطيرة إلي أهمية الموقف الديني الإسلامي والذي بدا متخالفاً في المشهد السياسي الواقعي مع الموقف الوطني والقومي , مما كان له موقف سلبي ضد النظام المصري المحمل بجملة من العذابات الإجتماعية والإقتصادية والتي أصبح غير قادر علي تحمل تلك العذابات حتي في أبسط مطالبها الحياتية البسيطة والخاصة بتوفير رغيف الخبز وكوب ماء نظيف علي أقل وأبسط تقدير , وذلك في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين ومنظمة حماس اللتين تنظران إلي الحالة الواقعية للمسألة الفلسطينية في ربطها بالمسألة الإسرائيلية في الطرف الآخر من المعادلة علي أنها تساوي في النهاية مسألة وجود لامسألة حدود , وخارج هذه المعادلة يتعامل النظام المصري وباقي الأنظمة العربية والإسلامية علي أن المسألة مسألة مفاوضات في أقل تقديراتها مبنية علي أن الأرض مقابل السلام , ولكن تبدو الصورة واضحة في قراءة هذا المطلب في أنه إذا كان الفلسطينيين يريدون سلاماً فعليهم التنازل عن الأرض !!
وكأن تراكمات الأحداث تأتي متتابعة في مشهد إصدار جملة من الأحكام العسكرية ضد قيادي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالتوافق مع تبرئة المتهمين في قضية أكياس الدم الملوثة في ذات اليوم الصادر فيه تلك الأحكام ضد الإخوان المسلمين مع الفارق أن محاكمة قضية أكياس الدم قاضي المتهمين فيها طبيعي , وقاضي الإخوان عسكري !!
ولايجب أن ننسي أن الإخوان المسلمين في مجلس الشعب هم الذين رفضوا تلك المحاكمة في بادئ الأمر أثناء إعداد تقرير من مجلس الشعب بتلك القضية والمتهم فيها عضو من أعضاء مجلس الشعب ينتمي لحزب الحاكم العسكري الذي أصدرت محكمته تلك الأحكام وينتظر منه التصديق عليها !!
والإخوان المسلمين هم أنفسهم من أخلوا بجميع الإتفاقات بينهم وبين القوي السياسية في الإنتخابات التشريعية وتواطؤا مع حزب الحاكم العسكري في إخلاء بعض المقاعد لمرشحي حزب الحاكم العسكري و خذلوا القوي السياسية المتفقة معهم .
والإخوان المسلمين هم من رفضوا المشاركة في العديد من الفعاليات الوطنية كالتظاهرات والإعتصامات والوقفات الإحتجاجية , وآخر مواقفهم كانت إدانتهم لإضراب 6 , 7 أبريل 2008 , أو حسب ماسماه البعض وتراوحت تسميته بين الإضراب أو الإعتصام أو المظاهرة , واكتفي الإخوان المسلمين بصياح لافتاتهم وصياح حناجرهم بمقولة : إلا أنت يارسول الله , إرفعوا الحصار عن غزة , غزة تحترق , بأبي أنت وأمي يارسول الله , فكان خروجهم للشارع من أجل الرسوم المسيئة , ومن أجل حصار غزة , وتناسوا حصار القراصاية وحصار قلعة الكبش , مع إحترامنا وتقديرنا للإنسان في مصر وفي غزة وفي كل مكان .
والإخوان المسلمين هم تقدموا بأوراق ترشيحهم للإنتخابات , وسحبوا القرار بالمشاركة فيها بعد أن وصفوا هذه المشاركة في إنتخابات المحليات بالجهاد , وحسبما وصفوا جميع مشاركاتهم السياسية المصبوغة بالصبغة الدينية علي أنها ألوان متعددة من الجهاد .
والإخوان المسلمين هم من قالوا أنهم علي إستعداد لإرسال 10000 عشرة آلاف جندي مقاتل مجهزين بالسلاح والذخيرة والعتاد والمؤن إلي فلسطين المحتلة للوقوف بجانب حماس وتحرير الأرض الفلسطينية .
والإخوان المسلمين هم أصحاب العروض العسكرية بالجامعات المصرية .
والإخوان المسلمين هم الذين بلعوا الطعم كاملاً من سنارة النظام الحاكم , وحينما أرادوا أن يبتلعوا السنارة كانت هذه المحاكمات العسكرية , حيث شبح حماس في المنطقة يخيم بظلال كئيبة تعكر صفو النظام الحاكم , وتعكر صفو القوي السياسية ممثلة في الأحزاب السياسية والقوي اليسارية والعلمانية , وبل وتعكر صفو الغرب وتهدد مصالحه وأمنياته المتطلعة دائماً إلي المنطقة العربية وعين القلب منها مصر .
إن تلويح منظمة حماس إلي تحطيم الحدود المصرية وتحطيم الحواجز الحدودية مسألة تؤرق الأمن القومي المصري بتداعياته الوطنية والإقليمية والدولية وأوراق ضغطه , ومن ثم فكان لابد أن تكون هذه المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين من وجهة نظر ورأي ومصلحة النظام الحاكم الذي ظن الإخوان المسلمين فيه ظناً حسناً , ولكن خاب هذا الظن وكانت الأحكام العسكرية القاسية والموجعة للإخوان المسلمين بعد مصادرات للأموال والثروات بمثابة رسالة قاسية موجهة إلي منظمة حماس في الأساس الأول وممثلة كحائط صد قوي أمام أي تعديات لحماس علي السيادة المصرية , والتي تمثل أمر مبهج للإدارة الأمريكية والدولة العبرية في آن معاً , خاصة بعد خروج الإخوان بمظاهرات بالالآف في أماكن متعددة ضد الحصار علي غزة ومؤيدة لكسر الحواجز الحدودية المصرية , علي خلفية الإدعاء الأمريكي والإسرائيلي بتهريب السلاح والذخيرة لمنظمة حماس , مع دخول الأغذية والأدوية والمستلزمات الحياتية والمعيشية التي كانت توفرها الدولة العبرية للسلطة الفلسطينية في غزة بقيادة حماس , والتي تريد أن تستعيض عنها عبر الحدود المصرية .
وهذه المحاكمات كانت علي إثر تحالف الفاشية الدينية ممثلة في الإخوان المسلمين , والفاشية السياسية ممثلة في النظام الحاكم .
والغريب في أمر هذه الأحكام العسكرية أنها جاءت بعد تعدي مجموعة من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين علي نقيب الصحافيين مكرم محمد أحمد , وغلق أبواب النقابة في وجهه , ومنع إنعقاد المؤتمر الأول لمصريون ضد التمييز الديني يوم الجمعة 11 4 2008 , بل والإغرب أن يوافق هذه الأحكام فتوي مفتي غزة بإباحة قتل الجنود المصريين في حالة تعرضهم للفلسطينين , ليضفي علي أحداث القتل صبغة وصفة شرعية لها مدلول في القرآن والحديث حسب مفهوم مفتي غزة , مما أثار العديد من المصريين ضد هذه الفتوي التي أعلنها من علي منبره في خطبة الخمعة بمسجد عباد الرحمن بخان يونس .
والغريب في الأمر كذلك تعليق المرشد العام للإخوان المسلمين علي هذه الأحكام العسكرية والتي وصفها بأنها غير شرعية قبل أن يصفها بأنها غير قانونية وغير دستورية , وهو الذي لم يمانع في بقاء النظام المصري في الحكم والسلطة علي حسب رأيه مادام يقيم الحق والعدل , وكأنه هو الذي نسي القاعدة الشرعية والتي يؤمن بها والتي منطوقها حسب مفهومه : أن حكم الحاكم يفض النزاع وإن كان مخطئاً .
فهل سيظل الأخوان المسلمين يتعاطون الواقع بعقلية مصلحة الجماعة المقدمة علي مصلحة الوطن , أو مصلحة الأمة المقدمة علي مصلحة الوطن , في إشارة إلي ماقاله المرشد العام للإخوان المسلمين , أنه يوافق أن يحكم مصر ماليزي مادام يطبق الشريعة !!
وكيف يمكن أن يتعاطي الإخوان المسلمين المسألة الفلسطينية وخاصة مع غزة في ظل التداعيات الوطنية والإقليمية والدولية ؟
وماهي النسبة التي سيتعاطونها في الوصول بهم بالحالة المزاجية التي تنتشي معها عاطفتهم الدينية وأمزجتهم الفكرية في ظل هذه الظروف ؟
أعتقد أنها تقترب من نسبة الخمسة في الألف 005 % التي قال بها الشيخ يوسف القرضاوي في فتواه عن إباحة تعاطي المشروبات التي بها نسبة من الكحول ناتجة من التخمر الطبيعي !!
وأعتقد أن هذا لايكفي لأن السياسة لاتعترف بالتخمر الطبيعي , وإنما تعترف بالتخمرات الصناعية التي تحافظ من خلالها علي النسب الثابتة في تحقيق المصالح ودرء المفاسد .
فمن الخاسر من هذه المحاكمات ؟
أعتقد أن الخاسر الأساسي هو تنظيم حماس الذي يتعامل مع الواقع بمنطق القبيلة , والخاسر الثاني هم جماعة الإخوان المسلمين الذين سيستمرون في قراءة الواقع بمنطق المفعول به في الجملة الإعرابية سواء كانت جملة خبرية أو إنشائية .
وأعتقد أن النظام الحاكم لم يكسب من هذه المحاكمات العسكرية لأن حجم المطالب الإجتماعية والإقتصادية في إذدياد كمي ونوعي , ولأنها جاءت لحاجة في نفس يعقوب قضاها !!
وإذا كانت فعاليات الإخوان المسلمين في غالبيتها تكون مقتصرة علي أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من ندوات ومؤتمرات وتظاهرات حال كونهم ينظموها من الإخوان وللإخوان دون مشاركة من باقي القوي السياسية والتيارت الفكرية والثقافية في حالة تشبه حالة من حالات العزلة الإجتماعية والسياسة حال كونهم يخروجون وحدهم في فعالياتهم وتظاهراتهم ولايشاركهم فيها أحد , فمن سيقف معهم الآن ؟!!
وفي النهاية كنت أتمني أن تكون هذه المحاكمات أمام القاضي الطبيعي ,
وليس أمام الحاكم العسكري , ولتكن الأحكام ماتكون مادامت محاكمات طبيعية عادلة معتصمة بالدستور والقانون .
أما لغة الفرح بهذه الأحكام والشماتة فهذا أمر ترفضه الدولة المدنية التي نسعي لأن نؤسس لها جميعاً بإعتبارنا شركاء في إدارة وصناعة مستقبل أوطاننا .
محمود الزهيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446


.. 162-An-Nisa




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و