الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصابت امرأة و أخطأ الشيخ

أحمد عصيد

2008 / 4 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ارتكب الشيخ يوسف القرضاوي ثلاثة أخطاء فادحة و هو يردّ متأخّرا ـ و في مرافعة تحت الطلب ـ على المرأة التي أحدثت زلزلة قوية بقناة الجزيرة، و جعلت هذه الأخيرة تعتذر لمشاهديها الذين لم يألفوا من القناة القطرية إلا ما يداعب عواطفهم و يجاري أوهامهم و يهدّئ من أمراضهم النفسية المزمنة. و طبعا انتقم الشيخ للجزيرة و لجمهورها المهيّج الذي يتلقى يوميا كل ألوان الشعارات التحريضية و مشاهد الدم المثيرة، انتقم الشيخ من امرأة ... في غيابها، أي أنه كال لها الشتائم من وراء ظهرها دون أن يعطاها حقّ الردّ و المناقشة، إنه نفس السلوك الذي تعمد إليه السلطات في البلدان البعيدة عن الديمقراطية عندما تقوم باعتقال الشخص أو محاكمته ـ و هو على حق ـ إرضاء للعوام المهيّجين و سعيا إلى تهدئة النفوس و المشاعر ضدّا على كل قانون أو حقّ من الحقوق.
لم تقل وفاء سلطان إلا ما قاله نخبة جيّدة من المثقفين النزهاء و ظلّوا يقولونه على مدى قرن كامل، أنّ على المسلمين أن يراجعوا أنفسهم قبل اتهامهم لغيرهم و أن يدركوا أخطاءهم قبل أخطاء الغير، و أن يقوّموا سلوكهم قبل سلوكه. قالت هذه المرأة إنّ الذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة، قالت إنّ من لا يحترم مقدّسات غيره لن يحترم الناس مقدّساته، و أشارت بشكل صريح إلى المشاكل التي تطرحها نصوص القرآن و السنة التي تتضمن التحريض على العنف و القتال و المقاتلة و الإنتحار و الإستهانة بالديانات الأخرى باعتبارها محرّفة و تزكية الإسلام على أنه وحده الدين الصحيح، قالت و هذا هو الأهمّ و الأكثر إفحاما، إن الإسلام ليس دينا بل هو عند أهله سياسة أيضا و دولة و حكم، و لهذا من الطبيعي أن يُنتقد كما تنتقد كل وسائل السياسة و السلطة و الحكم، و هو ما يرفضه المسلمون لأن منطق تفكيرهم مختلف كليا عن بقية البشر، فمن الضروري أن يقحم الدين في السياسة و لكن لا ينبغي أن يكون موضوعا لأي نقد، تماما مثل الحكّام العرب الذين يعطون أنفسهم الحق في ممارسة الحكم دون أن يكون لغيرهم الحقّ في انتقادهم.
و ها هو الشيخ المرجع و الدّاعية يؤكّد كلّ ما ذهبت إليه، فلكي يفحم الشيخ خصوم الإسلام فضّل أن يعطي الدليل من التوراة ـ الكتاب المقدّس لليهود ـ حيث أشار دون أن ينتبه إلى خطئه إلى أن هذا الكتاب هو الذي يتضمّن الدعوة إلى الإبادة و القتل و نصب المحارق و ليس القرآن، و الشيخ بذلك ينسى المبدأ الذي انطلق منه في تعقيبه و انطلقت منه الجزيرة في اعتذارها و هو ضرورة احترام الأديان و المعتقدات، و لأنه لم يجد من حجّة يستدل بها على خطإ وفاء سلطان فقد فضّل خطّة الهجوم على الدفاع، ليعلن نصف الحقيقة،أي حقيقة التوراة، و ينسى أن يستحضر ترسانة الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية التي تتضمن نفس الشيء، فالعنف موجود في كل الكتب الدينية لأنه ثقافة المجتمعات القديمة، و المشكل اليوم ليس هو ذلك بالتحديد، بل هو كيف ينبغي على المؤمنين بهذه الديانات أن يفهموا تلك النصوص أو يتعاملوا معها لكي يحدّوا من الخسائر التي قد تنجم عن فهمها كما فهمها القدماء، و هذه أصبحت مشكلة إسلامية بامتياز، ولم تعد يهودية و لا نصرانية، ما دام يتكاثر بين ظهرانينا من يرى بأنّ القرآن هو " دستور المسلمين" الذي عليهم تطبيقه بكل ما فيه، و كما فهمه السلف، و ما دام الذين ينفجرون و يقتلون المدنيين مجاهدين في سبيل الله من المسلمين و ليسوا يهودا و لا نصارى، و ما دام مفهوم الإرهاب قد أصبح إسلاميا على الصعيد الدولي و لدى كل شعوب الأرض إلى أجل غير مسمّى.
يعرف الشيخ القرضاوي و غيره بأنه لا يجوز الدفاع عن شريعة أو كتاب مقدّس عبر الطعن في معتقد آخر و تبخيسه و تحقيره، لأنه بذلك إنما يعطي الحقّ لغيره بأن يفعل نفس الشيء بمعتقداته، و يعرف المسلمون في كلّ بقاع الأرض بأن الطريقة المثلى التي ينشر بها المسلمون دينهم و يدرّسونه بها في المدارس إنما هي عبر الطعن في المعتقدات المخالفة و نعتها بشتّى النعوت القدحية، و لنا في الكتب المدرسية المغربية خير مثال، و كأن أطفال المدارس لا يمكن لهم أن يقتنعوا بالدين الإسلامي إلا إن قمنا بإقناعهم أولا بتهافت كلّ الأديان الأخرى و بطلانها.
لم يكتف مفتي الجزيرة بما قاله، بل حاول بشكل مفضوح أن يتنكّر للنصوص التي اسشهدت بها وفاء سلطان و أن يورد نصوصا أخرى قام بانتقائها بعناية، و هي لعبة مكشوفة لم تعد تنطلي على أحد، فالجميع يعلم بأن النصوص التي يستعملها المتطرفون الدينيون في زرع النزعة الإنتحارية لدى الشباب ليست أحاديث ضعيفة بل آيات قرآنية صريحة و موجودة بالمئات و تطرح فعلا مشكلا حقيقيا، و لا فائدة من الحديث عن الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و أسباب النزول و الباطن و الظاهر و التفسير و التأويل و غير ذلك من أساليب اللف و الدوران التي تعب منها الناس و ملّوا و هم يرون بأمّ أعينهم كيف تنتشر ثقافة الأحزمة الناسفة و تزداد الكراهية في النفوس، فالقرآن كلّ لا يتجزأ، و من الصعب إقناع المتطرفين بوجود آيات معطّلة غير قابلة للإستعمال.
و قد أضاف مفتي الجزيرة بعض التوابل الإرهابية، عندما قام عن غير وعي منه باستعطاف مجرمي القاعدة بتونس لكي يطلقوا الرهائن النمساويين، معتبرا أن الرهائن أبرياء لا ينبغي أخذهم بذنب غيرهم (كذا) حيث "لا تزرو وازرة وزر أخرى"، و معنى هذا أن الشيخ يبرّر الإرهاب بشكل واضح، فالمشكل عنده ليس في وجود هؤلاء المجرمين و حملهم السلاح و قتلهم لمواطنيهم من قوى الأمن و المثقفين و الصحفيين و الفنانين بالجزائر و تونس و المغرب، بل المشكل فقط في أن هؤلاء أخطأوا بخطف رهينتين بريئتين بسبب ذنب غيرهم، و الغير هنا هو الدولة و بقية المجتمع، حيث لم يقم الشيخ مفتي الجزيرة بمناشدة هؤلاء المجرمين لكي يضعوا سلاحهم و يعمدوا إلى الطرق السلمية في عملهم. يظهر هذا بوضوح استحالة الفصل بين بعض من يسمّون "علماء الأمة" و بين الإرهابيين، إنه العقل الفقهي المتحذلق الذي يبذل قصارى جهده في التحايل و التلاعب بالكلمات عوض أن يتحلّى بشجاعة مواجهة المشاكل الحقيقية.
لقد نجحت وفاء سلطان في إرباك العقل الإسلامي الغارق في التناقضات و الأحلام و الخرافات، و جعله يخرج عن طوره و يكشف عن ضعفه و قصوره عن فهم السياق المعاصر، و رهانات مرحلة لم يعرف لها مثيل من قبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري